الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فتحى عبدالسميع: الثقافة باب للتغيير لذلك هناك من يحاربها




كتبت- رانيا هلال

يعتبر أحد القلائل الذين تغلبوا على سلبية مصطلح «أدباء الأقاليم» بإنجاز 6 دواوين، وبحمله لقب أمين عام مؤتمر أدباء مصر عام 2009 بالانتخاب، ومشاركته بالعديد من البحوث فى المؤتمرات الثقافية المختلفة، إنه الشاعر فتحى عبدالسميع الذى يعلن التزامه بقصيدة النثر، ويحارب كى تكون للثقافة مكانها الطبيعى ضمن أولويات المجتمع المصرى عموما والجنوبى خصوصا، يكتب النص المتجاوز لزمنه والقادر على خلق مساحات مختلفة للتلقى والحوار مع القارئ دون مشقة،
فى ديوانه الجديد «الموتى يقفزون من النافذة» الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، يحدثنا عن الموت كفكرة أساسية، من خلال كونه تصورا وجوديا وموقفا إنسانيا وطقسا اجتماعيا وتجديدا للحياة.. الديوان هو الأحدث بعد خمسة دواوين سبقته هى: «الخيط فى يدى - خازنة الماء - تقطيبة المحارب - فراشة فى الدخان - تمثال رملي»، عن قصيدة النثر وأحدث دواوينه أجرت روزاليوسف معه هذا الحوار.
■ هل «القفز من النافذة» إلى الداخل فى الديوان يعنى تبادلا فى الموقف بين المبدع والمتلقى بحيث يكون الشاعر هو من يخرج للقارئ وليس العكس؟
- الشاعر فى الحقيقة جسر يمتد بين العالم الواقعى أو العالم الخارجي، وبين العالم الداخلي، والكتابة فى حد ذاتها نافذة نطل من خلالها على الخارج والداخل معا، ونحن إذ نطل على العالم من خلال الكتابة نراه بشكل مختلف تماما، وكذلك الوضع عندما نطل من خلالها على الداخل، الكتابة تقوى بصيرتنا بالعالمَيْن، وتكشفهما لنا بشكل عميق، ولهذا تكتسب ميزتها وقيمتها الحضارية.
■ هل ينجح الموت فى إيقاظ الشعر؟ أم الشعر هو الذى يوقظ الموت؟
- منذ البداية كان الموت سببا فى تفتح الفنون جميعا فى اعتقادى، وكل الأعمال الفنية التى عاشت منذ رسوم الكهوف قبل العصر الحجرى الحديث، مروارا بالمعابد وما تحوى من نقوش وزخارف ونصوص أدبية بليغة، لم تخرج للوجود دون فكرة الموت، ومن هنا فالشعر ينجح فى إيقاظ الشعر، ومده بالحياة، ولا أدل على ذلك أيضا من النصوص التى تؤدى حتى الآن فى الجنائز من قبل المرأة كما هو الحال فى (فن العدودة)، وبالمقابل فإن الشعر هو الآخر يمكن أن يوقظ الموت، أو يستحضره ليتحاور معه، من أجل الحياة، والحقيقة أن الموت والحياة وجهان لعملة واحدة، فكل دقيقة تمر هى قطعة تموت من عمرنا، وكل قطعة تموت من عمرنا لا تذهب للعدم بل  تساهم فى حياتنا ونضجنا.
■ فى الديوان حرص على صناعة الصور التمثيلية، كأن الشاعر يجبرنا على فتح عيوننا، أو كأن موتى القصائد يجبروننا على فتح عيوننا، إلى أى مدى تتفق مع ذلك؟
- أومن أن الشعر الحقيقى هو الذى يوقظنا من سباتنا، هو الذى يبعث الحيوية فى الأشياء المعتادة ويقدمها فى هيئة طازجة تثير انتباهنا، فننتبه إليها كما لو كنا ننظر إليها للمرة الأولى، الشعر بالفعل يغسل عيوننا، فنبصر العالم ونبصر أنفسنا، نحن فى الحقيقة نعيش أغلب حياتنا فى حالة نعاس، حتى لو كانت أعيننا مفتوحة، لأننا نعيش أغلب حياتنا فى تلبية متطلبات معينة بشكل آلى تقريبا، ونسير فى مسار محدد للغاية، وضيق للغاية، نحن نحيا فى سجن العمل الروتيني، وسجن الشوارع التى تؤدى إلى العمل الروتينى، نعيش فى دائرة ضيقة، يحكمها المعتاد والمألوف، والعادة تترك غبارا فوق العالم، وغبارا فوق أعيننا، ودور الشاعر هو تحريكنا لنفض ذلك الغبار، واستعادة قدرتنا على النظر.
