السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سيكو دراما الثورة المصرية ـ التحليل النفسى لشخصية المصريين بعد الثورة ـ4ـ «جافير» المصرى




كتب: د. على الشامى

«السيكودراما» أو الدراما النفسية هى احد انواع أو فنون العلاج النفسى الذى تكمن فنياته فى تفريغ الانفعالات الناتجة عن الصراعات الداخلية فى النفس البشرية ويتم ذلك فى إطار تحليلى وهى كذلك محاولة لفهم ما يدور داخل النفس البشرية وهو ما سنقوم به بالضبط، فسنقوم برصد ما حدث وما يمكن أن يحدث من تحولات نفسية والتى تؤدى فى الاغلب الأعم إلى تحولات اجتماعية فى نفوس بل وفى المجتمع المصرى بشكل عام، سنقوم بذلك بشكل تحليلى وفقا لقواعد الدراما النفسية على حلقات متوالية لنرصد الخلل ونحاول تقديم أنماط مختلفة أو رؤى وتصورات جديدة لعلاج ما طرأ على المجتمع المصرى من خلال ما ظهر منه وما بطن
تحدثنا فى الحلقة الماضية عن إحدى الشخصيات التى أرى أنها من الركائز الأساسية فى المشهد السياسى والاجتماعى المتحول - فضلا عن النفسى بالطبع - فى الواقع المصرى المعاش بعد ثورة 25 يناير وأيضا بعد ثورة 30 يونيو وهى شخصية أحد الضباط العاملين بجهة أمنية، حيث لا فارق بين الجهات الأمنية المختلفة، ولكن فقط لأن المنبع واحد والاختلاف يكمن فى درجة الرقى الاجتماعى المتصاعد طبقا للرتبة أو السطوة أو درجة الثقافة وهكذا، إلا أن المشارب تكاد تكون واحدة وهو أمر غاية فى الأهمية، أى أن توحيد المشارب فى الجهات الأمنية هو من أساسيات العمل بها، اما عن درجة الالتصاق او الاعتناق او الاعتقاد فى وسائل امنية معينة او أساليب تعامل بعينها فهو امر متروك لطبائع الأحداث والأمور ولاختلافات فردية وطبقية كما أسلفنا، هنا يلح علينا هذا السؤال الهام.. لماذا توحيد المنبع؟ والسؤال الأهم.. فيم يفيد هذا الأمر؟ وأضيف.. يفيد من ؟ وهى كلمة ذهبية فى حل الأمر الذى يبدو للبعض لغزا، ولكن فى الحقيقة ستتكشف الأمور بعد محاولتنا هذه لقراءة الأمر.
لنبدأ إذن.. قانون الجندية الطاعة.. بمعنى أنك كلما ازددت طاعة كلما صرت جنديا أفضل.. حسنا وما المشكلة فهذه طبائع الأمور فلايعقل انه فى أحد الحروب او العمليات الأمنية للقضاء على بؤر اجرامية أن «يتفلسف» أحد الجنود أمام أوامر قائده او أن يقوم بتأويل حديثه، بالطبع لا يعقل وليس من المقبول ان يحدث هذا.. اذن فهذا للصالح العام.. نعم هو للصالح العام.
قانون الابداع التمرد والرفض والجدل.. كلما ازددت رفضا كلما صرت مبدعا ومفكرا.. حسنا وهذا امر مهم جدا فى العملية الابداعية فى الفن والعلم بشكل عام وهو امر جيد يدفع القاطرة العلمية والفنية والابداعية بشكل عام الى الأمام مما يحرك البشرية نحو التقدم والرقى.. اذن فهذا للصالح العام.. نعم هو للصالح العام.
كدولة كلا النموذجين يتواجدان بشكل طبيعى وبنسب متفاوتة، فمن يقود القاطرة اذن.. لحظة لنتوقف هنا، فهنا تحديدا تبدأ الثورات، فالمؤسسات العسكرية هى مؤسسة بكل ما تحمله الكلمة من المعانى وبكل ما يفرضه الواقع من مميزات وعيوب ايضا، وشرارة البدء لاحداث 25 يناير هو القمع الأمنى المتفشى والتعامل السياسى الغشيم متعال مع الطموح المتصاعد نحو الحرية وزيادة سقف الطموحات مع ازمات اقتصادية، بالطبع كان هذا واضحا بقوة فى السنوات التى سبقت الثورة إلا ان النظام عمى عنها او تعامى، غفل او تغافل، لا يهم المهم انه اهملها وقامت ضده ثورة رافضة لهذا الظلم.
