الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سيكو دراما الثورة المصرية - التحليل النفسى لشخصية المصريين بعد ثورتين - 3 - المسرح الكبير




«السيكو دراما»  أو الدراما النفسية هى احد انواع أو فنون العلاج النفسى الذى تكمن فنياته فى تفريغ الانفعالات الناتجة عن الصراعات الداخلية فى النفس البشرية ويتم ذلك فى اطار تحليلى وهى كذلك محاولة لفهم ما يدور داخل النفس البشرية وهو ما سنقوم به بالضبط، فسنقوم برصد ما حدث وما يمكن أن يحدث من تحولات نفسية والتى تؤدى فى الأغلب الأعم إلى تحولات اجتماعية فى نفوس بل وفى المجتمع المصرى بشكل عام، سنقوم بذلك بشكل تحليلى وفقا لقواعد الدراما النفسية على حلقات متوالية لنرصد الخلل ونحاول تقديم انماط مختلفة أو رؤى وتصورات جديدة لعلاج ما طرأ على المجتمع المصرى من خلال ما ظهر منه وما بطن.
لتوضيح رؤيتى آخذكم هنا فى دراما من تخيلى مربوطة بأرض الواقع.. إلى مسرح كبير.. كبير جدا.. باتساع ميدان التحرير، الإضاءة خافتة، يجلس على أحد أطراف المسرح السيدة المسيحية التى تشبه أى سيدة أخرى أو التى لا يميزها شىء عن أى سيدة أخرى للوهلة الأولى على الأقل، يجلس فى طرف آخر رجل ضخم البنية ذو لحية سوداء كبيرة مرتديا جلبابا قصيرا، يمسك بيده مصحفا، وفى طرف ثالث يجلس مجموعة من الشباب، شابان وفتاتان احدى الفتاتين محجبة والأخرى غير محجبة ورجل كهل والشابان يرتديان ملابس عادية لا تشى بتوجه معين، يقوم الجميع بتعريف أنفسهم ثم يصمتون ويقفون للحظات يتوجهون بعدها إلى وسط المسرح «الصينية» وهم يهتفون «الشعب يريد اسقاط النظام».. يهتفون بحماس شديد ثم يجلسون على الأرض متجاورين فى صينية الميدان/ المسرح.. تنهض السيدة وتبدأ فى الحديث عن علاقاتها وما إلى ذلك وما تشعر به تجاه الآخرين من المقربين لها أو غيرهم ممن تتعامل معهم فى الحياة بشكل عام، يقوم بعدها الشخص الملتحى ذو الجلباب القصير ويفعل نفس ما فعلته السيدة، ثم نطلب من الشخص الملتحى أداء دور السيدة سنلاحظ بعض الارتباك وعدم قدرته على الأداء والخلط بين كونه نفسه وكونه مقلدا لها أو متحدثا بلسان حالها – من الناحية النفسية بالطبع – وتدريجيا تنهار الدفاعات ويبدأ فى الحديث عنها بلسانها وليس بلسانه.. هنا اخرج من المسرح قليلا للحديث عما شاهدناه وهو محتوى السيكودراما نفسه.
المكونات الأساسية لاى شخصية أيا ما كانت هى كالآتى: أولا: الأنا العليا - وريث أوديب - وتمثل مجموعة القوانين القوية الصارمة الغاشمة أو القيم والمبادئ الحاسمة وهى متعلقة بشكل مباشر بالسلطة الأبوية القاهرة، أما المكون الثانى فيدعى بـ«هو» ويعنى الرغبات البدائية الأولية، وبين المكونين ينشأ صراع عنيف يكاد يسحق الأنا أو النفس وهى المكون الثالث والأخير من مكونات الشخصية، وينشأ عن هذا الانسحاق ما يسمى بالقلق العصبى وهنا يظهر ما يسمى «الحيل الدفاعية» وهى أقنعة يرتديها الشخص ليحاول أن يجنب النفس هذا الانسحاق والتوتر أو القلق العصبى، وهى متنوعة ومختلفة منها الانكار والمثالية والاسقاط والتبرير والوسوسة وغيرها الكثير من الحيل الدفاعية المختلفة.
