الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

56 قرية تواجه الموت بمستشفى أشمون العام




المنوفية - رانا زيد
يعانى مرضى مستشفى أشمون العام «الأميرى» كما يطلق عليه البعض، من الإهمال الذى دب بجذور المستشفى، بدءا من غلاء تذاكر الدخول للمستشفى والكشف وحتى صرف روشتة الأدوية، فالعنجهية والصوت العالى هما القانون الذى يحكم التعامل بين أطباء المستشفى وإدارتها والمرضى.
يخدم المستشفى المركزى الوحيد بمركز أشمون أكثر من 900 ألف شخص، تابعين لـ56 قرية و190 كفرا، إضافة إلى المدينة الرئيسية، ناهيك عن استقباله لبعض الحالات الوافدة من قرى تلا والباجور ومنوف، لاحتواء المستشفى على عدد من الأقسام المهمة والمختلفة بالمستشفى.
«روزاليوسف» فى جولة داخل مستشفى أشمون العام، لترصد المعاناة المأساوية التى يعيشها المرضى، وإليكم التفاصيل.. تقول سعدية محمد أحمد، ربة منزل، إننى جئت لإجراء عملية جراحية لابنى، وفور الانتهاء من الفحوصات والتحاليل الطبية المطلوبة، فوجئت بتأجيل إجراء العملية لعدم توافر أسطوانات الأكسجين بالمستشفى، لذلك أتردد على المستشفى بشكل يومى لأتمكن من إجراء العملية لإبنى، لأن حالته لا تستطيع التأجيل والمماطلة أكثر من ذلك.
ويضيف حمدى عبدالسلام أمين عامل حر أن ابنته عند ولادتها كانت بحاجة إلى أن تظل فى «حضانة» عدة أيام، فتوجهت سريعا إلى مستشفى أشمون العام وكان الرد من قبل إدارة المستشفى «لا توجد أماكن شاغرة لابنتك وكدا كدا مفيش أكسجين»، فلم يكن أمامى سوى التوجه إلى حضانة خاصة ليصل سعر الليلة الواحدة لـ 700 جنيه لليوم الواحد، وهذا لم يتم إلا بمساعدة بعض الأشخاص «فاعل خير».
ويستنكر جمال حسنى مدرس، من الإهمال الذى وصل له المستشفى، مستشهدا بزيارته فى وقت ليس بالبعيد لإجراء الكشف على ابنه الصغير، وجد أن غرفة الاستقبال تكتظ بالمرضى دون التفرقة بين الحالات سواء أطفال أو كبار أو نساء أو شيوخ، إضافة إلى وجود أسطوانة أكسجين واحدة بالغرفة.
ومن جانبهم يوضح الدكتور إبراهيم الأعصر رئيس قسم الحضانات بالمستشفى أن المحور الرئيسى فى مشاكل نقص الأكسجين بالمستشفى هو عدم وجود «تانك أكسجين»، والذى يقوم بتغذية شبكات الغاز بالمستشفى فى أقسام الحضانات والعناية المركزية وغرف العمليات الجراحية.
ويشير الأعصر إلى أن تلك التانكات يكون اعتمادها الكلى على أسطوانات الأكسجين، ويتم تغييرها مرتين أسبوعيا من شبين الكوم، مشيرا إلى خلو المستشفى من الأكسجين على مدار يوم ونصف اليوم، وهذا ما يؤثر على أجهزة التخدير وتأجيل مواعيد إجراء العمليات الجراحية، ويكون الحل الوحيد هو استعارة أسطوانات الجمعية الشرعية.
ويلفت رئيس قسم الحضانات بالمستشفى، إلى تأثير نقص الأكسجين على الحضانات والعناية المركزة لاحتوائهما على التنفس الصناعى مما أدى إلى توقفهما من يوليو الماضى حتى الآن، والحالات الحرجة نقوم بتحويلها إلى مستشفى شبين الجامعى، فى الوقت الذى لم تتوافر فى المستشفى سوى سيارة واحدة متخصصة ومجهزة من مديرية الصحة، وقد يصل الأمر إلى علاج بعض الحالات على نفقتهم الشخصية نظير 1000 جنيه لليوم الواحد فى بعض الأماكن الخاصة.
