الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبداع




أشراف: ايهاب كامل

شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم وبصرهم طريقنا ويخبرونا ما لم نخبره فيما فاتنا من أمورنا الحياتية فهم بمثابة توثيق وشهادة على عصرهم ونحن نخصص هذه المساحة من الإبداع للاحتفال بالشاعر المصرى الراحل نجيب سرور (1 يونيو 1932 - 24 أكتوبر 1978)، لقب بـ«شاعر العقل»، كان عالم المسرح بالنسبة له قضيته الأولى، النضال من أجل كشف الحقيقة سعيًا للحرية والعدالة، جعلته يترك دراسته الجامعية فى كلية الحقوق قبل التخرج بقليل والالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية الذى حصل منه على الدبلوم فى عام 1956، سافر فى منحة الى الخارج ومع عودته إلى مصر عام 1964 بدأت حياته الفنية والأدبية والسياسية التى استمرت قرابة الأربعة عشر عامًا حتى وفاته متأرجحة بين النجاح والمعاناة الشديدة، بكتابة وتقديم النصوص الدرامية ومسرحياتها.


يصاحب القصائد لوحات للفنان العالمى لورينس ألما تديما (8  يناير 1836 - 25 يونيو 1912)، ويعد أحد أهم الرسامين العالميين المعروفين بالقرن الثامن عشر ببريطانيا، اشتهر بتمكنه من رسم الجسد البشرى ومضاهاته للنسب الواقعية.

لهذى الجموع

فتاتى.. ما غيرتنى الســنون ولا غيرتك
أحبـك مازلت.. لــكننى
صحوت على صرخــات الجمــوع
وخطــو الفنـــاء إلى أمتى
رأيت الحيـاة تموت هنــاك
على مذبح اليــأس فى قريتى
تريـد النشــور!
أفـاتنتى.. ان مضى الســالكون
على أرضنا فى الصــباح القريب
يلمـون فى النـور آثارنـا
فمـاذا تراه يقول الدليــل
إذا ســألوه عن الحــالمين
عن اللاعبــين.. عن الشــاربين
عن الراقصــين.. عن الســامرين
عن النــائمين بليــل الدمـوع
على زفرات النفوس الموات
عن الهائمــين ببحـر الدمـاء
على زورق من جنـاح الخيــال
وقـد غلفـوا بالنبيــذ العيــون
ومرت عليهم جموع الجياع ومروا عليها..
فــلم يلمحوا ذلـة البائســـين
ولم يســـمعوا أنـة اليائسـين
وراحوا يصــوغون فى حلمهم
عقـود الدخـــان
كمــا ينســـخ العنكبوب الخيوط
فمــاذا تراه يقول الدليـل؟
أأســمع وقـع خطى الطاغيــة
يدب على حثث الســاقطين
و يطحــن بالنعــل كل الجبـاة
وأقعــد.. لا أســـتفز الحيـــاة
و أحــلم .. لا أســـتثير الجمــوع
لتضرب بالنعــل عن الطغــاة
لتحيـــا الحيـــاة؟
أأســـمع حشرجــة الأشــقياء
يئنون من قســوة العاصفــه
وقد لفحتهم ريــاح الســموم
وأجلس كالطفل أحصى النجــوم؟!
أأســمع قهقهــة الطاغيـــة
يســـير بمركبــه آمنــا
فخــورا كنــوح
وقد أغرق القوم طوفانــه
وأقعــد لا أخرق المركبــا ..
ولا أنفخ الروح فى الغــارقين ؟ !
أأحــلم والليـــل من حوليــه
دعــاء يؤرق عين الســماء
ولكنهـــا لا تجيب الدعــاء
وهـــل أهب الكأس الحانيــة
ولا أهب الشـــعب لحن القيـــام؟!
أفاتنتى.. فى احمرار الورود على وجنتيك
رأيت الدمــاء
دمــاء المســـاكين فى قريتي
يعيشـــون كالدود فى مقبره
هم الدود و الميت يافتنتى!
أفاتنتى.. فى اختناق السواد على مقلتيك
رأيت الشـــقاء
يلف بأذرعــه الهــاصرة
جســوم الملايين من أمتى!
أفاتنتى فى انسياب الحيــاة على شفتيك
رأيت الجفـــاف
رأيت سراب الحيــاة الشحيح
تصــوره لهفـة الظــامئين
وهذى النجوم عيون العبيد تطل علينا
وقد جحظت بالعـذاب المقـل
أفاتنتى ورأيت الرءوس ألوف الرءوس
معلقــة فى فــروع الشــجر
وقد شنقتها حبال الشتاء كشنق الثمر
وســوقا كبــيرة
يبــاع بهــا عرق الكادحــين
بســعر التراب ولحم البشر
أفاتنتى ورأيت الجموع
تســير بمصباحهــا المختنق
لتبحث عن لقمــة ضائعـة
ويــأتى المســاء..
فتــأوى الى جحرهــا جائعـة
وفى كفهــا حسرة ضــارعة
وتطوى على جوعهــا يأســها
كمـا تنطوى فى الثرى قوقعـة
ويســدل ســتر الظــلام الكثيف
على مشــهد من صراع الحيــاة
ليبدأ فى الصبح فصــل جديد
فتمضى الجمــوع بمصباحهــا
«لتبحث عن لقمــة ضائعــة»
فهـل أهب الكــاس ألحانيــه
وقد زرعوا أرضــنا بالعذاب؟
فتاتى.. ما غيرتنى السنون ولا غيرتك
أحبــك ما زلت لكننى
وهبت النشــيد لهــذى الجموع !