■ فى الديوان استكمال لغزل صورة الجنوب باستخدام الرموز الفلكلورية، فكيف ترى الإضافة التى حققها الديوان فى مشروعك الشعرى فيما يخص هذه النقطة؟
لقد تحدث الكثير من الأصدقاء عن ذلك الجانب وعبروا عن إيجابيته فى الديوان، وأعتقد أن تحديد مقدار الإضافة يرتبط بالقارئ، أما أنا فأحاول كتابة ما أعيشه فعلا، أو الانطلاق منه، لأنه ببساطة ممتزج بأعماقى، ويعبر عنها بشكل أفضل، وأنا فى الحقيقة ابن تلك الرموز الفلكلورية، وقد عشت فترة أحاول التخلص منها، لكننى سرعان ما انتبهت إلى عمق الثقافة الشعبية وثرائها، وأنا مُنشغل فى الحقيقة باكتشافها، والتحاور معها، وظهورها فى شعرى متأثر بذلك الحوار، فهو أيضا وسيلة من وسائل اكتشافها واكتشافى معا، وكل يوم أكتشف أننى مازلت تلميذا صغيرا فى مدرسة العامة، وهى المدرسة التى صار العامة يخرجون منها للأسف.
■ الفراشات تنتصر فى «عيد الحب» وتُهزم فى «فراشة تحت الحذاء» فأى الموقفين يغلب على الشاعر؟
- انتصار الفراشة انتصار لحلم الشاعر فى حياة إنسانية أكثر نبلا وجمالا، وهو ما لا يتحقق إلا عن الطريق الحب، تلك الكلمة التى تراكم عليها الغبار أيضا، أما سقوط الفراشة فهو تعبير عن الواقع الأليم الذى يحيا الشاعر فى ظله، العالم الذى تتقدم فيه الكراهية بينما ينكمش الحب، العالم الذى يخسر كل يوم شيئا من نُبله وجماله، لأننا فقدنا العين التى تبصر، أو على الصح فقدت عيننا روحها وصرنا لا نبصر من العالم ومن أنفسنا إلا قشرة بائسة، للأسف صار الجانب الحيوانى فى طبيعتنا هو الجانب المدلَّل، الجانب الذى يحظى برعايتنا، وصرنا نخوض الحروب من أجله وحده.
■ الميتم الختامى تغلب عليه المشهدية القصصية، فهل يعتبر هذا إشارة لإبداعك فى مجال آخر غير الشعر؟
- فكرت أكثر من مرَّة فى تجربة الكتابة فى مجال إبداعى آخر غير الشعر، لكنى لم أتحمس للفكرة، وأعتقد أن المشهدية القصصية تثرى القصيدة، إذا ما كان استخدامها ناجحا، كما أن اللغة الشعرية تثرى الرواية إذا ماكان استخدامها ناجحا، وفى اعتقادى أن الشعر والقصة والرواية والمسرحية، والحكاية الشعبية، وُلدوا جميعا من أم واحدة هى الأسطورة، وإن دماء الأسطورة تسرى فى أعماق جميع الأبناء، ولست مع الفصل الحاسم بين الأبناء، بل وأشعر أن التقارب بينهم هو الأفضل، ومن هنا أنا أهتم بالمشهدية القصصية، وأحترمها، واحتفى بها بغض النظر عن إمكانية توجهى نحو كتابة نوع قصصى له ملامحه الواضحة من عدمه، ولا أعتقد أننى سوف أكتب قصة أو رواية، وفى كل الأحوال يبقى الأهم، سؤال الإبداع نفسه، سؤال القدرة على تحقيق الدهشة، سؤال الوصول إلى الأعماق، والقدرة على اكتشاف الداخل والخارج معا، ذلك هو الأهم، وهو يمكن أن يتحقق مع كل كتابة شريطة أن تكون منفتحة، ومرنة، تحرر الكتابة، وتساعدها على التحقق وفق شروط الكتابة نفسها.
