السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أثر الإسراء والمعراج فى المعرى ودانتى




المعرى هو: أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخى المعرى ت449 هـ، شاعر وفيلسوف، ولد ومات فى معرة النعمان رسالة الغفران عمل عادى وإنما كانت حصاد عمر، فقد أملاها أبوالعلاء وقد بلغ من العمر 59عاما، وقد شاهد فوضوية الحياة السياسية وتفسخ البلاد الإسلامية، وقد كانت فى أسوأ أيامها وأضعفها وملخص رسالة الغفران: انها رد على الرسالة التى بعثهاعلى أبى منصور بن القارح التى تتمثل فى كون أبى العلاء قد وضع رسالة ابن القارح تحت بصره ونقدها نقدا مع ما جاء فيها من سخرية وتهكم وتعامل مع الخيال واستغله أحسن استغلال.

   وبدأ بقص دخول القارح إلى الجنة، قام هذا الرجل من قبره يوم البعث فلبث فى الموقف أمدا طويلا، حتى أعياه الحر والظمأ، وهو واثق بدخول الجنة، لأن معه صك التوبة، فلم يفهم معنى هذا الانتظار، ففكر فى أن يخدع سدنة الجنة بما كان يخدع به الناس فى الدنيا من الشعر، فأنشأ القصائد الطوال فى مدح رضوان، وأنشده إياها فلم يفهم منها شيئا، لأنه لايتكلم العربية. فلما عَى على بن القارح بأمره، سأله: ما بالك لم تحفل بقصائدى وقد كان يحفل بها ملوك الدنيا؟ ثم كانت بينهما محاورة آيست على بن القارح من رضوان، فانتقل إلى سادن آخر يقال له زفرو أعاد معه القصة نفسها. ولكن هذا الخازن نبهه إلى أن يتشفع بالنبى فى أمره. فاجتهد حتى وصل إلى حمزة، فتوسل به إلى على وإنه لفى طريقه إلى «على» وقد كلفه أن يظهركتاب توبته، وإنه لفى ذلك وإذا بشيخه «أبوعلى الفارسى»، قد ضاق ذرعا بطائفة من شعراء البادية، يخاصمونه فيما تأول من كلامهم.فنسى التوبة وأمر الشفاعة، وذهب إلى أستاذه فذاد عنه أولئك الأعراب، ثم رجع إلى « على « وقد فقد كتاب التوبة، لكن عليا هون عليه الأمر، وطلب منه شاهدا على التوبة، فاستشهد بقاض من قضاة حلب وقبل «على» شهادته، وسقاه من الحوض ولكنه آياسه من دخول الجنة قبل الحساب فلم ير إلا الحيلة. فذهب إلى شباب من بنى هاشم فقال: لقد ألفت كتبا فى الدنيا كتبا كثيرة، كنت أبدأها وأختمها بالصلاة على النبى وعترته، فحقت لى بذلكم عليكم حرمة، ولى إليكم حاجة، فقالوا:وماهى ؟ قال إذا خرجت أمكم الزهراء من الجنة لزيارة ابيها، فتوسلوا بها إليه فى أن يأذن بدخولى الجنة، فقبلوا منه ثم نادى مناد: يأهل الموقف غضوا أبصاركم حتى تمرالزهراء ومرت الزهراء فسلمت على أبنائها، ورغبوا إليها فى أمر صاحبهم فقبلت. وأشارت إليه أن يتبعها فتعلق بركاب إبراهيم ابن النبى، ولم تكن خيلهم تمشى على الأرض لكثرة الزحام، إنما كانت تطير فى الهواء. هذا ما يخص ابى العلاء.. اما دانتى إليغيريتى 1321م فهو: شاعر إيطالى، يعد من الشخصيات الأبرز في عالم الأدب بخياله الدينى وإنجازه الفكرى


