الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الإسراء والمعراج

الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج




أعد الملف: السيد الشورى - محمد عبدالفتاح - شيماء الملاح- كريمان صالح

لقد أوردنا هذا العرض العلمى لكى نقرِّب للناس فهم إحدى المعجزات الحسية التى جرت لرسول الله محمد بن عبد الله ، إنها «معجزة الإسراء والمعراج». ولسنا نسعى من وراء هذا العرض وما يليه من إيضاحات أن نثبت صدق هذه المعجزة، وإنما نريد فقط أن نقرِّب فهمها للذين يستبعدون حدوثها من غير المسلمين. وهذه المعجزة من الصنف الذى لم يجره الله بقصد التحدى (أي: تحدى البشر)، وأعجب ما فى هذه المعجزة (بشقيها) أنها غيب من جملة الغيوب التى يجب على المسلم أن يصدق بها ويثق فيها مطلقًا.
وهذه المعجزة إذا ناقشناها، فإنما نناقشها لإثبات استحالة وقوعها لبشر عادي، بكل المقاييس العلمية، أو حتى بتطبيق الفروض أو النظريات... وإلاَّ لانتفت صفتها كمعجزة، ولأمكن للإنسان العادى أن يحققها عن طريق استخدامه لأية طاقات أو سبل يخترعها العلم بمرور الزمن.

 

أحمد عمر هاشم: الإسراء والمعراج جاءت تفريجاً للكروب وشرحا للقلوب وقرباً من الله علام الغيوب



 

أشرقت الأرض والسماء، بمعجزة الإسراء، حيث انبثقت منها قيم وأضواء، فى إطلالة روحانية، ورحلة ملائكية، كانت تكريما وتتويجا للرسالة العالمية الخاتمة، التى صاغت مجدا فريدا للوجود الإنسانى برسالة النبى الخاتم والرسول المجتبى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
رسالته عالمية وخالدة، وبعثته رحمة للعالمين.
وجاءت معجزة الإسراء والمعراج تطلعه على كبرى الآيات، وترى أهل السماوات والأرض مكانة خاتم الأنبياء، وتكرمه فى موكب المرسلين.
وانفردت معجزة الإسراء والمعراج بنص قرآنى حكيم، ونزلت سورة باسمها، استهلت آياتها بتنزيه الساحة الإلهية عن أى نقص لا يليق بالذات العليا سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير.
فكانت المعجزة تكريما لخاتم النبيين وليريه رب العالمين من آياته الكبري، وليست من أجل المعاندين لأن الله يعلم أنه لو فتح لهم بابا إلى السماء وصعدهم لفظلوا فى عنادهم كما قال الله تعالي: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون. لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون. ولما كانت الإسراء قد نزل بها القرآن كان منكرها خارجا عن حظيرة الإسلام، لأنه منكر لنص القرآن الكريم وهو واضح وصريح، ولأن منكر هذه المعجزة معارض لإجماع الأمة الإسلامية سلفا وخلفا.
ولما كان لمعجزة الإسراء خلودها بخلود القرآن الكريم فإن حكمة حدوثها التى حددها القرآن خالدة أيضا وهي:.... لنريه من آياتنا.
وأطلع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على الآيات العظام فرأى ثواب الطائعين وعقاب العاصين وسدرة المنتهى والجنة والنار وحظى بالحضرة الإلهية.
وتقدم هذه المعجزة للعالم الإسلامى فى مشارق الأرض ومغاربها أن الإسلام دين الحق وأن رسالته عالمية، فقد اقتدى الرسل بإمام الرسل والنبيين صلى الله عليه وسلم فى المسجد الأقصى وفى هذا إشارة إلى عالمية الإسلام، وأن الرسل جميعا اخوة، وأنهم قد جمعهم الله تعالى وصلوا جميعا معا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إمام النبيين وخاتم المرسلين، وإلى جانب ما تشير إليه هذه المعجزة من عالمية الإسلام فقد كان فى اجتماع الرسل السابقين بخاتم الأنبياء والمرسلين وفى صلاته إماما بهم تطبيق عملى للعهد والميثاق الذى أبرمه الله معهم منذ الأزل أن يؤمنوا بخاتمهم وأن ينصروه فأقروا وشهدوا بذلك وشهد معهم رب العزة كما قال الله تعالي: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين.
وظهرت مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه المعجزة حيث حظى بما لم يحظ به سواه، وأطلع الله أهل الملأ الأعلى وأهل السماوات والأرض على مكانته وأنه كلما طلب من ربه تخفيف الصلاة أجابه إلى طلبه فهو مقبول الرجاء، ومسموع النداء.

