الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بشاعرين، الأول هو الشاعر احمد الكاشف (1878 - 1948) وهو شاعر مصرى عاصر أحمد شوقى واشتهر بمديحه وهجاءه، الثانى هو عمر الخيام وهو عالم وفيلسوف وشاعر فارسى مسلم، وُلِدَ فى مدينة نيسابور، خراسان، إيران ما بين 1038 و1048 م، وتوفى فيها ما بين 1123 و1124 م، تخصَّص فى الرياضيات، والفلك، واللغة، والفقه، والتاريخ، وهو صاحب الرباعيات المشهورة.
يصاحب القصائد لوحات للفنان العالمى بيتر بول روبنس (1577- 1640) هو رسّام فلامنكى تعتبر أعماله مثالا على المدرسة الباروكية فى فن التصوير، كانت تجمع بين أسلوب المدرسة الإيطالية وواقعية المدرسة الفلامكنية.

شعر: أحمد الكاشف - عمر الخيام                         ر سوم الفنان العالمى: بيتر بول روبنس

رباعيات الخيام

سمعتُ صوتاً هاتفاً فى السّحَر
نادى مِن الحانِ : غُفاة البشَر
هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَل أن
تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر
أحسُّ فى نفسى دبيب الفناء
ولم أصَب فى العيشِ إلاّ الشقاءيا حسرتا إن حانَ حينى ولم
يُتحْ لفكرى حلّ لُغز القضاء
أفق وهات الكأس أنعمُ بها
واكشف خفايا النفس مِن حُجبها
وروّ أوصالى بها قَبلَما
يُصاغ دنّ الخمَر مِن تُربها
تروحُ أيامى ولا تغتدى
كما تهبُّ الريح فى الفدفدِ
وما طويتَ النفس هماً عَلىيومين : أمسْ المنقضى والغدِ
غدٌ بِظَهْرِ الغيب واليوم لى
وكم يخيبُ الظنُّ فى المقبلِ
ولَستُ بالغافلِ حتى أرى
جمالَ دنيايَ ولا أجتلى
سمعتُ فى حلمى صوتاً أهابَ
ما فتَّق النّوم كمام الشبابَ
أفق فإنَّ النّوم صنو الردى
واشرب فمثواكَ فراش الترابَ
قَد مزَّق البدرُ سنَار الظلام
فأغنم صفَا الوقت وهات المدام
واطرب فإنَّ البدر مِن بعدنايسرى علينا فى طباقِ الرغام
سأنتحى الموتَ حثيث الورود
ويَنمحى اسمى مِن سجِل الوجود
هات أسقنيها يا مُنى خاطرى
فغايةُ الأيام طولْ الهجود
هات أسقنيها أيهذا النديم
أخضَب مِن الوجهِ اصِفرار الهموم
وإن أمُتْ فاجعَل غسولى الطلى
وقدَّ نعشيَ مِن فروعِ الكروم
إن تُقتلَع مِن أصلِها سُرحتى
وتصبحُ الأغصان قَد جفَّت
فصغْ وعاء الخمَر مِن طينتى
واملأهُ تسرِ الروح فى جثتى
لَبستُ ثوبَ العيش لم أُستشَر
وحرتُ فيه بين شتّى الفِكَر
وسوفَ أنضو الثوب عنّى ولم
أُدرك لماذا جئتُ، أينَ المقر
نمضى وتبقى العيشةُ الراضية
وتنمحى آثارُنا الماضية
فقَبل أن نَحيا ومِن بعدِنا
وهذه الدُنيا علَى ما هيه
طَوت يدُ الأقدار سفرَ الشباب
وصوَّحت تلكَ الغصون الرطاب
وقَد شدا طيرُ الصبى واختفى
متى أتى . يا لهفا . أينَ غاب
الدهرُ لا يعطى الَّذى نأمل
وفى سبيلِ اليأس ما نَعمَل
ونحنُ فى الدُنيا علَى همّها
يسُوقنا حادى الردى المُعجّل
أفق خفيفَ الظَّل هذا السّحَر
وهاتها صرفاً ونَاغِ الوتر
فما أطاَل النّوم عمراً ولا
قصَّر فى الأعمارِ طول السهَر
اشرب فمثواكََ التراب المهيلِ
بلا حبيب مؤنسٍ أو خليل
وانشق عبير العيش فى فجرهِ
فليسَ يزهو الورد بعدَ الذبولِ
كم آلم الدهر فؤاداً طعين
وأسلم الروح ظعين حزين
وليسَ ممَن فاتَنا عائدٌ
أسألهُ عن حالةِ الراحلين
يا دهرُ أكثرت البلى والخراب
وَسُمْتَ كُلّ الناس سوء العذاب
ويا ثرى كم فيكَ مِن جوهرٍ
يبينْ لو يُنبَش هذا التراب
وكم توالى الليل بعدَ النهار
وطالَ بالأنجمِ هذا المدار
فامشِ الهوينا إنَّ هذا الثرى
مِن أعينٌ ساحرةِ الأحورار
أينَ النديم السمح أينَ الصبوح
فقد أمضَّ الهمّ قلبى الجريح
ثلاثةٌ هنّ أحبُّ المُنى
كأسٌ وأنغامٌ ووجهٌ صبيح
نفُوسنا ترضى احتِكام الشراب
أرواحنا تفدى الثنايا العِذاب