 وتعد الكوميديا الإلهية أعظم ما تناوله قلم ايطالى مبدع، وهى من الشعر الملحمى، ولكنها تختلف عنها بكونها لم تدر فى إطار حماسى حربي كملاحم (هوميروس، وفرجيل) وإنما كانت تدور فى إطار جديد من القيم الإنسانية والسياسية التى يمارس فيها رجال الدين ضغوطهم لتغيير اتجاهاتها حسب أهوائهم، واستغلالا لسلطاتهم فى ظلم الشعوب المسيحية، وتسلطهم باسم الدين على شئون الدنيا. وقد صاغه ادانتى متحديا بها سلطة الكنيسة الكاثوليكية فى عصره حتى ليقال إنها أدخلت بهذا العمل التجاوزى لونا جديدا من الشعر الملحمى لم يسبق إليه أديب أوروبي، وقد نظمها دانتى بين عامى 1307و1310وقيل بين عامى 1313و1314وكوميديا دانتى لون من الخيال الذى جسده إلى حقيقة، صحب أحداثه فيها من العالم الدنيوى إلى العالم الأخروى، مارا بالجحيم وألوان العذاب فيه، ثم يصل إلى المطهرالأعراف، ويرى فيها لتائبين وكيف يكفرون عن خطاياهم وفى النهاية يصل فى رحلته الأخروية هذه إلى الفردوس ليشاهد صنوف النعيم وضروب السعادة التى يتمتع بها المخلصون الصالحون. فموضوع هذا العمل كما يقولدانتى لصديقه جرانديه: هو حال الأرواح بعد الموت، لان هذه المسألة التى يدور عليها كل هذا الشعر، وذلك بعد أن يجوب الإنسان عالمه الدنيوى بما فيه من فضائل أو رذائل يخضع فى النهاية إلى هذا العدل الإلهي.. أما عن تأثر دانتى بالإسراء والمعراج فقد اثبت البحاثة الاسبانى المستشرق ميجيل بلاثيوس1944م فى كتابه الذى شرح فيه مصادر دانتىالعربية فى الكوميديا الإلهية، وجود مخطوطه أصلها عربي، موضوعها: معراج الرسول(ص). وقد ترجمت هذه المخطوطة أولا إلى الاسبانية لهجة قشتالة ثم ترجمت إلى اللاتينية والى الفرنسية بأمرمن الملكالفونس العاشرملك قشتالة الذى اختيرإمبراطورا لألمانيا وكان أمره بهذه الترجمة ضمن جهوده العلمية الكثيرة والذائعةالشهرة. ثم أكد هذه الحقيقة مستشرقان آخران احدهما ايطالى اسمه تشيرولى فى كتابهالمعراجوالثانى اسبانى واسمه مونيوسفى كتابه معراج محمد، وقد قام كل من هذين الباحثين ببحوثهما على حدة، ونشرا كتابيهما على حدة فى وقت واحد واتفقت نتائج بحثيهما على الرغم من عدم اتصالهما، كما أنهما اكتشفا المصدر العربى فى مخطوطة أصلها عربى وموضوعها معراج محمد وفوق كل هذا فإن من الثابت إن دانتى كان كثير الاطلاع على مختلف الثقافات، ومنها الثقافة الإسلامية التى كانت مزدهرة فى العصور الوسطى. ولعله من الخير أن ندلل على مدى التشابه بين الكوميديا الإلهية، وقصة الإسراء والمعراج بما لا يدعمجالا للشك أو بما لا يمكن تفسيره بالصدفة وتوارد الخواطر وهو ما نجده فى مثل هذه الجزئيات التى يلخصها الدكتور غنيم هلال ويقارن بينها وبين المخطوطة العربية الأصل، التى ترجمت فيما بعد إلى الاسبانية ثم إلى الفرنسية ثم إلى اللاتينية: 1- إن دانتى فى وصفه للجحيم يرى أنها فى ارض متوارية، تحت هذه الأرض ممتلئة نارا، وفى الدرك الأسفل منها الشيطان، وهذا مطابق تماما لما فى المخطوطة العربية الفصل الثالث والخمسين، والحادى والستين 2 - مهمة من يصحبون الرسول فى رحلته من الملائكة شرح وإجابة عن كل ما يثير فى نفسه قلقا، وهى نفس مهمة من يصحبون دانتى 3- رؤية الله فى ملحمة دانتى تتم فيما وراء السموات، إذ تتم فى السماء الثامنة حيث العرش تحيط به تسعة صفوف دائرية من الملائكة لا ينقطعون عن ذكر الله، فى ألوان وأنوار تغشى الأبصار، والصفوف الأولى مكونة من الملائكة (الكروبين والسرافيين) وهنا لايستطيع دانتى الإبصار، ويعترف بعجزه عن وصف هذه الألوان والأنوار الرائعة البديعة التى تفوق كل ما يتوقعه البشر، ولكنه حين يعجز بصره يشعرفى قلبه بنوع من النشوة والفرح، والراحةالروحية تغزو جوانب نفسه وهو ما ينطبق مع ما فى قصة المعراج فى المخطوطة السابق ذكرها فى الفصول: 19، 20، 21، 22، 24 و49، 50. أما فيما يخص تأثر دانتى برسالة الغفران فلابد من الإشارة إلى أن هناك تشابها واضحان رسالة الغفران وبين كوميديا دانتى الإلهية وهذا التشابه دار حوله الكثير من النقاش والحديث، فى آراءمختلفة، فقد وجد من يقول بأن دانتى تأثر بابى العلاء كثيرا فى اتفاقه معه فى الفكرة والروح والتقسيمات فى رحلتيهما، ثم إن المدةالزمنية بين وفاة أبىالعلاء ودانتى أكثر من مائتين وثمانين سنه ولايستبعد ترجمة رسالةالغفران إلى اللاتينية والأوربية، فيما ذهب آخرون إلى القول بأن لكلا الرجلين رؤيته الخاصة وذلك واضح من الفروقات الكثيرة بين عمليهما، فحراس الجحيم عند المعرى من الملائكة وعند دانتى من الشياطين، وأشخاص الرواية عند المعرى: شعراء ورواة، وعند دانتى رجال دين وعصاة، ونجد إنالجنة عند أبى العلاء ثلاثة أقسام وعند دانتى تسعة ونجد أيضا إن وصف الفردوس موطن الإبداع عند أبى العلاء، وعند دانتى فإنه فى وصف الجحيم والرأى الراجح بالقبول هو إن أبا العلاء ودانتى قد تأثرا دون شك بقصةالإسراء والمعراج الإسلامية وان المعرى كان اسبق من دانتى تأثرا كونها عربية إسلامية، أما دانتى فيبدو انه عرف قصة الإسراء والمعراج عن طريق التراث العربى الذى وصل إلى أوروبا.