كان القمع احد الاسباب الرئيسية التى قامت من اجلها الثورة اذن واقول هنا على سبيل التقريب قمع «الداخلية»، لانها كانت النموذج الأكثر احتكاكا بالواقع اليومى بكل تفاصيله فى الأحداث العادية، فى الاقسام فى الشارع فى كل التفاصيل، بعكس اجهزة اخرى مثل الجيش الذى تفصله بحكم طبيعة عمله مسافة عن الواقع المدنى وكذا اجهزة المخابرات وغيرها نظرا لطبيعة الأجهزة نفسها.
لنذهب إذن الى يوم 25 يناير اول ايام الاحداث حين استخدمت الشرطة كل الوسائل الممكنة لتفريق المظاهرات، الشرطة استخدمت الاساليب المعتادة مع حدث غير اعتيادى بالمرة من حيث التنظيم والحجم وكل شيء لنجد اسليب قمع مخيفة - عينى عينك - فى الشارع، استمر الأمر لمدة ثلاثة أيام وفى الرابع انهار كل شيء بشكل لافت يكشف مدى هشاشة الجهاز القمعى الذى يبدو رهيبا، انهيار جهاز الشرطة هنا لم يكن انهيارا رمزيا ولكنه كان انهيارا فعليا فتم حرق جميع مقرات الأقسام واقتحام السجون وتهريب المساجين، انسحبت المدرعات من الشارع وقام افراد الامن فى الشوارع باستبدال زيهم الميرى بزى مدنى لعدم التعرف عليهم، اذا فالجهاز كان قد انهار ماديا ومعنويا بالفعل وكانت نقطة الانهيار هى اللحظة التى قرر فيها النظام النزول بالجهاز الأمنى الآخر المتماسك الأبعد عن الاحتكاك المباشر، اعنى الجيش بالطبع، ثم جرت الاحداث كما يعرف الجميع لكن الامر لم يمر على كل افراد الشرطة، فأصبح الأمر كغصة فى الحلق، بقى الانكسار المروع فى يوم 28 يناير ماثلا امام عيونهم ولا يفارق خيالهم ابدا، وهنا نقف وقفة نحن امام صدمة جهاز الشرطة الذى تلقى أكبر صدمة ربما فى تاريخه منذ انشائه وفى ذكرى انشائه وعيده، مما يعزز الصدمة ويكسر البارانويا المتراكمة فى نفوس افراده، هنا يتوقف افراد الشرطة للحظات هى لحظات الصدمة بعد هذا الحدث بفترة ظلت الشرطة مختفية مختفية بالمعنى الحرفى للكلمة، ثم بدأت فى المرحلة التالية من كرب ما بعد الصدمة وهى مرحلة الانكار، وهى انكار حدث الانهيار بادعاءات مختلفة عن خطة هنا او خطة هناك او أن قيادات الشرطة أدارت الأمر بالطريقة الفلانية او كذا خرجت الينا فى هذه الأثناء، ثم بدأت مرحلة الغضب وهى مرحلة مهمة جدا فى كرب ما بعد الصدمة، او لنقل هى المرحلة المحورية فى حديثنا هذا وسنتوقف عندها فى حديثنا هنا، والغضب فى الحقيقة امتدت مرحلته طويلا بعض الشىء لتطول محمود محمود 1، والتى استخدمت فيه اساليب قمعية مفزعة فى وجه المتواجدين بالشارع فى ذلك الوقت - لن اعطيهم وصفا محددا الآن - من غازات ورصاص مع توجيه هذا الرصاص الى الصدور والرؤوس والعيون مباشرة فى مساحة ضيقة مكانيا بطول الشارع وعرضه وحتى محمد محمود 2، والتى قتل فيها جيكا واستخدمت اساليب قمعية ايضا شبيهة بالاحداث الاولى والغضب مستمر من الشرطة تجاه ما سموا بالثوار اصطلاحا والاخوان ايضا وتجلى ذلك فى انضمام الشرطة الى جموع الناس فى ثورة الثلاثين من يونيو وهى جماهير خرجت ضد هذه المنظومة فى 25 يناير، اى قبل عامين ونصف العام فقط والتى لم تغير عقيدتها فعليا وكان العنف هنا موجها للإخوان حصريا.