 


د.زغلول النجار: أعظم معجزة حدثت فى تاريخ البشرية



يروى مؤرخو السيرة النبوية الشريفة أنه فى يوم الإثنين السابع عشر من ربيع الأول من السنة السابقة على هجرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (وقيل فى 27 رجب من نفس السنة أى : فى حدود سنة 620م) طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حول الكعبة ليلا وحيدا، ثم رجع إلى بيته وأوى إلى فراشه، وعند منتصف الليل جاءه جبريل(عليه السلام) وأخبره بأن الله- تعالى- يدعوه إلى السماء.
تحرك الركب الكريم على البراق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وصلى رسول الله ركعات فى بيت المقدس ومعه الملائكة الكرام، ثم عرج به عبر السموات السبع حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وهناك شاهد جنة المأوى، وراح يصعد حتى وقف بين يدى رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما وسجد- صلى الله عليه وسلم- قائلا: «التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله» فرد الحق - عز وجل- قائلا : «السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته»، فردت الملائكة لهذه التحية الربانية قائلة: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» (صحيح مسلم). وقد جعلت هذه التحية بداية التشهد الذى يردده المسلمون فى صلواتهم التى فرضها الله- تعالى- عليهم فى هذا الموقف العظيم، وأوحى الله- تعالى- إلى خاتم أنبيائه ورسله ما أوحى، وكان من ذلك الصلاة المفروضة على المسلمين كما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى هذه الرحلة المباركة من آيات ربه الكبرى ما لم يفصح القرآن الكريم عن تفصيله، وإن ذكرت السنة النبوبة المطهرة طرفا منه.
وبعد رحلة التكريم الإلهى تلك، عاد رسول الله- صلى الله عله وسلم- إلى بيت المقدس، حيث صلى بأنبياء الله ورسله إماما، ثم عاد إلى مكة المكرمة ليجد فراشه لا يزال دافئا. وعندما جاء الصباح حدث النبي- صلى الله على وسلم- بأخبار رحلته وذهب بها المشركون إلى أبى بكر بن قحافة- رضى الله عنه- فكان أول المصدقين بها ومن هنا سمى باسم «الصديق» لقوله : إن كان قال ذلك فقد صدق، إنى لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك. ولكن المشركين ظلوا يتناقلون الخبر فى سخرية وتعجب، وتحدى بعضهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله- تعالى- له، وطفق يصفه لهم وصفا تفصيليا، وفى ذلك يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لما كذبتنى قريش قمت فى الحجر، فجلى الله لى بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه».
وتعتبر رحلة الإسراء والمعراج أعظم معجزة حدثت فى تاريخ البشرية كلها. فلم يسبق لنبى من الأنبياء ولا لرسول من الرسل أن طوى له المكان وأوقف له الزمان كما حدث مع خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم)، كما لم يسبق لنبى من الأنبياء أن عرج به إلى سدرة المنتهى عبر السموات السبع وشرف بالمثول بين يدى الحضرة الإلهية وتلقى من التكريم ما لقيه. وكان فى هذه الرحلة المباركة من معانى وحدانية الإله الخالق، ووحدة رسالة السماء والأخوة بين الأنبياء ما تجلى فى الربط بين الكعبة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك، وما تجسد فى إمامته لجميع الأنبياء والمرسلين (صلوات ربى وسلامه عليه وعليهم أجمعين). كذلك أكدت هذه الإمامة أن رسالته الخاتمة قد نسخت ما قبلها من رسالات، وأصبحت نور الله فى الأرض وهدايته لجميع الخلق، فصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

 


الشيخ محمد الغزالى: لماذ لم تبدأ الرحلة من المسجد الحرام إلى السماء مباشرة



 

