الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الجمهورية الثالثة




كتب: أحمد محمد عبده


على اعتبار أن الستين عاما التى مرت منذ ثورة يوليو 1952 حتى قيام ثورة يناير 2011 هى الجمهورية الأولى، جمهورية الحكم الاستبدادى الشمولى، رغم تعاقب أربعة رؤساء عليها، محمد نجيب، جمال عبدالناصر، محمد أنور السادات، محمد حسنى مبارك. وبعد فترة انتقالية استمرت عاما ونصف العام بعد ثورة يناير. تأتى الجمهورية الثانية، برئاسة محمد مرسى، بتوجهات حكم ولاية الفقيه، أو كانت تقترب من ذلك وتتدرج فيه شيئا فشيئا، وهيمنة مكتب الإرشاد بتوجهات وأيديولوجية تنظيم الإخوان المسلمين المحلى والدولى على مشهد الدولة، استمر هذا الحكم عاما واحدا فقط.
ففترة حكم الإخوان والرئيس محمد مرسى هى الجمهورية الثانية، نظرا للطبيعة النوعية، والشاذة، التى اتسمت بها هذه الفترة رغم قصرها، تجربة حكم تنظيم دينى، والتى توقفت بخلع رئيسها الأول والأخير، ويأتى تصنيف فترة حكم الإخوان كجمهورية ثانية، ومنقطعة، لا امتداد لها، ذلك من غرابة شكل الحكم فيها على التربة المصرية، بعدها عن روح ثورة يناير، الدستور الخاص الذى وضعوه، ليحقق لهم طموحات الجماعة لا توجهات الدولة، الامتدادات مع تنظيمات دولية، استهجنها الشعب ونفر منها سريعا، لمجيئها بعد ثورة شعبية مدنية، تنادى بمبادئ إنسانية عامة. ويأتى توقف «الجمهورية الثانية» هذه عند هذا الحد، لكونها تجربة غير مرغوب فيها شعبيا، وشكل من الحكم لا يعترف به العصر، قامت عليه ثورة شعبية أوسع انتشارا من الثورة الأولى.
يحدث هذا مع أن ذلك الحكم جاء بانتخابات حرة حقيقية، ولأول مرة فى تاريخ الانتخابات والاستفتاءات فى مصر، خلال الستون عاما الماضية، تختفى نسبة الــ 99.99 %، رغم الشبهات التى حوَّمت حولها، التدخل الأمريكى والبطاقات المزورة، وتهديد جماعة الإخوان، فتعرف مصر النسب المتداولة فى ديمقراطيات العالم، فيحصل المرشح محمد مرسى على 51.7 من مجموع الأصوات، فيكون التصنيف الطبيعى لفترة حكم الإخوان هو الجمهورية الثانية، والتى توقفت بثورة 30 يونيو 2013، وخلعت هذا الشكل من الحكم من التربة المصرية، قبل توغل جذوره فيها.
وتحديد هوية الجمهوريات لا تقاس بعدد الرؤساء، وإنما بشكل وطبيعة فترات الحكم. فكانت فترة «يوليو» التى استمرت ستين عاما هى فترة الحكم الشمولى، حكم الفرد، والاستبداد بالحكم، وغياب تداول السلطة، وكان لكل حاكم طريقته فى الديكتاتورية، باستثناء فترة محمد نجيب القصيرة.
ومن تاريخ الديمقراطيات العالمية نجد الجمهورية الأولى فى فرنسا، والتى تأسست عام 1792عقب الثورة الفرنسية، تعاقبت بعدها جمهوريات بأنماط مختلفة بعدد من الرؤساء لكل جمهورية، حتى جاءت الجمهورية الخامسة، والقائمة حتى الآن، أيضا بعدد من الرؤساء، والتى بدأت برئاسة شارل ديجول عام 1958 وقد شهدت حتى الآن 7 رؤساء آخرهم الرئيس أولاند الذى انتخب فى العام 2012 بنسبة 51.5 %.
وتشهد إيران منذ قيام الثورة الإسلامية فى فبراير 1979، وحتى الآن ثلاث جمهوريات، يقسمونها تبعا لتوجه الأحزاب، فالإصلاحيون مع الرئيس الرابع هاشمى رافسنجانى الذى تولى الحكم عام 1989 هم الجمهورية الثانية، ثم المحافظون مع الرئيس السادس محمود أحمدى نجاد الذى تولى الحكم عام 2005 هم الجمهورية الثالثة.
والحقيقة التى اقتنعنا بها أخيرا، أنه لا فرق بين الجمهورية والملكية إلا بتصرفات الحاكم وطريقة إدارته للبلاد، ورؤيته لمستقبلها، وإرادته السياسية، فهذا شكل لا أكثر، الفرق الوحيد أن المملكة تحتكر السلطة فيها أسرة واحدة بالوراثة، فى حين تجد الجمهورية، وخاصة فى عالمنا العربى، فإن الحاكم يحتكر شعبه طوال حياته، وقبل أن يموت يمهد الطريق لأحد أولاده، فما الفرق؟
وقد كان مسمى الجمهورية عندنا، يعنى الطهر والنقاء والفروسية والاشتراكية والجماهيرية والشعبوية والثورية والعدل، ربما مما وصلنا عن جمهورية أفلاطون، وربما من الشعارات الوردية، والوعود المثالية التى ملأت أسماعنا فى الفترة الناصرية، وكان لتشويه صورة محمد على وأسرته على يد ثورة يوليو عام 52 صوتا قويا جعلنا نكره الملوك والأنظمة الملكية، فتكونت عندنا صورة ذهنية سوداء عن الملوك والملكية، فصارت مفردات مثل النظام الجمهورى والجمهورية والجماهير والجماهيرية، والثورة والثوار والثائرون، كأنها اليوتوبيا، المدينة الفاضلة فى عيوننا، هى النموذج الأمثل للدولة، إلى أن ذهب «الفساد الجمهورى» بتلك الأحلام. ويتبين لنا أن الثورة، وكما قالوا، هى أسوء طرق التغيير الديمقراطى، فلننظر إلى جمهوريات العالم العربى، وماذا فعلت فى شعوبها، وماذا كان مصيرها، وأن طريق الثورة لم يكن أبدا مفروشا بالورود، وأن رائحة من جمهورية ديجول، وليس أفلاطون، لم تتحقق على الأرض العربية، رغم كثرة الثورات. وسوف تجد عوامل مشتركة كثيرة بين عصور إسماعيل وتوفيق وفاروق وعبدالناصر والسادات ومبارك وأخيرا محمد مرسى. فالقاعدة تقول: لا كل مملكة فاسدة، ولاكل جمهورية صالحة!
وبعد الارتباك فى المشهد المصرى، وفراغ الساحة من القيادات، والتجريب السياسى، ومن الممكن أن يعقب ذلك فترة مثيلة، لرئيس أو اثنين، طالت أو قصرت، المهم أن مصر تحاول الآن التأسيس لعصر ديمقراطى حقيقى، مع بداية الجمهورية الثالثة.
عضو اتحاد كتاب مصر