الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المشهد التونسى.. تعثرات الماضى وآفاق المستقبل




خالد عزب

زرت تونس مؤخرًا فى زيارة عمل، وكنت أحاول طرح العديد من الأسئلة حول المشهد التونسى ومآلته، خاصة فى ظل تعثر ثم انفراج الأوضاع به، بإقرار الدستور واختيار حكومة توافق وطنى وانطلاق الأوضاع نحو المستقبل بإقرار الهيئة المستقلة للانتخابات.
رئيس الوزراء التونسى الجديد بدا حكيمًا منذ اللحظة الأولى لتوليه المهمة، حيث ركز على تأمين الجوار الجغرافى لكى يكون داعمًا ومساندًا لاستقرار تونس، فكانت زيارته الأولى للجزائر الشريك الاقتصادى الأول والأمنى أيضًا، لكى يضع خطوطًا عريضة واضحة فى العلاقة التونسية الجزائرية، وعلى ذات السياق يسعى إلى تنسيق مع الجارة ليبيا.
لكن يبقى الملف الاقتصادى هو الأصعب فى ظل توترات تسود المناطق الفقيرة وتصعد من احتجاجات المهمشين والمعدمين، فضلًا عن تزايد نسبة البطالة فى تونس، لكى اتجاه صندوق النقد إلى فك قرض إلى تنوس منح تونس بعض الأمل فى تجاوز أزمتها من هنا يبرز دور أحمد عمار وزير الشئون الاجتماعية الذى لديه ملفين أساسيين هما معالجة الفقر والتعاطى معه، وكذلك انقاذ الصناديق الاجتماعية خاصة: الصندوق الوطنى للتعاقد والحيطة الاجتماعية الذى يعانى عجزًا كبيرًا فى موازنته.
يكشف المشهد التونسى عن تحولات براغماتية فى أداء حزب حركة النهضة الجناح التونسى للإخوان المسلمين، فعلى امتداد العام الأول من تجربة النهضة فى السلطة، حاولت الحركة المهيمنة على الحكم باسم الشرعية ورفضت الحوار الوطني، وسعت للهيمنة على مفاصل الدولة عبر آلاف التعيينات فى مجالات عديدة وسعت للتغلغل فى الإعلام والقضاء والمؤسسات الأمنية والاتحاد التونسى العالم للشغل.
لكن جاء اغتيال شكرى بلعيد درسًا قاسيًا للنهضة، فجاءت الحركة بوجه مغاير مع وزارة على العريض، واستطاعت أن تمتص الأزمة فأبقت باب الحوار مفتوحًا بسياسية امتصاص الأزمة فلم تقدم تنازلات دفعة واحدة لخصومها، بل على مراحل لضمان بقائها وزرع مشروعها ساعدها على ذلك قدرتها على ازدواجية الخطاب وفن التلاؤم مع المتغيرات، جزأت حركة النهضة صراعها مع خصومها ليمتد فى كل القطاعات والمجالات لكن غلب على هذه السياسة اظهار رغبتها فى التوافق مع خصومها، إلى أن حانت لحظة كان لابد فيها من التراجع عن السلطة لتظهر وكأنها تقدم المصلحة العامة لكن هذا التراجع حمل ضمنيا للحركة القدرة على البقاء واعادة الثقة لمناصريها عند مجابهة الشارع فى الاستحقاقات الانتخابية القادمة، خاصة أن الدرس القاسى الذى تلقته حركة الإخوان المسلمين فى مصر جعلها تعيد تقييم حساباتها مع تشجيع خصومها عليها.
أقصى درس تلقته حركة النهضة فى الحكم هو ضرورة اعداد رجال دولة للحكم، فالايديولوجية والأمانى والخطب الرنانة سقطت مع مجابهة وزراء النهضة مثل: عبد اللطيف المكى وعبد الكريم الهارونى ومحمد بن سالم. مشكلات الواقع التونسى المريرة، فالوزارات لديها مشكلات فنية عميقة وادارة الدولة تتطلب قرارات قوية وقدرات على تنفيذها.
لكن فى نهاية الأمر تبقى حركة النهضة بأجنحتها المختلفة ذات تأثير قوى فى تونس، بسبب انضباط والتزام أعضائها وقدرتها على المناورة فى أشد الأزمات، فكان خروجها من الحكم هو أخف الأضرار، وهى تنشط حاليًا فى الريف التونسى وأحياء المدن على العكس من الأحزاب التونسية الأخرى التى تتعالى بخطاب سياسى دون النزول إلى الشارع لكسب الأنصار.
على الرغم من أن تونس بلد ليس لديه ثروات كبيرة إلا أن الدستور الجديد يجعله مرشحًا ليكون مركز جذب لاستثمارات كبيرة، خاصة من ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يؤشر إلى تراجع النفوذ الفرنسى فى تونس مستقبًلا، أضف إلى هذا سعى الولايات المتحدة إلى استخدام تونس كنقطة انطلاق لمحاربة الإرهاب المتمركز فى تشاد ومالى والنيجر، لكن يبقى أنه من الملفت أن الدستور التونسى الجديد لا ينص على تجريم التطبيع مع اسرائيل، هذه النقطة بالذات ستواجه برفض شعبي، لكن الدولة ستسعى إلى توظيف هذا البند الدستورى لخدمة مصالحها مع أوروبا والولايات المتحدة على غرار الحالة المغربية.
سيبقى الوضع التونسى على المحك خلال العام القادم، إذ أن توافق القوى السياسية على خلق أجواء عمل مناسبة لحكومة مهدى جمعة، والحد من الاستقطاب السياسى سيؤدى إلى تجاوز تونس عنق الزجاجة.