■ ما أهم ما يواجه الثقافة والشعر خصوصا فى المرحلة الحالية؟
- أهم ما يوجه الثقافة والشعر معا هو الجهل بقيمتهما، وتهميشهما، بل والعمل ضدهما كما لو كانا أعداء، وفى الحقيقية هناك كثيرون ينظرون للثقافة بعداء شديد، خاصة فى جانبها المتغير والمتفاعل مع الحياة والعصر الذى نعيش فيه، لأن التغير فى الثقافة يهدد ثبات الأوضاع على ما هى عليه، وهناك فئات مستفيدة من تلك الأضاع، وهى ضد التغيير بشكل حاسم، وهناك فئات غير مستفيدة من الأوضاع كما هى عليه، وتلك لا خلاص لها إلا بالثقافة الحية والمتجددة والمتفاعلة مع العصر الذى نعيش فيه، نحن للاسف ننشغل بالصراعات السياسية السطحية والمتقلبة، ولا ننشغل بالصراعات الثقافية التى تدور فى العمق، بين أنصار التقدم والتجديد، والتفاعل الإيجابى مع العالم، وأنصار الجمود والانغلاق.
■ يتنبأ البعض بانقراض فن الشعر، ماذا تقول لهم؟
- الشعر لا ينقرض، ولن ينقرض، صحيح أنه فى وضع حرج للغاية، لكن مستقبل الشعر أكبر من حاضره، الشعر فى وضع حرج لأننا فى فترة ازدهار للعلم بسبب انجازاته التى أبهرتنا، لكن العلم أضعف من قيادة البشرية بمفرده، العلم الذى نجح فى حل مشكلات تسبب أيضا فى مشكلات، وتكفينا الأسلحة التى تملك القدرة على تدمير الأرض فى لحظة طائشة، لا يضمن العلم عدم حدوثها، ونحن فى بلادنا نحتفى بالعلم بوجه خاص بسبب المشكلات الكثيرة التى تحتاج للعلم فعلا فهو طاقة كبرى غير مُستغلة فى بلادنا، وفى العالم الغربى هناك مراجعات كثيرة تشكك فى قدرة العلم وحده على قيادة العالم.
كما أن الشعر فى وضع حرج بسبب هيمنة الجانب المادي، وتسلطه على نظرتنا للحياة، والحقيقة أن تسلط المادة على حياتنا سوف تقودنا للشقاء، الإنسان عموما يجرب ويتفاعل، والمشهد الذى نراه ليس هو نهاية العالم، بل نهاية مرحلة، يصاحبها التطلع إلى مرحلة أخرى أكثر حكمة، وعندما تتجدد قناعة العلم بضرورة الحكمة سوف يخرج الشعر من موقفه الحرج، لأن الحكمة ببساطة هى التحليق بجناح العلم وجناح الفن معا، أخيرا لا ينقرض الشعر، حتى ينقرض الإنسان، لآن فى صميم الإنسان، نزوع أصيل إلى الشعر، وقد كان الشعر رفيقا للإنسان منذ زمن طويل، وكان يرافق المثقف، كما يرافق المرأة التى لا تخرج من البيت فى هيئة أغنيات أو بكائيات، وكان يرافق الرجل البسيط، من خلال الولع بالمنشدين وغيرهم، الشعر لا ينقرض إلا بانقراض الإنسان، وهناك أشياء كثيرة تبدو لنا وكأنها ماتت، لكنها تفاجئنا بالعودة مرة أخرى، الإنسان كائن شديد التعقيد.
■ هل فكرت فى جمع أعمالك ونشرها كاملة؟
- أتمنى لكن لا أجد ناشرا يتحمس لنشرها، ولدى أعمال أخرى كثيرة لم تُنشر بعد، خاصة فى مجال الدراسات الشعبية التى أنشغل بها، ولى فى ظاهرة الثأر فى صعيد مصر وحدها أربعة كتب لم تُنشر، وأتمنى أن تخرج كل تلك الأعمال إلى النور.