نعود إلى مسرحنا الكبير مرة أخرى، فالتفاعل الذى يظهر هنا بين السيدة التى تشبه كل السيدات والرجل الذى اعتدى بمولوتوف على الكنيسة التى تصلى بها السيدة - أوصلها إلى الحالة التى جاءتنى بها وعرضنا لها فى الحلقة الأولى - يدعو للتأمل، فالرجل ذو اللحية الطويلة جدا اكثر مما ينبغى والجلباب القصير جدا اكثر مما ينبغى جدير بالتأمل ولافت جدا، فهناك فى علم النفس مصطلح يسمى «النكوص» ويعنى العودة للوراء، او بشكل نفسى العودة لمرحلة نفسية سابقة والتعامل على أساسها مع العالم الخارجى، لكننا نجد هنا ان النكوص النفسى هنا يصحبه نكوص او ردة اجتماعية وفكرية ايضا فالرجل شعر بتهديد حضارى للتفوق الحضارى للغرب الذى يدعو للعلمانية، فعاد على المستويين النفسى والحضارى الى الوراء يستنجد بقيمة اعلى حضاريا فلم يجد، وظل يعود حتى اصطدم بالقيم الأولى المؤسسة وهى المقدس على المستوى النفسى أو الدين، ولكن الرجل عندما قرر ان يحتمى بقوة الدين او المقدس أحس بالتهديد يطارده من جديد فقرر ان يتحول المقدس الى وسيلة هجوم، وقد كان ولكن يلزم هنا بعض التحوير والملاءمة والمواءمة واضافة قصة هنا وقص حكاية هناك لا مانع.. لا مانع ابدا من كل هذا.. ثم بدأ الرجل بالهجوم.. الهجوم كان على الآخر - الكنيسة - وكان رد فعل المسيحيين هنا بشكل تلقائى هو النكوص أيضا والاحتماء والعودة الى الوراء، الاحتماء هنا بالمقدس والنكوص ايضا مصحوب بردة اجتماعية وثقافية مكنت عبر سنوات طغيان وتغلغل الحركة الوهابية فى مصر الى طغيان وتغلغل الكنيسة فى نفوس المصريين وتجمعهم حولها، وتحلل المجتمع الى مكونات اولية ليخرج الينا العنف بعد ان تجرد من النسق الحضارى الى صورته البدائية وهى الارهاب.
اذن فالنكوص المسيحى او نكوص المسيحيين المصريين على الاقل - او كما يستدعى المقام هنا - هو رد فعل طبيعى وتلقائى الى النكوص الوهابى والاحتماء بالمقدس هنا يقابله احتماء بالمقدس، بقى هناك امر واحد فقط غاية فى الخطورة، وهو أن العنف الايجابى هنا من الناحية الاسلامية يقابله عنف ايضا من الناحية الاخرى – وهو أمر طبيعى – ولكنه عنف سلبى هذه المرة لاستشعار الضعف، والعنف السلبى هنا متمثل فى الرفض، رفض الآخر وتكوين جيتوهات صغيرة فى الاعمال والمصالح وحتى المجتمعات الداخلية، لنجد اننا امام عنف منظم ولكنه سلبى وايضا يحمل بذور انفجار يحوله الى عنف ايجابى.. هذه البذور تنتظر البيئة الخصبة فقط.. وحديثنا هنا ليس الغرض منه على الاطلاق التخويف او بث الرعب وإنما هو دق لناقوس الخطر فقط للتنبيه قبل فوات الأوان.
يبقى على مسرح السيكو دراما ان نفض الاشتباك قبل حدوث اذى، فهل نستطيع ان نفعل هذا على مسرح احداث الواقع؟ ويبقى ايضا ان نعيد تذكير الشخوص بحقيقتهم واستعادتهم لدورهم فمن قام بدور مخالف له او مغاير او تمثيل دور يخدم النص لصالح اخراج الانفعالات الخاصة بالبطل او باى مشارك يجب ان يعود ليعرف انه فلان الحقيقى وليس فلان الافتراضى الذى كان يمثله.. وهنا السؤال الأخطر والأدق والأكثر حساسية هل نفك ارتباط السيدة بقولنا لها انك انت السيدة المصرية ام أنك السيدة المسيحية التى تملكين مشكلة اجتماعية ونفسية خاصة جدا فى وطنك؟ وهل نفك ارتباط الرجل باعادته الى كونه مواطن مصريا ام لانه رجل وهابى بدوى ذو جلباب قصير جدا اكثر مما ينبغى ولحية طويلة جدا اكثر مما ينبغى؟ والسؤال الأكثر الحاحا: هل ندق نواقيس الخطر مبكرا؟ هل تستعد نواقيس الكنيسة لإعلان دقاتها للصلاة.. علينا أن نترك انطباعا بأن أجراس الكنائس واذان الجوامع هى دعوة سلام وصلاة لله الذى لم يخلق البشر ليقتلوا بعضهم البعض بالتأكيد.. لنترك الأيام المقبلة تجيب عن تلك التساؤلات.. لنرى ماذا ستنبأنا به الأيام.