السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

والليل إذا يغشى




كتب: محمد الدويك

الكاتب السورى فرح أنطون، ألف كتابا عن أن ثلاثة كلمات ترسم مصير أى مجتمع من التخلف والحضارة. المال والدين والعلم. الله اختصر المسافات وجعل المال والدين مترادفان. حتى أن يوم الدين. وهو يوم القيامة. مشتق من الدين المالي. لتوضيح أنه يوم استيفاء الحقوق ورد المظالم. وأطول آية فى القرآن فى سورة البقرة، صفحة كاملة، آية الدين.. كاستحقاق مالى للبشر فى ذمم بعضهم.
سورة الليل. (والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. وما خلق الذكر والأنثى).1-3
كلمات بسيطة تلقائية يفهمها الجميع.. تعاقب الليل والنهار هما أصل الحياة. وبهما يمضى الزمن الذى لم نستطع التخلص منه. الليل والنهار يثيران داخلك الشجن وشيئا من التأمل وحزنا شفيفا يجعلك رقيقة متأملة أقرب إلى الصمت والفلسفة.. وكما أن الليل والنهار هما وجها عملة واحدة للزمن فكذا الذكر والأنثى.. لا غنى عنهما لمضى الحياة. الله يذكرنا دائما بقصة رومانسية باقية ببقاء الحياة. رجل و امرأة، لا يتخليان عن بعضهما.
(فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى.) 5-7، (وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى) 8-10.
لاحظ أن أعطى، اتقى، صدق.. فالعطاء والكرم وبذل المال ورعاية الفقراء وتهذيب النفس من الشح، هو أول مراتب التصديق والإيمان. هو الحسنى. وأن البخل والشح والأنانية، هو أول درجات التكذيب والكفر. فماذا يفعل الله بمؤمن سلبى أنانى بخيل لا ينفع غيره!
أيضا مصير الإنسان مرتبط بعمله وإرادته وإدراكه.. العطاء والتقوى يجلبان رضا الله وتيسيره, والبخل والتكذيب يجلبان العسرى.. والآية تضع الترتيب (من أعطى واتقى.. فسنيسره لليسرى.. من بخل واستغنى.. فسنيسره للعسرى..) أنت، أولا، ثم تيسير الله أو تعسيره ثانيا.
(وما يغنى عنه ماله إذا تردى) 11، لاحظى تكرار الأمر وتأكيده.. أيها الناس لن تفعكم أموالكم إذا هلكتم.. ويربط الهلاك بالبخل والجشع وكنز المال.
التقارير الدولية تقول إن 92% من ثروات العالم ينتفع بها نصف سكان العالم. والنصف الثانى له الفتات. كلام الله ليس رفاهية وهو الحل الوحيد. كل قوانين العدالة الاجتماعية لم تستطع حتى الآن ضبط الميزان، والرأسمالية العالمية لم تجلب للفقراء إلا المزيد من الاستعباد والفقر. العالم الغربى بدأ فى مراجعة سياساته المالية خاصة بعد أزمة النظام الأمريكى ودخوله مرحلة الديون التى عطلت 40% من العمل الفيدرالى ما جعل شبح إفلاس الحكومة الأمريكية ممكنا.
الآيات تربط بين الله والإنسان وجعل الإيمان بالله سببا فى نماء الحياة ومواجهة الفقر ونشر مشاعر التراحم بين الناس، بشكل متداخل سلس يخاطب نفوس المؤمنين، ليكون دين الله هو تزكية النفس من البخل والأنانية والمخاوف. وهو الرعاية والكرم والحنان. رومانسى هذا الكلام، لكنه واقعى لأقصى درجة وحل مهم لكثير من مشاكلنا ومعنى واضح عبر الآيات.
(فأنذرتكم نارا تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى) 14-15، (وسيجنبها الأتقى الذى يؤتى ماله يتزكى) 17، لا يستحى الله من التكرار ليوضح ويؤكد ويقطع الشكوك.
نارا تلظى يصلاها الأشقى. ويجنبها الأتقى.. ومن التقي؟ لم يتحدث عن عبادات وشعائر دليلا للتقوى هنا. ولم يذكر أزياء وأشكال. بل الذى يزكى نفسه من البخل والطمع والاكتناز. ويؤتى ماله لرعاية الفقراء.. الكرماء الرحماء ينجون من النار. والبخلاء القساة يهلكون فيها. كقاعدة. نستطيع شرح الإسلام بتلك البساطة.
(وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) 18-21،وما لأحد عنده من نعمة تجزى. أى أنه ينفق ماله ويفعل الجميل ويرعى المجتمع ليس لأن لأحد عليه نعمة سابقة. جميل يرده لهم. بل ابتغاء وجه ربه الأعلى. لا يريد جزاء ولا شكورا. ولا يفعلها جلبا للفخر والتعالى ومديح الناس.


كاتب فى الفكر الإسلامي
facebook.com/M.ELDWEK