حسنا لنبدأ إذن تصور مسرح الأحداث خياليا - سيكودراما-، بالطبع اثناء عمل السيكودراما لا توجد اسلحة حقيقية حتى يتم التدخل لايقاف اى عنف يهدد حياة احد المشاركين او حتى ايذاؤه بدنيا او نفسيا، المسرح هذه المرة بحجم شارع طويل ملتوى بعض الشيء يدعى شارع محمد محمود - هذه المرة سنطلق عليه محمد محمود 3 تمييزا له عن محمد محمود 1 وكذا محمد محمود 2 - والذى يتفرع من ميدان التحرير - مهد الثورات - يقف ضابط كبير وبجواره احد الضباط الشباب وهو الذى تحدثنا عنه فى الحلقة السابقة عبر جلستنا معه فى العيادة وحولهما عدد من جنود الامن المركزى صغار السن وعلى مقربة من المكان يقف عدد من الشباب بعضهم يطيل شعره ويرتدى قلاده وبعضهم قصير الشعر بطريقة لافتة وشاب ذو لحية وشارب وفتاة ترتدى «بلوزة» وجينز وقد عقدت شعرها.. يبدأ مجموعة الشباب الصغير بالهتاف ضد الشرطة، ولا تحرك قوة الشرطة ساكنا، تدريجيا يبدأ الشباب الصغير فى التحرش بقوة الشرطة ومناوشات خفيفة يبدأ الجنود فى إلقاء قنابل الغاز فى اتجاه الشباب، يحاول هؤلاء الشباب الاعتداء على الظابط الكبير وبداخلهم مشاعر غضب تجاهه ينجح احدهم فى اصابته فى رأسه فيسقط، نتوقف هنا للحظة كل فى مكانه، نسلط الضوء على الشاب الذى أصابه يتكلم يقول: اريد ان اقتله.. انه يشبه ابى.
صوت: يشبهه فى ملامحه؟
الشاب: لا بل فى تسلطه وتعنته.. ربما فى ملامحه ايضا.
هنا قام الشاب بما يسمى الطرح اى انه طرح مشاعره تجاه ابيه فى اتجاه الظابط الكبير وتصوره كأبيه الحقيقى، كأبيه الحقيقى لدرجة حتى انه فى بعض الاحيان يجد بعض التشابه الفيزيائى فى الشكل وخلافه فى حين ان هذا غير حقيقى على ارض الواقع، ولكننا هنا بالطبع نتحدث عن لا شعور نفسى، وقد تدخلت العقدة الأوديبية هنا لتحسم الصراع الا انه فى اللحظة الأخيرة عاد الى الخلف وبقى الأمر مجرد أمنية.. الاضاءة تنتقل الى الظابط الشاب لا يتكلم، يأمر الجنود بعمل ساتر يقيهم الضرب الخارجى، يقف الجنود حائلا دون وصول الحجارة اليهم يجلس الضابط الشاب على ركبته
صوت : لماذا تضع يدك على مسدسك؟
الظابط الشاب:اتحسسه فقط واطمئن الى وجوده يحمينى و
: و.. ماذا ؟
يسحب الضابط الشاب المسدس فى هدوء وبيد مرتعشة يضع فوهته على رأس الضابط الكبير المغشى عليه ويضغط الزناد، يقوم الضابط الصغير بهدوء ويلقى الأوامر الى المجندين للانتقام من قتلة الأب / اللواء.
الابن هنا طبقا للاوديب يود التخلص من الاب والاستحواذ على الأم/ السلطة، والأب قاس جدا صارم للغاية وكذا كانت السلطة الامنية القمعية دوما تمارس هذا الضغط على المجندين والضباط فتتحول طاقة الغضب المكبوتة فى محاولة انتقامية ممن كسر البارنويا وقام باذلال الجهاز فى وصمة لا يمحوها الزمن ويبدأ العنف المباشر والمبالغ فيه، وايضا هذا الكبت الادويبى تجاه القيادات التى استحوذت على كل المزايا يجعل هناك رغبة دفينة لتدمير الاب لا اقول تواطؤ البعض من الافراد والمجندين وصغار الضباط من اجل احداث الانهيار فى 28 يناير لان الامر يحتاج الى ادلة مادية للاثبات الا انه على الاقل بقى قائم على المستوى النفسى اللاشعورى ويبقى مستترا خلف عقدة الخصاء / الاذى النفسى الاوديبية الشهيرة وهى «تعظيم سلام».

[email protected]