الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عار الهجرة وريادة مصر




د. حسين محمود

 

حيث إننى زبون مزمن للبرامج الحوارية المعروفة باسم «التوك شو» والتى أضافت الحضور الجماهيرى على طريقة الستاند كوميدى أو برنامج باسم يوسف الساخر، فإننى أعلن ضيقى التام من المذيعين الذين يتولون تقديم هذه البرامج، عدا قليل جدا، ربما أبرزهم يسرى فودة.
كان يسرى مع إبراهيم عيسى فى «انتراكت» بين جلستين كان الجمهور فيهما، وفى أكثر منهما، مستعبدا طيلة النهار، ويتغير عليه مقدمو البرنامج.
قال يسرى فودة لإبراهيم عيسى، وأتمنى أن يكون الأخير قد فهم، إنه يحاول دائما أن يكون detached فى معالجته لبرامجه، أى فى حواراته، وهو ما قد يعنى ببساطة محاولة أن يكون موضوعيا، غير منحاز ولا متحيز. وعندما انفرد عيسى بفقرته قال كلاما «فريدا» عن المصريين فى الخارج، بمناسبة الحديث عن أصواتهم. وذكرنى هذا الكلام بكتاب «العار على الضفتين» الذى كتبه عزت القمحاوى بالعربية وصدرت له ترجمة إيطالية هذا الشهر، وهو كتاب يقوم بما يشبه «التشريح» الذاتى لمغامرة الهجرة، عن صحفى ذهب يبحث عن ابن شقيقته الذى لا يعرف عنه أحد شىء منذ أن استقل وصحبه من القرية نفسها أحد قوارب الموت بادئا مغامرة الهجرة الانتحارية إلى إيطاليا.
قال إبراهيم عيسى إنه فرحان بأصوات المصريين فى الخارج لأنها تدل على أن المصريين منتشرون فى جميع أرجاء العالم لأنه شعب عظيم، ولأنه شعب رائد، ولأن ذلك معناه أن لمصر تمثيلاً دبلوماسيًا فى نحو 160 دولة فى مختلف أرجاء العالم.
والحقيقة أن المصريين الكثيرين الموجودين فى الخارج هم النتاج الطبيعى لقوارب الموت، وللعار المتنقل بين ضفتى المتوسط، كما وصفهم القمحاوي، وقلة من المصريين فقط هى التى قصدت أبواب الهجرة من أبوابها الشرعية، أى الحاصلين على عقود عمل قانونية للعمل فى الخليج أو أوروبا، أو مهاجرين لبلاد تستقبل الهجرة مثل أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزلندا، أو شبه الشرعية. وهذه تتعلق بالمبعوثين المصريين للدراسة الذين يرفضون العودة إلى الوطن بعد نهاية دراساتهم. أما غير الشرعيين فهم الكثرة الغالبة، وهم الذين يجعلون الوجود المصرى بالخارج بالملايين (ما بين 8 ملايين و9 ملايين).
إنهم المصريون فى الشتات. المطرودون من نعيم الوطن المعذبون فى سعير الغربة. المنتحرون الذين قرروا أن ينالوا شرف محاولة البقاء على قيد الحياة بعد أن تساوت فرص الموت فقرا ويأسا فى الوطن والموت غرقا، فقرروا إلقاء أنفسهم فى البحر وهم يعرفون أن إمكانيات النجاة أقل كثيرا من إمكانيات الرسو على شاطئ الأمل والنجاح والثروة. هؤلاء المنتحرون هم أخوة الشباب الذى ثار فى وجه النظام حتى يفتح باب الأمل لحياة كريمة عادلة فى الوطن.
المنتحرون وأخوتهم هم الذين أعطوا أصواتهم للسيسى نزولا على رغبة أهاليهم انتظارا لأمن واستقرار يعنى بالنسبة لهم الرخاء القائم على شروط الثورة التى لا تزال قائمة: العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]