ويستنكر الأعصر من وعد المديرية من أكثر من 6 أشهر بتوفير التانك للمستشفى، والذى بات حبرا على ورق بعد موافقتها من وزارة الصحة، مستنكرا من أن مبنى الاستقبال بالمستشفى متهالك والغرف الموجودة به متناثرة وغير منظمة، وهى مبنى الاستقبال والطوارئ، حيث يعد هذا المبنى من اهم الابنية المفترض ان تكون بالمستشفى، فى حين يتراص المرضى بجانب بعضهم البعض، وغرف الأطباء والممرضات لا تستوعب عددهن.
وتقول بسيمة حمدى عبد الغفار: كل شىء هنا فى المستشفى بثمنه، والفارق فى الأسعار بسيط إذا ما قورن بالعيادات الخاصة، مستاءين من طول الانتظار وتفضيل ذوى الوساطة والمحسوبية علينا، ناهيك من سداد ما يقارب من 30 جنيها للإشاعة وتذكرة الكشف.
أما قسم الاطفال، فتروى قمر جمال، ربة منزل، وبصحبة طفلها الصغير، قصة معاناتها حيث إنها تابعة لعزبة مجاورة، وتأتى للمستشفى حينما يشتد الألم على طفلها، مستاءة من عدم مراعاة الغلابة ومحدودى الدخل، وسداد 22 جنيها وهذا يفوق طاقتها بمراحل.
وتصف داليا جميل، ربة منزل المبيت كـ«مرافق» لأحد المرضى، بالمذلة والإهانة والبهدلة لانتشار القطط والصرصور والفئران والرائحة السيئة وتدنى مستوى النظافة العامة بالغرف، ناهيك أن أحد الممرضات تقوم ببيع «الحفاضات» للمرضى بعد سرقتها من الغرف المجاورة وهذا على حد وصف المرضى بتلك الغرف.
وتلفت نادية ابراهيم، ربة منزل إلى أن الممرضات صباحا ومساء خلال إشرافهن على الحالات تريد الحصول على مقابل مادى، لافتة إلى حصولها من الأقارب خلال زيارتهم للمرضى مقابل مبالغ مادية تحت مسمى «حلاوة الشفا».
وتؤكد إحدى الطبيبات بالمستشفى، والتى فضلت عدم ذكر اسمها، أن كل شىء فى المستشفى أصبح بمقابل مادى لا يستطيع عليه محدودو الدخل وليس معدومى الدخل، لتتحول أسعار الكشف والعمليات الجراحية من أسعار فى متناول الجميع إلى اسعار باهظة وتناطح فى اسعار العيادات الخاصة الخارجية، ويصطف المواطنون البسطاء فى منظر تدمع له العين أمام صيدلية المستشفى لصرف روشتة العلاج منها.
وينوه محمود محمد، ترزى، إلى أن سعر خلع «ضرس» بـ10 جنيهات، مستنكرا من سوء المعاملة والتى لا تصلح كوسيلة تعامل مع آدمى، قائلا «ولولا ضعف الإمكانات المادية وعدم القدرة على التكيف وسداد تكاليف العيادات الخاصة كنت طلعت اتعالجت بره على حسابى بس العين بصيرة والأيد قصيرة».
ويضيف محمود: أن الأطباء يكتبون لكل مريض روشتتين الأولى لصرفها من المستشفى والأخرى من صيدليات خارجية، والأشعة والتحاليل والعلاج على حسابنا الشخصى وكأنه مستشفى استثمارى وليس حكومى.
شخص يبدو عليه التعب ولا يستطيع الوقوف على قدميه هذا كان عواد السيد سعد، مريض بقرحة فى قدمه، وفى انتظار من يداويه، قائلا: «عندى سكر وتعبان عايز اعمل جراحة فى قدمى للتخلص من الآلام، وارسلونى للجراحة لكن الجراحة رفضت استقبال حالتى واكتفت بتحويلى لقسم الباطنة والتى بدورها رفضت ايضا، وأنا تعبان ومعيش فلوس أروح أكشف بره، ولا قد مصاريف العلاج فى الصيدليات الخاصة الخارجية.
