الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رسول الحرية




محمد الدويك

فى حياة الرسول مات رجل اسمه مقرن. وكان لديه ثمانية أولاد. ولم يترك لهم من شىء سوى جارية. فتاة تخدمهم.. وفى مرة غضب أحدهم فلطمها على وجهها. علم الرسول، فغضب للفتاة غضبًا شديدًا.. وأمر أهل البيت أن يعتقوها. يمنحوها حريتها. هكذا بلا مقابل. رغم أنهم فقراء لا يملكون شيئا.
لكن الرسول وضع القاعدة. إنهاء أى علاقة عمل، طالما وقع على الإنسان الحد الأدنى من الإهانة.. فى زمن كان العبيد فيه بلا قيمة. حتى عند أرسطو وأفلاطون. ابراهام لينكولن محرر العبيد، طلب لهم الحرية، لكنه لم يقرر لهم المساواة. حتى أن محكمة أمريكية عام 1857 أصدرت حكمها أن السود لن يتم اعتبارهم مواطنين وليس لهم أى حقوق فى الدستور.
النبى، وهو قائد سياسى وعسكرى، ورسول ينقل عن ربه، ولديه من المهام والمخاطر ما يشغل كل وقته. لكنه ينتبه أشد الانتباه لو نال كرامة الانسان الحد الأدنى من الأذى أو الاهانة.
يتكرر الأمر مع صحابى كبير، عبدالله بن رواحة، كانت لديه جارية تتعهد غنمه بالرعاية، وفى يوم غفلت عن الغنم، ربما نعست تحت ظل شجرة أو لاحقت إحدى الفراشات. ربما انشغلت مع فتاة مثلها فى حكاوى النساء. طموحات العمر وأحلام السنين المفقودة.. ربما مر حادى يسوق الإبل، حسن الصوت، فطربت لغناويه.. وأثناء غفلتها مر ذئب وهاجم احدى الغنمات وأكلها.. جاء الصحابى عبدالله بن رواحة ورأى غنمته قد نقصت واحدة فاشتد غضبه ولطم وجه الفتاة.
علم الرسول عليه الصلاة والسلام.. يبدو أن الرسول كان لا يغفل عن رعاياه.. يهتم بأدق التفاصيل. خاصة تلك التى تمس كرامة الإنسان وما يقع عليها من ظلم وافتئات. ويشغل وقته بفتاة. جارية. لطمها سيدها على وجهها.
وغضب الرسول حتى بان الغضب فى وجهه.. وحتى هاب الناس أن يكلموه. ونظر لعبدالله بن رواحة وقال بعنف: مال الفتاة والذئب! لطمت وجه مؤمنة؟ ثم يأمره أن يحررها.
الرسول ينهض ليرفع الظلم عن فتاة. ويجعل أى علاقة تعاقدية لا تحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته فهى مهدرة.. تحت أى مظلة.
فالإسلام لم يتوقف عند اسم العلاقة أو شكلها. على قدر ما خاض فى تفاصيل العلاقة، حتى لا يغير الانسان العناوين بينما المضامين كما هى.
فالرسول قضى على ما هو أكبر من العبودية. قضى على أسباب العبودية. مثل الظلم والقهر وانعدام المساواة.
ذهب رجل للرسول يشكو مملوكان له.. عُمّاله.. فقال يا رسول الله يسرقونى ويخونونى ويعصون أمرى، فأضربهم.. فكيف ذلك؟ قال الرسول، لو كان ذلك بمثل ما يفعلون كان عدلا. ولو كان عقابك لهم فوق ما فعلوا أقتص لهم منك!
فبكى الرجل. فقرأ الرسول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا. وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)
تخيل الرسول يقتص للعبيد من سيدهم لو ظلمهم. ليعلم الناس انهم أسوياء أمام الله وأمام القانون فى الجريمة والعقوبة. وتلك الدرجة من العدالة تمثل قفزة تاريخية تتجاوز آلاف السنين.
أرسطو فيلسوف الحضارة الأوروبية الأشهر كان يرى أن العبيد ليسوا مواطنين، لأنهم أجساد تعمل بلا روح. كذلك النساء.. ويجوز استنزافهم وقهرهم وقتلهم بلا محاسبة. وفى بريطانيا، أقدم الديمقراطيات فى التاريخ الحديث، وحتى مطلع القرن الـ 18 خاض العمال نضالا كبيرا حتى يكون لهم الحق فى التواجد بممثليهم فى مجلس اللوردات جنبا إلى جنب.. وغضب اللوردات غضبا شديدا وقالوا: كيف يجلس لورد إلى جوار عامل.
رغم أنه رجل شريف حاز حريته ويعمل بجد لنهضة وطنه.. ثم يزعمون أن محمدا لم يحرر الناس من الظلم والطبقية والسلطة التعسفية!
كاتب فى الفكر الإسلامي