سر الكلمة

- قبرتى .. لا يعلو شىء فوق الكلمة
كانت مذ كان الإنسان
كانت أول.. كانت أعظم ثورة!
كانت تعلو منذ البدء على الأسوار
تسخر من كل الحراس
تخرج مثل شعاع الفجر وهم نوام
خرجة «بطرس»
يوم أفاقوا حاروا «أين الكلمة»؟
خرجت تأسو كل جراح الناس
أو «كمحمد»..
ليلة شاءوا يا قبرتى قتله
ثم أفاقوا حاروا «أين الكلمة»؟
خرجت تمشى بين الناس الدعوة
وكسقراط..
شرب السم ولكن عاشت منه الكلمة
«اعرف نفسك»
أو كيسوع ..
مات ولكن أسلم للأجيال الكلمة
«اللّه محبة»
وكأخناتون
قد أكلته النار ولكن..
عاشت رغم النار الكلمة..
أبدا لم يحرقها الكهنة
ومشت بين الناس «سلام يا آتون !»
هل يمنع سد هذى الموجة..
من أن ترقص فوق الشط؟!
دوما سوف يزول السد
لترقص فوق الشط الكلمة
هذا يا قبرتى سر الكلمة!!

أغنية عن طائر

إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
هناك الطير مثل مسيح
يغنى لحنه للريح
.. ذبيحا.. من قرار ذبيح!
صحا الطائر حيراناً يبث الليل أشجانا
ويجلو طلعة الصبح ليهدى الصبح ألحانا
فما كذب إيمانا ولا صدق برهانا
فهذا العالم الحيران ما ينفك حيرانا
وكم غنى هو الطائر
وقبلا كم ثوى طائر
أما للسرب من آخر؟!
إلام نجئ ثم نروح لا جئنا ولارحنا
إلام نعيش ثم نموت لاعشنا ولا متنا
هو المنفى إذا كان البقاء قرين أن نفنى
يتامى نحن ياأطيار
دعوا الآهات للأشجار
فقد جزت بلا منشار!
علام نبتنى الأعشاش والحيات فى الأعشاش
إلام نسير كالعميان والممشى طريق كباش
وفيم الخلف كم منا قتيل مثل من عاش
هو الحتف الذى يصمى برغم الضوء جيش فراش
نسابق للخلاص النور
فنغدو فى لظى التنور
وها النافذة السور!
ملى طائرى فى الكون ثمة حار ما الجدوى
إذا كانت أغانينا تباعاً مثلنا تروى
وهذا الكون يطوينا فهل فى مرة يطوى
فما الجدوى.. فما الجدوى.. فما الجدوى..
رويدا أيها الثائر
فليس القدر الساخر
ولكن دوما الشاعر!
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن

