الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ريان: لا فائدة من ثورة سياسية بدون تغيير ثقافى




حوار- أحمد سميح

فى ظل العولمة والتطور التكنولوجى الرهيب الذى ألقى بظلاله على حياتنا وكل تعاملاتنا اختار الكاتب السكندرى محمد سيد ريان مجال تكنولوجيا المعلومــــــات والإعلام الجديد والثقافة الرقمية كمجال لتخصصه الأدبى على الرغم من حداثة الموضوع فى مصر والعالم العربي، فقد حصل على  جائزة  الشباب العربى المتميز  2011  من مجلس الشباب العربى للتنمية المتكاملة  والأمم المتحدة  وجامعة الدول العربية بالقاهرة، وتم تكريمه فى مجال الإعلام الجديد من الإتحاد العربى للصحافة الإلكترونية 2012، وحصل أيضا على لقب أفضل قارئ لمكتبة الأسرة من الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010، كما قام بتأليف ستة كتب تتناول تربط بين الثقافة والتكنولوجيا منها «كيف تفجرت الثورة فى 25 يناير .. الفيس بوك وأدوات التكنولوجيا الثورية»، «الإعلام الجديد»، «الفيس بوك والثورة المصرية»، «الصورة التى تحرك الملايين»، «القراءة والثقافة الرقمية».. عن الثقافة الجديدة وعن العولمة ومشكلات الثقافة والمثقفين تحاورنا مع «ريان» فإلى نص الحوار:

■ تخصصت فى مجال «الثقافة الرقمية».. حدثنا عن هذا المجال؟ وما الفارق بين العربى والعالمى منها؟
- مجال الثقافة الرقمية  هو اختزال  للقراءة والكتابة والمعلومات السمعية والبصرية باستخدام تكنولوجيا المعلومات وذلك على الوسائط الإلكترونية المتاحة عبر الكمبيوتر  والاستفادة من  البيئات الإفتراضية على  الانترنت، وعلى الرغم من أن هذا المجال شهد دراسات مهمة على مستوى العالم إلا أننا مازلنا نفتقد عناصر وزوايا عديدة فى تناول الموضوع على المستوى العربي، وقد شغلتنى نقطة مهمة فى هذا الموضوع وهى أوضاع القراءة فى عصر الثقافة الرقمية  وكيفية تنميتها وإعادة الشباب للقراءة وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعى ففيس بوك وتويتر ويوتيوب وفلكر وجود ريدز  هى المكان الذى يقضى فيه الشباب معظم أوقاتهم.
■ تم تكريمك عام 2010 من الهيئة المصرية العامة للكتاب كأفضل قارئ لمكتبة الأسرة.. كيف ترى تطور تلك الإصدارات خلال الأعوام الماضية؟
- تكريمى كأفضل قارئ كان من أهم اللحظات الفارقة فى حياتى وبداية الإنطلاقة للعمل على مشروع قومى للقراءة كان ومازال هو همى الأساسي، ومشروع مكتبة الأسرة من أهم المشاريع الثقافية ولإصلاحه يجب عدم ارتباط  المشروع بشخص أو أشخاص بعينهم لأن هذا يجعل المشروع يتحول لتمجيد شخص بعينه، وكذلك يجعل تطوير المشروع بطيئا نظراً لأن هذا الشخص يصبح هو الذى يتحكم بالمشروع ولابد من حضوره شخصيا أو كتابيا ضرورياً وهذا مرفوض إذا أردنا أن نجعله بالفعل مهرجانًا وطنيًا للقراءة، والقضاء على السلبيات الموجودة فى المشروع خاصة ارتفاع أسعار الكتب فى الفترة الأخيرة على عكس الفترة الأولى من المشروع، وتوفير جميع الإصدارات بصورة الكترونية لاتاحة المعرفة لكل المصريين دون أعباء مالية.
■ قمت بتأليف كتاب ترصد فيه أسباب اندلاع الثورة فى 25 يناير.. ما أهم الأسباب؟ وهل كان للتكنولوجيا دور فى ذلك؟
- كان كتابى «كيف تفجرت الثورة فى 25 يناير؟! الفيس بوك وأدوات التكنولوجيا الثورية» هو أول مؤلف تقنى يتحدث عن الثورة فى المكتبة العربية، فالثورة التى فجرها الشباب الذين اعتقد النظام أنه كان قد كبلهم بالقيود وجعلهم يجلسون بالمنازل أمام شاشات الكمبيوتر بعد أن فقدوا الفرصة فى العمل، والزواج، والمعيشة الكريمة؛ ليتحول هؤلاء الذين وصفوا سابقـًا بالسلبية وإدمان الكمبيوتر إلى ثوار أحرار يجعلون الفيس بوك مكانـًا للاجتماعات والمؤتمرات والجلسات التى أشعلت الثورة وليثبتوا للجميع أنهم مازالوا أحياءً، ولم يقتلهم التجاهل أو الإهانة من نظام فاسد أغلق كل أبوابه أمام أحلامهم الزاهية وشغلهم بالمخــدرات، والجنـس، وتفاهات الأمور، والمعارك الوهمية، هؤلاء الشباب الذين اتخذوا من جهاز الكمبيوتر صديقـًا سريًا، يلجأون إليه ليصنعوا أحلامهم على شاشته، ويضغطون على الأزار بتعليقات ثورية على صفحاتهم ليجمعوا أعدادًا كبيرة، يشعرون بنفس المتاعب، ويطالبون بنفس المطالب، ويرغبون فى التغيير للأفضل ليأخذوا مكانهم اللائق بعد سنوات من الدراسة فى ظل نظام تعليمى فاشل كان أكبر أكذوبة صدقوها جميعًا؛ ولكنهم اكتشفوا بعدما شاهدوا التكنولوجيا والعالم من حولهم أنهم متخلفون بآلاف «التيرا بايت» عن أقرانهم الذين يتحدثون معهم حول العالم، وقد لعبت التكنولوجيا والانترنت خصوصا مواقع التواصل الاجتماعى وبالأخص الفيس بوك الدور الأكبر فى شحن الجماهير وخروجهم للشوارع وهو ما اذهل الجميع لتكون أول ثورة اجتماعية إلكترونية فى العالم كله.