ومن جانبهم يقول حسن أبو ريشة، المدير المالى بالمستشفى: إن هناك بعض المواطنين يظنون أن المستشفى لابد وأن يعمل بالمجان دون مقابل للخدمات التى تقدمها لهم، وهذا لا يمكن توفيره على الإطلاق، وفقا لقرار وزير الصحة رقم 120 لسنة 2000، والذى ينص على «أنه يحق لإدارة المستشفى  إعفاء ما لا يقل عن 25% من المرضى الموجودين بالمستشفى»، ومن هذا يمكن أن نستنتج أن الأشخاص غير القادرين يقومون بسداد 75% من التكاليف الأساسية.
وأوضح أبو ريشة أنه كان يتم العمل بلائحة بركة السبع، والتى تم الغاؤها من قبل مجلس الأمناء، ليحل محلها لائحة جديدة تضمن إعفاء غير القادرين من 75% من التكاليف، فعلى سبيل المثال كانت عملية استئصال المرارة تتكلف 780 جنيها فأصبحت بـ 450 جنيها فقط، كذلك الولادة القيصرية فأصبحت بـ 350 جنيها بدلا من 450 جنيها.
وفى نفس السياق يقول الدكتور مصطفى مرزوق، مدير المستشفى: إن أى شخص يقوم بإعداد بحث اجتماعى يعفى من التكاليف والمصاريف العلاجية، قائلا: الأسعار كانت باهظة فى السابق حال التعامل بلائحة بركة السبع، ولكن بعد أن تم تغييرها للائحة الجديدة أصبحت التكاليف تتماشى مع جميع الطبقات المادية».
ويضيف مرزوق أن التذكرة بـ2 جنيه، والدواء مدعم بمقدار النصف، ويلتزم الأطباء عند كتابة روشتة العلاج بأنواع الأدوية المتوافرة بالمستشفى، وحال قيامهم بكتابة أدوية خارج صيدلية المستشفى فهذا حال عدم وجوده بها.
وعن اسلوب الموظفين الموجودين بالمستشفى قال مدير المستشفى إن كل مكان به الصالح والطالح، فعندما يخرج طاقم التمريض والإداريون عن شعورهم فغالبا يكون نتيجة تعرضهم لضغط العمل وكثرة أعداد المرضى الوافدين للمستشفى يوميا ناهيك عن المحجوزين بها، ووجود حالات طارئة احيانا تستدعى الاهتمام الفورى بها، وهذا يثير غضب الأهالى لأن كلا منهم يتعامل من منطلق «نفسى نفسي»، مستشهدا بما فعله اهالى أحد الأشخاص المصابين بطعنة مطواة والذى تمت الاستعانة بـ3 أطباء لقسم الاستقبال لسرعة اسعافه، ولكن مع الأسف لم يقدر المرضى الآخرون الموقف.
وطالب مدير المستشفى مديرية الصحة بضرورة توفير «تانك اكسجين» فى المستشفى، بدلا من الاعتماد على اسطوانات الأكسجين والتى تتسبب فى العديد من المشاكل، لافتا إلى تقديمه مذكرة لقسم الصيانة لتوفير «تانك» خاصة فى أقسام التنفس الصناعى، والحضانات، والطوارئ، والعناية المركزة، على الأقل.
وأوضح مرزوق أن «تانك» الأكسجين سيعمل على إنهاء الكثير من المشاكل خاصة أن فائدته لا تقدر بمال، ناهيك أن المستشفى يخدم ما يقارب نصف مليون مواطن بالمركز، موضحا أن تكلفته تتجاوز نصف مليون جنيه، فى الوقت الذى لا يمتلك فيه المستشفى هذا المبلغ فى رصيدها.
ووسط كل هذه المشاكل، وحياة المرضى المهددة بالخطر والموت، والأهمال الذى دب بربوع المستشفى، قمت بالاتصال بوكيلة وزارة الصحة بالمحافظة أكثر من مرة ولكن لم أستطع من التواصل معها، ولم تكلف خاطرها بالرد على المكالمة الهاتفية.