 

من لى إذا لم ألق منك معينا

 

من لى إذا لم ألق منك معينا
حسبى نجاة أن أسر إليك
ما صبر من ملئت جوانحه لظىً
أسفى كما أسف البريءُ على قوىً
أفنيتها همّاً وكنت بها على
ما كان أحوجنى إليها حينما
لو أننى يوم الوغى استجمعتها
لولا العواطف ما هممت بصالح
ولقد عددت ذوى الكروب فلم أجد
أسعى فتجذبنى القيود فأنثنى
أرجو الثراء وإنما أرجو الذى
ما الحزم إلا أن أفيد بدرهمى
حسبى من الأسواء أنى عارف
كم فتنة لولا ظهورى بالهدى
ومن الحوادث ما يضر ذوى
إنى على العذب الحرام لمؤثرٌ
ولقد جنى بعضى على بعضى
واجتزت فى الإحسان قصد مريده
أثرى الرخيص بخير ما أنا بائع
ولقد تحاشيت المدائن زاهداً

جدْ لى بسمعك ساعة فأبينا
ما ألقى وحسبك أن أكون أمينا
وجرت جوارحه أسىً وحنينا
لم أقض فيها للبلاد ديونا
سكر الهوى زمن الشباب ضنينا
كملت وأفقر أمتى والدينا
فتحت معاقلَ شمَّخاً وحصونا
ولما ملأت الخافقين أنينا
ذا الكرب إلا الحاذق المسجونا
مستسلماً للنائبات رهينا
أشفى به المتوجع المسكينا
حيناً وأنفع بالقوافى حينا
قدرى وأن أجد الزمان خؤونا
فيها اغتنيت منافقاً مفتونا
النهى ويكرِّم المتلوِّنَ المأفونا
طول الصدى والمهل والغسلينا
فما أدعو القضاء وأطلب القانونا
حتى دعونى الشاعر المجنونا
هلا دعونى التاجر المغبونا
وبدوت أطلب وحدة وسكونا

                                     شعر - عمر الخيام

 

 



 

سلاماً حجة الإسلام فينا

 

سلاماً حجة الإسلام فينا ورضواناً رجاء المسلمينا
عنيتَ بما كتبتَ فكان وحياً يؤيد وحيَ ملهمِك المبينا
فلم تترك لمتّهمٍ مكاناً يرى فيه المزاعم والظنونا
فما بطلٌ يخوض الحرب فرداً فما يدعو بآخرَ مستعينا
جهاداً فى سبيل اللّه يفدى بمهجته المواطن أن تهونا
بأبقى منك آثاراً وذكراً وقدراً فى قلوب العالمينا
وكان يراعك المنصور سيفاً وكان كتابك الدرع المتينا
ملكت به معاقلَ عالياتٍ نبت عنها سيوف الفاتحينا
وما ضرَّ الضلالُ الخلقَ حتى نفعتهم وأوضحت اليقينا
فرفقاً بالمكابر قد كفاه مجادلة وأوشك أن يهونا
ودعه فى تأمُّلِهِ عساه يجيئك باعتراف المهتدينا
فلو سلكت ملوك الشرق يوماً سلوكك بيننا دنيا ودينا
تمادى الحق متبعاً مصوناً وقام الملك ممتدّاً أمينا
وعاش التاج مؤتلقاً رهيباً ودام العرش مصرياً متينا
ومثلك لو تحكَّمَ مستبداً فقد ملأ الضمائر والعيونا


                                           شعر - أحمد الكاشف

 



 

وطنى أنت الحبيب الدائمُ

 

وطنى أنت الحبيب الدائمُ لك فى قلبى المقام الأشرفُ
لك أسعى دائباً مجتهدا برجاء ثابت مقتدرِ
وإذا قدر لى عنك ارتحالْ كنت مجبوراً عليه مكرها
فيك ما أنشده من غزلِ ظنه السامع فى ذات دلالْ
وعلى حسنك أبدى الحذرا من عدو طامح العين عنيدْ
وطنى أفديك بالروح إذا مسَّك الدهر بسوء لا يطاقْ
فيك أديت حقوقاً للهوى طوع ما يقضى به سكر الشبابْ
فى رفاق كمصابيح الدجى أو لآلى التاج أو زهر الربى
كم تثنينا بأغصان شدا فوقها الطير بلحن مطربِ
وترامينا بزهر كم شفى بشذاه قلبَ صبٍّ عاشقِ
أى خيراتك عندى أذكرُ إنها أكبر من أن تحسبا
دمت يا نيل أبر الأنهرِ بنفوس كم رأت منك وفاءْ
دمتِ يا صحراءُ ميدانَ الجنودْ بين قطريكِ اللذينِ اتحدا
يا لواء العز إنى أعشقُ نورك الساطع يا شكل الهلالْ
مصر يا مسقط رأسى دمت فى حوزة العباس حاميك السعيدْ
جادت السحب ثراك الطيبا وسقت واديَكِ الخصب الوسيمْ