■ قمت بتأليف كتاب عن «الصورة التى تحرك الملايين» خطاب الصورة والسياسة على الفيس بوك.. ما أهم ما رصدته فى كتابك؟
- نحن نعيش بالفعل فى عصر الصورة، هل تخيلت يوما النتائج المترتبة على إلغاء الصور من حياتنا؟ ربما لاتستطيع ذلك إلا إذا قارنت عرض صورة لحدث ما  يختلف الجميع حوله، وجاءت الصورة لتوثق وتؤيد أحد تلك الآراء وتنفى الرأى الآخر وتزيل اللبس والإرتباك والغموض وتظهر الحق وتدحض الباطل، الصورة قد تنطق بملايين الحروف وألوف الكلمات ومئات السطور وعشرات الصفحات وتكون بمثابة كتاب كامل متكامل الأفكار، الصورة هى وثيقة الماضى ومشهد الحاضر ومصير المستقبل.
وقد رصدت فى كتابى «الصورة التى تحرك الملايين» دور الثورة فى الأحداث السياسية على مدار سنتين بعد ثورة يناير وركزت فنون الصورة  خصوصاً خلال ثورة 25 يناير وتفاعلها مع الأحداث التى مر بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن أهم تلك الفنون فن الكوميكس حيث نجد الشخصيات السياسية قد حلت محل الشخصيات الكرتونية الشهيرة  وتعبر عن مواقف سياسية فى صيغة ساخرة ومتمردة؛ وفن الجرافيتى  حيث أرخ رسامو «الجرافيتي»، للثورة وللشهداء والأحداث العديدة فى أعقاب الثورة.
■ تناولت مصطلح «الإعلام الجديد» فى كتاباتك.. كيف ترى ذلك الإعلام على أرض الواقع؟
- الإعلام الجديد هو إعلام الحاضر والمستقبل، ولايمكن إغفال دور أدوات مثل المدونات والفيس بوك وتويتر ويوتيوب وفلكر وغير ها من أدوات الإعلام الجديد فى صياغة كثير من الاحداث فى حياتنا، فالإعلام الجديد هو بمثابة تطور طبيعى للتقنيات الإعلامية التقليدية والتى تفرض سنن الحياة والواقع والتكنولوجيا تطورها لتلائم وتواكب مجريات الحياة المعاصرة والسريعة والجديدة.
وتكمن الأزمة فى الإعلام الجديد كعادتنا فى التعامل مع المستحدثات فى العلم والتكنولوجيا هى التركيز على الشكل دون المضمون، فكثير من الصحف التقليدية بدأت فى عمل مواقع وصفحات على الشبكات الاجتماعية ولكنها تفتقد صفة مهمة جدا وهى التفاعلية التى هى أهم سمات الاعلام الجديد، فلابد من التأكيد أن الجمهور الآن مشارك بقوة فى صناعة الخبر وقد يساعده فى تأكيده أو ينفيه ولذلك فاتجاهات مثل إعلام المواطن قادمة وبقوة فى هذا المجال، وتبقى نقطة مهمة وهى التأكيد أن ما لايدرك جله لايترك كله فإن وجود بعض الشوائب والأفكار غير الصالحة الموجودة على بعض المنصات الإعلامية الإلكترونية لا يمكن اعتباره دليلاً ضد المجال كله.