فى قصَّة الإسراء والمعراج تلمح أواصرَ القُربى بين الأنبياء كافة، وهذا المعنى من أصول الإسلام: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].
والتحيات المتبادلة بيْن النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإخوته السابقين توثِّق هذه الآصرة، ففى كلِّ سماء أحلَّ الله فيها أحدَ رسله، كان النبىُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستقبل فيها بهذه الكلمة: ((مرحبًا بالأخ الصالح، والنبىِّ الصالح)).
أمَّا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد أظهر أنَّه مُرسَل لتكملة البِناء الذى تعهَّده مَن سبقوه، ومنع الزلازل مِن تصديعه[5].
3- إن تتولوا يستبدل قومًا غيركم:
مَن ترَك منهج الله وتخلَّى عنه يتركه الله - عزَّ وجلَّ - ويستبدله ولا يستعمله، فالله ليس فى حاجةٍ إلينا؛ الله - عزَّ وجلَّ - غنىٌّ عن العالمين؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].
كما حدَث من بنى إسرائيل ترَكوا منهج الله - عزَّ وجلَّ - وحرَّفوه، وشوَّهوا تعاليم النبوَّة ورِسالة السماء، فكانتِ النتيجة أنْ خرجت النبوَّة منهم، وانتقلت إلى غيرهم.
فالحذرَ كلَّ الحذر مِن مخالفة أمر الله، والتقاعُس عن القيام بحقوقه - عزَّ وجلَّ - وواجباته، اللهمَّ استعملنا ولا تستبدِلْنا.
قال الشيخ محمد الغزالى - رحمه الله تعالى -: لماذا كانت الرحلةُ إلى بيت المقدس، ولم تبدأ مِن المسجد الحرام إلى سِدرة المنتهى مباشرة؟
يقول: إنَّ هذا يرجِع بنا إلى تاريخ قديم، فقد ظلَّتِ النبوَّات دهورًا طوالاً وهى وقفٌ على بنى إسرائيل، وظلَّ بيت المقدس مهبطَ الوحي، ومشرق أنواره على الأرض، وقصبة الوطن المحبَّب إلى شعْب الله المختار.
فلمَّا أهدر اليهود كرامة الوحى، وأسقطوا أحكامَ السماء، حلَّتْ بهم لعنةُ الله، وتقرَّر تحويل النبوة عنهم إلى الأبَد، ومِن ثَمَّ كان مَجيء الرِّسالة إلى محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - انتقالاً بالقيادة الرُّوحية فى العالَم من أمَّة إلى أمَّة، ومن بلدٍ إلى بلد، ومِن ذرية إسرائيل إلى ذريَّة إسماعيل.
وقدْ كان غضب اليهود مشتعلاً لهذا التحوُّل، ممَّا دَعاهم إلى المسارَعة بإنكاره:﴿ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ﴾ [البقرة: 90].
لكنَّ إرادة الله مضَتْ، وحمَّلت الأمة الجديدة رِسالتها، وورث النبيُّ العربىُّ تعاليمَ إبراهيم وإسماعيل ويعقوب - عليهم السلام - وقام يكافِح لنشرها، وجمع الناس عليها، فكان مِن وصْل الحاضر بالماضي، وإدماج الكلِّ فى حقيقة واحدة أن يعتبر المسجد الأقصى ثالثَ الحرمين فى الإسلام، وأن ينتقلَ إليه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فى إسرائه، فيكون هذا الانتقالُ احترامًا للإيمان الذى درَج قديمًا فى رحابه.
وقد علمت أنَّ ثمرة الإسراء والمعراج إطْلاعُ الله نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - على هذه الآيات الكبرى، وربَّما تقول: إنَّ ذلك حدَث بعدَ الإرسال إليه بقريبٍ من اثنى عشرَ عامًا، على عكس ما وقَع لموسى، وهذا حق، وسِرُّه ما أسلفنا بيانه من أنَّ الخوارق فى سِير المرسلين الأولين قُصِد بها قهر الأمم على الاقتناع بصِدق النبوة؛ فهى تدعيم لجانبهم أمامَ اتِّهام الخصوم لهم بالادِّعاء، وسيرة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوق هذا المسْتوى.
فقد تكفَّل القرآن الكريم بإقناع أُولى النُّهى من أول يوم، وجاءتِ الخوارق فى طريق الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ضربًا مِن التكريم لشخْصه، والإيناس له، غير معكّرة، ولا معطلة للمنهج العقْلى العادى الذى اشترعه القرآن. وقد اقترَح المشرِكون على النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يرقَى فى السماء، فجاءَ الجواب مِن عند الله: ﴿ قُلْ سُبْحانَ رَبِّى هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً ﴾ [الإسراء: 63].
فلمَّا رقِى فى السماء بعدُ، لم يذكر قطُّ أنَّ ذلك ردٌّ على التحدي، أو إجابة عن الاقتراح السابِق؛ بل كان الأمْر - كما قلنا - محضُ تكريم، ومزيد إعلام مِن الله لعبده [9].

