الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حكمة الإسراء والمعراج والدروس المستفادة




توالت على رسول الله قبيل حادثة الإسراء والمعراج الحوادث والأزمات الكثيرة، فإلى جانب ما كان يلاقيه من عنتٍ وعذاب الكفار له وتصديهم لدعوته وإنزال الأذى والضرر به وبمن تبعوه، فَقَد نصيرًا وظهيرًا له هو عمه أبو طالب، وكذلك فَقَد شريك حياته وحامية ظهره السيدة خديجة التى كانت له السند والعون على تحمُّل الصعاب والمشقات فى سبيل تبليغ دعوته السامية، فكلاهما مات قبيل حادثة الإسراء والمعراج؛ ولذا سمى هذا العام «عام الحزن»  ،  ومن هنا كان إنعام الله على عبده ورسوله محمد بهذه المعجزة العظيمة؛ تطييبًا لخاطره وتسرية له عن أحزانه وآلامه... ثم ليشهد فيها من عجائب المخلوقات وغرائب المشاهد.
ولما كان الإسراء وكذلك المعراج خرقًا لأمور طبيعيَّة ألفها الناس، واختبارًا للناس جميعًا، خاصة الذين آمنوا بالرسالة الجديدة، فصدَّق أقوياء الإيمان وكذَّب ضعاف الإيمان. وهكذا تكون صفوف المسلمين نظيفة، ويكون المسلمون الذين يُعِدُّهم الله للهجرة أشخاصًا أتقياء أقوياء، لهم عزائم متينة وإرادة صلبة؛ لأن الهجرة تحتاج لأناس ‏تتوفر لديهم هذه الصفات.
لقد كان الصعود من بيت المقدس ولم يكن من مكة، ذا دلالات، إحداها الأمر بنشر الإسلام وتوسعة إطاره؛ وذلك لأنه الدين الخاتم الشامل الجامع الذى ارتضاه الله للناس كافة على اختلاف أجناسهم، وألوانهم، وشعوبهم، ولغاتهم.
يعتبر فرض الصلاة بهيئتها ‏المعروفة وعددها وأوقاتها اليوميَّة المعروفة على المسلمين فى رحلة المعراج دليلاً على أن الصلاة صلة بين العبد وربه، وهى معراجه الذى يعرج عليه إلى الله بروحه، وأنها الوقت الذى يناجى العبد فيه ربه، ويبث إليه ما يرنو إليه. فالصلاة إذن عماد الدين؛ من تركها وأهملها فكأنه هدم دينه وأضاعه.
‏ونشير إلى أنه لا نستطيع إحصاء ما للإسراء والمعراج من حكم وفضائل، وإنما سقنا ما أفاء الله به علينا، وعرضناه بإيجاز.
‏والإسراء والمعراج من المعجزات العظيمة التى جرت فى الإسلام، ولنا نحن المسلمين دروس وعبر نستنبطها من تلك المعجزة العظيمة أهمها:
‏الدرس الأول: الإسراء والمعراج معجزة عظيمة من معجزات النبي:
‏لقد أكرم الله نبيه محمدًا برحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، فقد شاهد من آيات ربه ما لا يمكن لبشر أن يراه إلا عن طريق العون الإلهي، ووصل إلى مستوى يسمع فيه كلام الله تعالى الأزلى الأبدى الذى لا يشبه كلام البشر، فقد منحه الله فى هذه الرحلة عطاءً روحيًّا عظيمًا؛ تثبيتًا لفؤاده، ليتمكن من إتمام مسيرته فى دعوة الناس إلى طريق الحق والهداية.
‏الدرس الثانى: التأييد الإلهي:
‏فى صباح تلك الليلة المباركة أخبر الرسول أم هانئ بما حدث له فى هذه الليلة، فتوجهت إليه بالرجاء ألا ‏يحدِّث بذلك أحدًا؛ حرصًا عليه أن تناله ألسنة أهل مكة بسوء، وهى تعلم عنادهم، وأنهم لن يتركوا فرصة للتشهير به إلا انتهزوها. ولكن رسول الله أَبَى إلا أن يصدع بالحق؛ لأنه صاحب دعوة ومأمور بالتبليغ، وليس من طبيعة دعوة الحق أن ترضى بالحصار أو تستكين للتعتيم عليها.
ولما أخبر الرسول قومه بخبر الإسراء، كذَّبوه وشككوا فى قوله، وتحدوه أن يثبت صدقه إن كان صادقًا، وراحوا يسألونه: صِفْ لنا بيت المقدس. قال : «دخلت فيه ليلاً وخرجت منه ليلاً». وحينئذٍ أتاه جبريل بصورته، فجعل ينظر إليه ويخبرهم؛ فعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله يقول: «لَمَّا كَذَّبَتْنِى قُرَيْشٌ قُمْتُ فِى الْحِجْرِ فَجَلاَ اللَّهُ لِى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ». وهذا أبلغ فى المعجزة ولا استحالة فيه، فقد أُحضر عرش بلقيس فى طرفة عين لسليمان وهو يقتضى أنه أزيل من مكانه حتى أُحضر إليه، وما ذاك فى قدرة الله بعزيز.