■ كيف يقرأ العالم؟ وكيف يقرأ العرب من وجهة نظرك؟
- هناك أزمة قراءة مما لاشك فيه والإحصائيات مرعبة ففى الوقت الذى تهتم فيه دول العالم أجمع بالقراءة والفرد القارئ فى المجتمع نجد إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» تشير إلى أن متوسط قراءة الفرد فى المنطقة العربية بلغ 6 دقائق فى السنة، أى ما معدله ربع صفحة، مقابل 12 ألف دقيقة فى السنة للغرب، أى ما يقرب من 11  كتابًا للأمريكى و7 للبريطاني، ويكشف تقرير التنمية الثقافية العربى الثالث الصادر عن مؤسسة الفكر العربي  فى ديسمبر 2010، أن العرب فى عام 2009، قاموا بتحميل نحو 43 مليون فيلم وأغنية بينما قاموا بتحميل ربع مليون كتاب فقط، ومن أهم الاحصائيات الواردة بهذا التقرير أيضا احتلال كتب الطبخ مركز الصدارة بنسبة 23%  من إجمالى الكتب، وأن عمليات البحث التى قام بها العرب فى عام 2009 على شبكة الإنترنت عن المطرب تامر حسنى ضعف عمليات البحث التى قاموا بها عن نزار قبانى والمتنبى ونجيب محفوظ ومحمود درويش مجتمعين!!!
وتجنب هذه الكارثة الثقافية يبدأ من التعليم  تكثيف الحملات القومية والجهود التطوعية لمحو الأمية  وتطوير الكتاب المدرسي، الذى يشكل أول تجسيد لعادة القراءة عند الطفل، والتنسيق بين كل الجهات الثقافية، فوزارة الثقافة ليست الجهة الثقافية الوحيدة حيث تعتبر وزارات التعليم والإعلام  والشباب وزارات ثقافية أيضا، لتشجيع الأشخاص على القراءة من خلال كل هذه الجهات.
■ هل ترى أن دور الثقافة الرقمية قد تنامى على حساب الكتاب الورقي؟ وما أهم مشكلات الثقافة الرقمية؟
- القضية فى الثقافة الرقمية ليست فى تفوق الكتاب الرقمى على الكتاب الورقى فتلك قضية مفروغ منها و موجودة بالفعل والغريب أن الكثير من العرب مازالوا يركزون على تلك القضية الأزلية التى يرفضها المنطق فالكتاب الرقمى لن يلغى الكتاب الورقى فلكل استخداماته وأهميته.
ولكن المشكلة الكبرى لا تكمن الآن فى سيطرة الكتاب الرقمى وإنما فى أزمة المحتوى الموجود على الانترنت وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعى والثقافى فعدم وجود محتوى جيد أو حتى وجود محتوى هلامى غير ناضج شيء سيعود بنتيجة سيئة على الجيل الجديد، فعلى الرغم من أهمية الشبكات الإجتماعية والإخبارية إلا أنها بدون صياغة جيدة وثقافة تقوم على أسس وأخلاقيات المجتمعات تصبح ترسيخًا لقيم مادية لا تضع مجالا للإنسان أو قيمه أو طموحاته  أو مستقبله الشخصى والمهني.
■ كيف ترى حال الثقافة والمثقفين حاليا؟ وما السبيل لتطوير الثقافة المصرية والوصول بها إلى جميع المستويات والجماهير؟
- الثقافة المصرية فى أزمة حقيقية والمثقفين أول المسئولين عن ذلك، فالصراعات على المناصب والكراسى والامتيازات جعلت كثيرًا منهم ينسى دوره كمثقف حقيقى مهمته الاساسية بناء وتطوير مجتمعه لا مجرد كلام مكرر ومعاد وبعيد كل البعد عن قضايا المجتمع، فأين محصلة كل مؤتمرات وزارة الثقافة  ومكتبة الاسكندرية وغيرها من الجهات الحكومية وهل فعلا تنفذ التوصيات أم مجرد تصبح اوراق للاستهلاك الآدمى بعد ذلك.
البداية الحقيقية للحل موجودة فنحن بعد اعظم ثورة فى تاريخ المصريين ويجب ان يجهز المبدعين افكارهم للنهوض بمصر، ثورة سياسية بدون تغيير ثقافى لافائدة منها.
وقد تقدمت باقتراحات عديدة لجهات بوزارة الثقافة للاهتمام بالتسويق الإلكترونى للثقافة وخصوصا على الشبكات الاجتماعية ولكن لاحياة لمن تنادى والامور تسير ببطء شديد.
■ ونحن فى مرحلة الإعداد للانتخابات الرئاسية هل ترى أن عهد الدعاية الانتخابية التقليدية قد انتهى لصالح الحملات الانتخابية الإلكترونية؟
- هذا الموضوع كان من أهم ما شغلنى بعد ثورة يناير فاصدرت كتابى «الحملات الانتخابية الإلكترونية» وحاليا أجهز لاصدار كتابى «التسويق السياسى على الوسائط الإلكترونية»، فالمرشح السياسى الآن يلجأ إلى فريق الدعاية الإلكترونى المكون من مبرمج ومصمم جرافيك وخبير تسويق إلكترونى وأدمن للصفحات على الفيس بوك ليقوموا بحملة إلكترونية للمرشح تملأ الدنيا وتصل للجميع فى المنازل والأعمال والكافيهات من خلال أقوى مجتمع افتراضى على الإنترنت، ولعلنا نشاهد الان المرشحين للرئاسة يجلسون على اجهزة الانترنت ليقوموا بعمل حوار مباشر مع الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعى ويسأل الجمهور ويرد المرشح وتعد أكثر مصداقية من كثير من الحوارات التليفزيونية التقليدية.