 


د.عبد الحليم محمود: كان المعراج مناجاة ووحيـًا ورؤية



يقول فضيلة الإمام د.عبدالحليم محمود فى كتابه «الإسراء والمعراج»: إن بعض المسلمين يحتفلون بهذا الحدث، على أنه حدث تاريخى مجيد، ثم يمرون به على أنه معجزة وقعت لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فأظهرت ما له من فضل، وبينت ما له من مكانة، ولكن أمر الإسراء والمعراج أوسع وأعم من أن يكون حدثا تاريخيا، انقضى وانتهي. وذلك أنه رسم لحياة المسلم، وفيه من العظات والعبر ما لا يكاد يحيط به الانسان. ويضيف فضيلته: لقد كان المعراج مناجاة، ووحيا، ورؤية.
ثم يتساءل أكانت المناجاة مع جبريل عليه السلام والوحى من جبريل عليه السلام، والرؤية لجبريل عليه السلام؟ أم كانت المناجاة مع الله سبحانه وتعالى والوحى من الله تعالى والرؤية لله تعالي، إن محمدا صلى الله عليه وسلم وصل إلى أفق لم يعد فيه مكان لجبريل، وارتقى إلى مستوى من النور لم يكن لجبريل عليه السلام فيه مجال. فكان محمد صلى الله عليه وسلم فى الحضرة الإلهية، دون واسطة. فناجى محمد عليه الصلاة والسلام، ربه عز وجل.. وأوحى إليه ربه ما أوحى ورأى محمد ربه. (ما كذب الفؤاد ما رأي). ثم يقول فضيلته: لقد استندت إلى ما جاء فى حديث البخاري: ثم دنا الجبار رب العزة فتدلي، فكان منه قاب قوسين أو أدني. وقلت: إن محمدا صلى الله عليه وسلم فى هذا الأفق كان وحده وكان جبريل عليه السلام فى أفق أقل، فكانت المناجاة مع الله. وكان الوحى من الله. وكانت الرؤية لله تعالي.
ويشير فضيلته إلى أن قصة الإسراء والمعراج إنما تمثل منهج حياة فى العقيدة، ومنهج حياة فى الأخلاق. وإنها منهج الحياة الروحية فى حياة المسلم. ويستمر فضيلة د.عبدالحليم محمود فى سرد خواطره حول الحدث وصاحبه فيقول: لقد كان رسول الله صوات الله عليه وسلامه خاتمة سلسلة من الأنوار التى يرسلها الله إلى العالم بين الفينة والفينة لتهدى إلى الرشاد، ولتقود إلى الله، ولتسمو بالمؤمنين درجات فى معارج القدس، لتصل بالجديرين منهم إلى الكمال المرجو، عن طريق الإرشاد الإلهي. وكان الكتاب الذى أنزل عليه، صلوات الله عليه وسلامه، وهو القرآن خاتم الكتب وأكملها. ولأن رسول الله صلوات الله عليه وسلامه تخلق بأخلاق أكمل كتاب رباني، فهو إذن أكمل رسول ومن هنا كانت إمامته صلوات الله عليه وسلامه بالرسل والأنبياء فى بيت المقدس، وهو أقرب المقربين إلى الله سبحانه وتعالى لقد تخطى الأرضين والسماوات، وتجاوز الكون كله، ووصل إلى ما لم يصل إليه بشر، بل إلى ما لم يصل إليه جبريل نفسه عليه السلام لقد وصل، صلوات الله عليه وسلامه إلى .. «قاب قوسين أو أدني».
ولكى نعرف أن أمور العقيدة وأمور الغيب ضرورية، لابد من معرفتها، ولابد أن يتكلم فيها بالعلم ، وأنه لا بد أن ترفع شبهات الملحدين والجاهلين والشاكين فى العلم، فإنه لا يُصلِح الجدلَ والبدعة والانحرافَ إلا العلم الصحيح. فإذا كَانَ الأمر متروكاً لكل من شاء أن يتكلم كما يشاء، فهذا هو الذى دمر الأمة الإسلامية، وفرقها، وضيعها، فلم تستبن معالم دينها، وأصبحت تتخبط عَلَى غير هدى، حتى أصبح كل ناعق ينعق بما يشاء، ويمكنه أن يجتال عَلَى طائفة من هذه الأمة، ويذهب بها بعيداً عن الصراط المستقيم.

 

الإسراء والمعراج فى الأدب والشعر



استحوذت معجزة الإسراء والمعراج على نصيب كبير من الشعر الإسلامى بصفة عامة، والمدائح النبوية بصفة خاصة، واستولت على مخيلة الشعراء، وتجلى هذا بصورة واضحة وبشكل بارز فى توظيف هذه المعجزة الباهرة فى بنية القصيدة العربية شكلا ومضمونا، وفرضت المعجزة الخارقة والآية الخالدة نفسها فرضا على بيوت الشعر وقوافى القريض، وأضافت روحانية إيمانية على العاطفة الشعرية، فاتحة ضفاف سماوية على الخيال والصور البيانية.