وغرامى بك طبع لازمُ سرنى أنى به متَّصفُ
لا أبالى فى طريقى أبدا طال ليلى أو تمادى سهري
وإن امتد بى البعد وطالْ لم يزدنى بك إلا ولها
مفصحاً عن حبك المشتعلِ فى فؤادٍ ليَ لا يشكو اشتعالْ
يبتغى الشر ليقضى وطرا دونه جيشك ذو البأس الشديدْ
وأرى اللذة فى دفع الأذى عنك بالنيران والبيض الرقاقْ
مطلق الرغبة مشتد القوى آخذاً من كل ما لذ وطابْ
فتية أهل سماح يرتجى ودُّهم لا يعرفون الغضبا
وتلاعبنا برملات بدا نورها يبهر مثل الذهبِ
وأدرنا بيننا كأساً صفا لونها مثل الزمان السابقِ
هل إذا قضَّيتُ عمرى أشكرُ فضلها أقضى لها ما وجبا
دمت تجرى يا شبيه الكوثرِ مهدى الوادى هناء ورخاءْ
مظهراً للبأس من بيض وسودْ يضمن النصر لنا والسؤددا
مهجتى مثلك باتت تخفقُ كلما هبت جنوب أو شمالْ
الأمير العادل المؤتلفِ بالإمام المرتضى عبد الحميدْ
وسرت فيك تراويح الصبا ونمت فيك أساليب النعيمْ

                                    شعر - أحمد الكاشف

 



عيد وماذا سرنى فأنادى

 

عيد وماذا سرنى فأنادى ذهب الرجاء من الحبيس الصادي
ما لى إذا لم ألق عندك موضعاً ولهذه الأعلام والأجناد
وأثابنى ذاك الغريب لما رأى من عزتى وسجيتى وجهادى
والرزق ميسور ولولا نخوتى ومروءتى أصبحت رق جواد
ما زلت للأشعار تكرمه ومالك غير ملتفت إلى الأنداد
لا يسألونك مرة إقطاعهم أرضاً وحسبهمُ قليل حصاد
واستجمعوا لبقية لولاهمُ ذهبت تصاريفٌ بها وعواد
جعلوا وجوههمُ صحائف ودِّهم وسوادَ أعينهم أعزَّ مداد
ويرون لينك للدخيل وإن قسا حق الضيوف عليك والرواد
فالشعر مفتقر إلى ذى نجدة ولربما استغنى عن النقاد
وإذا أردت فإنه وحى كما نزل الكتاب على نبيٍّ هاد
الواهبى ألبابهم وقلوبهم لبناء مملكة ورفع عماد
أم يرحلنَّ عن الرياض حمامُها والنسر ممسٍ فى الرياض وغاد
إن فاتهم فى الخطب حظهمُ فما يرجون من أرض هناك جماد
ما قدر ذى الألقاب يخلو كيسه من درهمين وداره من زاد
أحسبتنى أحد الذين حرمتهم فتذرعوا بالإفك والإفساد
كن كيف شئتَ فطاعتى لك والرضى سيان فى التقريب والإبعاد

وبأى تبيان أهنِّئُ معرضاً لا يقبلنَّ شفاعة الأعياد
عرف الوزير الفارسى مكانتى فى دولة الإنشاء والإنشاد
لولا محبته إليك وشعره لم أعترف يوماً له بأياد
قربت شاعرك الجليل فما اقتدى بك واحدٌ من أهل هذا الوادي
نائين مضطربين لولا رفقهم وحنانهم كانوا من الزهاد
جعلوا فداك نفوسهم وتعرضوا لغريمك الجبار فى الميعاد
قد نزهوك عن الشريك وأكبروا قطريك عن حام سواك وفاد
ويبشرون بلادهم بنجاتها وحياتها والبيض فى الأغماد
فاعطف على نصحاء شعب صاغر ما زال بين سواعد ومهاد
إن شئت فهو صناعة كسبية كصناعة النجار والحداد
هل نال إسماعيلُ من شعرائه ما نلت من شعرائك الأمجاد
أيكون وردك زاخراً متضرِّباً ويُذاد عنه أطهرُ الوراد
أرأيتَ مصر غنية عنهم فمالهمُ سوى السودان خير عتاد
وأَحَرُّ من صحرائها ورمالها شوق القلوب إليك والأكباد
أى النوازع فيك غيَّر فطرتى وبأى إحسان ملكت قيادي
ووهبتهم فتهافتوا ومنعتهم فسطوا بألسنةٍ هناك حداد
ما الشعر إلا آية لك ينجلى فيها مثال شمائلى وسدادي

                                                     شعر - أحمد الكاشف