الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بين عودة الروح وحلاوتها




أحمد محمد جلبى

يحضرنا توفيق الحكيم حين تكلم عن الروح الثائرة لمصر، فالرجل ألهم جيلا كاملا بروايته وظل حاضرًا لقرن فى وجدان الأمة العربية بما يمثله من تنوير وبعث لمقوماتها كامة عظيمة متنوعة الحضارات والثقافات، عميقة فى بطون الأزمنة، ولكن ما موقع ذلك الحكيم فى زمن الهيفاء وهبى والاستثمار السبكى المستغل لفكرة التعتيم والإظلام الذى ترزح تحت وطئته الجماهير الغفيرة الهادرة من الخليج الساكت حتى المحيط المتجاوب، فالكل يبصم أن ما اجتمع سبكى وهيفا إلا وكان تغيب العقل العربى ثالثهما وأن الفرق شاسع بين معنى الثقافة والاستفادة من تخديرها وإخماد نارها وإشعال غريزة الجسم البشرى بدلا وبديلا عن إيقاظ العقل، هل يا ترى من على شاكلة الإنتاج السينمائى الغرائزى يعملون بالتنسيق مع الراغبين في تأخرنا وانحطاط ثقافتنا  أم هم يفعلون ذلك متطوعين دافعهم الربح بأى وسيلة ولغير هدف سوى الجشع، إن إنتاج الفيلم الذى حظرته مؤسسات مجتمعية فاضلة قبل قرار رئيس الوزراء إبراهيم محلب لهو كاف لا أكثر من ألف كتاب نشر وتوزيع وألف مسرحية ذات مضمون فكرى يستحق أن يشاهد بغير إسفاف ولا ابتذال ولا عرض لجسد ممثلة أو راقصة، بل حتى إنتاج مائة فيلم من تلك التى تقدمها ناشونال جغرافى أو دسكفرى، حيث كان مشهد الاغتصاب الفج، مشهدًا تم تركيب الفيلم عليه ومن أجله أنتج هذا كله، هل من الضرورى للدرجة التى يكون طوله كل تلك الدقائق وليس إشارة أو لقطة عابرة أو خاطفة مثلما تفعل كل الأفلام السينمائية المحترمة وما هو موقعه إذا فى سينما البورنو «لا قصة ولا مناظر».
إن ما فعله صُناع الفيلم بتلك المواصفات اللا أخلاقية فى حد ذاته جريمة فى حق الناس بما فيهم فريق العمل ذاته، فالإحساس بالسقوط سوف يلازمهم باقى سنوات عمرهم وسيكون بالتأكيد مثل حدودتة «حمام الملاطيلى» التى ظلت بطلته تحاول رفعه من خريطة العرض لسنوات دون جدوى حتى إنها نشرت إعلانًا فى الجرائد القومية وقتها (منه رجاء ومنه شتيما ودعاء عليهم) للكف عن نشر ونسخ الفيلم، انتهبوا يا سادة حرية الإبداع والتعبير الذى تقاتلون لإعلاء شأنها فى حياتكم ليس محلها فيلم خلع برقع الحياء وروج لأفكار فظيعة فى مجتمع أساسه التدين ويحاول الحفاظ على الباقى من الأخلاقيات وقد عانى من تغيرات جسيمة فى الوقت الذى يحارب فيه جرائم لم يسبق أن عانينا منها وكانت حالات معدودة كل أعوام؟
ما الإبداع سوى صنعة وثقافة وليس انتهاز فرصة لاكتناز الثروة من حالة الفوضى وضعف الدولة، فالحكيم حين كانت مصر ترزح تحت احتلال ودولته ضعيفة وشعبها يحتان لأن يعيش لحظة أمل قدم لهم عودة الروح، قدم المشروع الثقافى والحضارى لأمة توشك على التغيير وتسلخ الماضى، قدمه بأرقى وسيلة تعبيرية كانت فى عصره وهى الكتاب واستخدم العامية فى الحوار، لكنها وصلت لكل أبناء العربية وأثرت فى وجدانهم حتى باتت الأشهر والأعمق، إذن الشهرة والانتشار ليستا هز كتاف أو رقصة (حازقة) المنتج الذى هدد بأن ينشر الفيلم القبيح على اليوتيوب مجانًا إذا منع عرضه نهائيًا (هدد المجتمع بطريقة بلطجية الشوارع) وهو ما يجعلنا نتفائل بصراحة شديدة أن لا شىء سوف يمنع فى الشارع بعد ذلك، والتخريب ليس مجرمًا يحرق بالمولوتوف سيارة بل هو أنيق فى وسط المثقفين بأفكار شريرة تمامًا.
باحث وروائى