ومن أبرز هؤلاء الشعراء الذين استلهموا معجزة الإسراء والمعراج وما فيها من آيات باهرة، بعدما سيطرت على وجدانهم، وتمكنت من خلدهم شاعر الإسلام وأمير الشعراء أحمد شوقى، الذى «سيطرت خلفيته الدينية على فكره ونظمه وسلوكه، فكان يهتبل آية فرصة ليذود عن الإسلام وأبنائه، حتى عرف، منذ فترة مبكرة بأنه شاعر الإسلام»([1]). ذلك اللقب الذى كان يفضله على لقب أمير الشعراء الذى بايعه به الشعراء فى مؤتمر أقيم خصيصا لهذه البيعة الأدبية، حيث قال صراحة لصاحب مجلة المعرفة الذى كان يلقبه بشاعر الشرق والإسلام: «إن قولك عنى إنى شاعر الإسلام لأحب إلى من هذا اللقب الرنان الذى يطلقه الصحفيون على، ذلك أنى أتمنى أن أكون شاعر الإسلام حقا»([2]) .
وقد خلّد شوقى شعره بذكرى الإسراء والمعراج حين قال فى «نهج البردة»:
أسرى بك الله ليلا إذ ملائكة والرسل فى المسجد الأقصى على قدم
لما خطرتَ به التفوا بسيدهم كالشهـب بالبـدر أو كالجنـــد بالعلــــم
مستلهما ومسترشدا بقوله تعالى:
(سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )[الإسراء: 1]
ومشيرا إلى اجتماع الأنبياء فى المسجد الأقصى وصلاتهم خلف سيد المرسلين وإمام المتقين، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
صلى وراؤك منهم كل ذى خَطَرٍ ومَن يفـــز بحبيــب الله يأتمــمِ
ويعرج شوقى إلى معراج النبى وإلى البراق الذى وُصف فى الحديث الشريف([3]) بأنه دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، إلا أن خيال شاعرنا الصادق وحسه النابض يضفى عليه صفة العز والشرف:
ركوبة لك من عز ومن شرف لا فى الجياد ولا فى الأينق الرُّسُمِ([4])
وتتجلى صوفية شوقى عندما يؤكد على انكشاف خزائن العلم وأسرار الحكمة للنبى الأمى معلم البشرية، وكأنه يحيلنا لقوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) [النجم: 3 - 6].
ولا تقف صوفية شوقى عند هذا الحد بل تتجاوزه عندما تعلن أن النبى هو مَن خطط للدين والدنيا علومهما حينما لامس القلم واستلم العرش.
وقيـــل كل نبـى عنـد رتبتــــه ويا محمـــد هذا العرش فاستـلم
خططت للدين والدنيا علومهما يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم
وربما ترجع صوفية شوقى فى هذه الأبيات النابضة إلى تأثره ببردة البوصيرى، التى مما جاء فيها:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
أضف إلى ذلك رغبة شوقى فى التبرك بمدح النبى صلى الله عليه وسلم لعل الله يشفيه كما شفى صاحب البردة، حيث تذكر لنا المصادر الأدبية «أن شوقيا نزل به مرض عضال طال مكثه وأضناه هذا المرض واستعصى على الأطباء علاجه، شق ذلك على نفسه، وفجأة عثر على قصيدة البردة للإمام البوصيرى وتذكر ما حدث له من أن الرسول قد مس بيده الشريفة فى المنام على البوصيرى فأصبح سليما معافى»([5]).
أما فى همزية شوقى الشهيرة فهو يناقش قضية الإسراء بالروح أم بالجسد، وينحاز إلى مَن قال بأن إسراء المختار كان بالروح والجسد معا:
يأيها المســـرى به شــــرفا إلى ما لا تنال الشمـس والجوزاء
يتساءلون وأنت أطهر هيكل بالروح أم بالهيكل الإســـراء
بهما سمـــوت مطهرين كلاهما نــــور وريحــــانية وبهـــــاء
ويستعرض فى النهاية شوقى المكانة العلية، والمنزلة السنية التى وصل إليها النبى المختار عليه الصلاة والسلام، دون غيره من الأنبياء الكرام عليهم صلوات ربى وسلامه، (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [النجم: 8 - 9].
الله هيأ من حظيـــرة قدســـــه نزلا لذاتك لم يجزه عـــــلاء
العرش تحتـــك ســـدة وقوائما ومناكب الروح الأمين وطاء
والرسـل دون العرش لم يؤذن لهم حاشا لغيرك موعد ولقاء
وفى إيجاز بليغ يرد على المرجفين والمتشككين فى هذا الحادث الجلل فيُذكرنا بقدرة القدير، العلى الكبير، سبحانه وتعالى:
فضل عليك لذى الجلال ومنّة والله يفعل ما يريد ويشاء