كلمات فى الحب

آمنت بالحب .. من فيه يبارينى
والحب كالأرض أهواها فتنفينى
إنى أصلى ومحراب الهوى وطنى
فليلحد الغير ماغير الهوى دينى
ماللهوى من مدى
فاصدح غراب البين
هذى غمود المدى..
أين المداوى أين؟!
الوجد يلفحنى لكنه قدرى
يانار لا تخمدى باللفح زيدينى
أنا الظما إن شكا العشاق من ظمأ
شكوت وجدى إلى وجدى فيروينى
جاء الطبيب وقال:
«أنا العليل.. أنا»
يافرحة العذال
فمن أكون أنا؟
تخذت من وحدتى إلفا أحاوره
من لوعة القلب ترياقا يداوينى
رافقت حتى الفراق لأنه قدرى
فيا رفاقى رأيت البعد يدنينى!
بعدت كى اقترب
وقربت كى ابتعد
ياويحه المغترب
ما للهوى من بلد!
ياقلب بالله لا تسكت فإن مدى
من القرون غراماً ليس يكفينى
صفق وزغرد وقل هاتوا سهامكم
يا ليت كل سهام العشق ترمينى
ما نفع نبضك إن لم يستحل دمى
إن لم ترق يا دمى ماذا سيرقينى
مضى الشباب هباء
يا ليت كنا عشقنا
ها نحن أسرى الشقاء
فى العشق هلا أفقنا!!
هجرتكم وشبابى فى الدماء لظى
وجئتكم وحريق الشيب يطوينى
سلوا الليالى هل ضنت بنائبة
سلوا النوائب.. يادور الطواحين!
آمنت بالحب من فيه يبارينى
والحب كالأرض أهواها فتنفينى

الشعر والعالم

سكتت حتى مسحت دمعا
كان ينام على التفاح
سألت فى صوت الكروان:
- ماذا تلهمك الدقات؟
قلت وفى عينى طموح للأقمار:
- العالم فوق الشعراء
فليعل الشعر إلى العالم
أو فلنصمت!

حب وبحر وحارس

كانوا قالوا: «إن الحب يطيل العمر»
حقا.. حقا.. إن الحب يطيل العمر!!
حين نحس كأن العالم باقة زهر
حين نشف كما لو كنا من بللور
حين نرق كبسمة فجر
حين نقول كلاما مثل الشعر
حين يدف القلب كما عصفور..
يوشك يهجر قفص الصدر..
كى ينطلق يعانق كل الناس!
كنا نجلس فوق الرملة
كانت فى أعيننا غنوة
لم يكتبها يوما شاعر..
قالت:
- .. صف لى هذا البحر!
- يا قبرتى .. أنا لا أحسن فن الوصف
- واذن .. كيف تقول الشعر؟!
- لست أعد من الشعراء
أنا لا أرسم هذا العالم بل أحياه
أنا لا أنظم إلا حين أكاد أشل
ما لم أوجز نفسى فى الكلمات
هيا نوجز هذا البحر
- كيف.. أفى بيت من شعر؟
- بل فى قبلة!!
عبر الحارس.. ثم تمطى.. «نحن هنا»!
ومضى يلفحنا بالنظرات
«يا حارس.. أنا لا نسرق
يا حارس يا ليتك تعشق
يا ليت الحب يظل العالم كله
يا ليت حديث الناس يكون القبـلة
يا ليت تقام على القطبين مظلة
كى تحضن كل جراح الناس
كى يحيا الإنسان قرونا فى لحظات»
ومشى الحارس.. قالت «أوجز هذا البحر»!
كان دعاء يورق فى الشفتين
- يبدو أن الحارس يملك هذا البحر
يكره منا أن نوجزه فى القبلا ت !
- فلنوجزه فى الكلمات ..
أترى هل يملك أن يمنع حتى الكلمة؟!

نوجا.. نوجا

«نوجا.. نوجا.. أحلى نوجا..»
أتبيع الحلوى يا ولدي
من غيرك كان ليأكلها
لولا مهزلة فى بلدى..؟!
«نوجا.. نوجا.. أحلى نوجا..»
فى نصـف الليـل تغنيهـا
عريانـا فى برد الليـل
أنا مثلك لم أعرف يوما أفراح الطفل
وعرفت الأحزان المرة
ورضعت العلقم من مهـدي
لم أعرف ما طعم الحلوى..
«نوجا.. نوجا.. أحلى نوجا..»
أحلى نوجا؟!
كلها يا ولدى.. ملعون من يأكلهـا..
غـيرك أنت..
ولتقطع كف تخطفهـا مثل الحـدأة..
يا كتـكوتى.. من ثغرك أنت..
يا مثـل الورد البري
يا أطهر من أى نبى
يا أحلى من أحلى نوجا
يا كبدى.. أتبيع النوجا ؟
« نوجا.. نوجا.. أحلى نوجا ..»
ما كان بعيدا أن أصبح مثلك أنت
فأنادى «نوجا.. يانوجا..»
ما يمنع أن يصبح ولدى يوما أنت
فينادى «نوجا.. يانوجا»
قلهـا للعـالم يا طفلى
قلها للقرن العشرين!.. فليبنوا من فوق الموتى أهرام المـال
وليلقوا للفقر الضــارى بالأطفال
ليبيعوا للنـاس النوجا فى نصف الليل
«نوجا.. نوجا.. أحلى نوجا..»