‏الدرس الثالث: فضل وأهمية الصلاة:
‏لقد فرضت الصلاة من بين أركان الإسلام فى السماء السابعة، فأصبحت الركن الثانى من أركان الإسلام، وفى هذا دليل على أهمية هذه الرحلة العظيمة وأهمية الصلاة، وعظمها فى الإسلام؛ ولذلك شدّد الإسلام عليها كل التشديد، وأمر بالقيام بها فى السفر والحضر، والأمن والخوف، والصحة والمرض، وأصبحت قُرَّة عين النبى ؛ فعن أنس قال: قال رسول الله : «... وجُعِل قُرَّة عينى فى الصلاة». وكان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة، فعن حذيفة قال: «كان النبى إذا حزبه أمر صَلَّى».
‏وكتب عمر بن الخطاب إلى عُمَّاله فقال: «إن أهم أمركم عندى الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع». ‏وفى هذا حض على الاهتمام بأمر الصلاة وتخصيصها بمزية من المراعاة؛ لأنها إن قُبلت منه نُظر فى سائر أعماله ونفعه ما عمل من غير ذلك من أعمال البر، وإن لم تُقبل لم ينفعه شيء من عمله ولم يُنظر له فيه .
‏الدرس الرابع: فضل ومكانة سيدنا محمد  :
‏حيث صعد به رب العزة والجلالة إلى مكان عظيم لم يبلغه أحد من البشر قبله ، حيث عرج به إلى السموات السبع، وتخطاهن حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وكلَّمه رب العزة والجلالة.
‏الدرس الخامس: شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
‏ويتضح ذلك عندما أخبر قريشا أنه أُسرى به إلى بيت المقدس وعاد فى نفس الليلة، ولم يتأخر ولم يتردد مع علمه بعناد كفار قريش، وعدم تصديقه فى هذا الأمر العظيم حيث لا يمكن تخيل أن يتمكن بشر من الذهاب إلى بيت المقدس والعودة فى نفس الليلة فيما كانوا يستغرقون فى هذه الرحلة شهرين؛ شهرًا فى الذهاب وشهرًا للعودة.
‏الدرس السادس: عموم رسالته صلى الله عليه وسلم:
‏لقد ثبت فى الروايات المتعددة أن رسول الله صلى بالأنبياء إمامًا فى بيت المقدس فى ليلة الإسراء والمعراج، وفى هذا دلالات منها أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، ودليل على عالمية الإسلام، وعموم رسالة محمد ، وأنه حامل لواء الهداية للخلق جميعًا، تحمَّلها سيدنا رسول الله بأمانة وقوة، وقام بحقها على خير وجه، ثم ورَّثها لأمته من بعده، وبذلك أصبحت خير أمة أخرجت للناس، ومسئولة عن إقامة حُجَّة الله على خلقه جميعًا، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
‏الدرس السابع: الاستفادة من الخبرات السابقة:
‏ويتضح لنا ذلك من خلال استجابة سيدنا رسول الله لنبى الله موسى بالمراجعة فى أمر الصلوات: «... وَإِنِّى وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ».
‏الدرس الثامن: الإسلام دين الهداية والفطرة:
‏من أحداث تلك الليلة المباركة أن رسول الله قد اختار إناء اللبن وشرب منه، جاء فى الحديث أن جبريل قال له عندما أخذ اللبن: «هُدِيتَ الْفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ» . قال ‏القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة؛ لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، والسر فى ميل النبى إليه دون غيره؛ لكونه كان مألوفًا له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة . وفى رواية: «هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِى أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ»
 ‏إن سلامة الفطرة هى لب الإسلام؛ لأن عقيدته وشريعته وأحكامه كلها تتناسب مع مقتضيات الفطرة التى خلق الله الناس عليها، قبل أن تدنسها الشهوات والأطماع والأغراض الذاتية، وقد وصف الله هذا الدين بأنه دين الفطرة فى قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
‏الدرس التاسع: أصل الدين واحد هو التوحيد:
‏إن أنبياء الله ورسله بعثهم الله إلى خلقه ليعرفوهم بالله، وكيف يعبدونه؛ ‏ليُعلموهم أن الله وحدح هو المستحق للعبادة، قال تعالى: {‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]. وهذا يعنى أن رسالة الأنبياء واحدة، وأنهم جميعًا إخوة، وقد أكَّد رسول الله هذه الحقيقة فى مناسبات عدة، منها: قوله عن نبى الله يونس «أخى كان نبيًّا، وأنا نبي».