الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«الجامع الياسر» يرصد عالم تزييف وسرقات اللوحات الفنية




 كتبت : سوزى شكرى
عن دار النهضة العربية صدر مؤخرا الجزء الأول من موسوعة «الجامع  اليـاســر فى حق المؤلـف وقانـون سـوق الفـن فى مصـر وفرنسـا» للكاتب والباحث ياسـر عمر أمين وهى أول موسوعة تختص بارساء قانون لسوق الفن التشكيلى فى الشرق الاوسط على غرار قانون الغش فى المجال الفنى فى فرنسا، بدأها الباحث بذكر أسباب اصداره هذه الموسوعة وبحسب قوله : «عندما كنت طالباً فى كلية الحقوق (الشعبة الفرنسية) بجامعه عين شمس حلمت فى ايجاد حلقة للوصل بين الفن والقانون، وحين اقتربت من عالم الفن التشكيلى تمنيت ان تتسنى لى الفرصة لإخراج مرجع علمى عملى ذى صبغة عالمية، كما إننى أحسست بوجود فراغ بالمكتبة العربية فيما يختص بالفن والقانون، خاصة مع عدم وجود تشريع بالقانون فيما يخص معاقبة المزورين، وشد انتباهى التحقيقات الصحفية والمقالات التى تفتح ملفات السرقات والتى من المؤسف تسجل كلها ضد مجهول، وحين نشر مقال عن العثور على «خبيئة فى متحف الحضارة» وهما 350 لوحة أثارنى هذا الخبر جدًا وأكد لى أن الجهة المنوطة بالتوثيق غير موجوده، وهذه جريمة تضاف إلى جريمة التزوير والسرقة، وجريمة الإهمال فى حق الفن لا تليق بدولة مبدعة للفن مثل مصر، لذلك أقدم بحثى لكل مهنى يتعامل مع الأعمال الفنية، وكل مغامر فى سوق الفن وكل عاشقٍ للفنون الجميلة».
طرح البحث عدة تساؤلات عن الفن التشكيلى والقانون وهل هناك علاقة بينهما، خاصة منذ أن أصبح للفن اسواق عالمية فى منطقه الشرق الأوسط، وذلك بعد افتتاح دار كريستين للمزادات العالمية فرعا لها فى دبى عام 2006 ثم تمركزت دار سوثبى عام 2009 فى الدوحه والتى تعد المنافس الرئيسى لها، وهنا رسخت المنطقة العربية كسوق حقيقى للفن التشكيلى تستقطب اهم مقتنى للأعمال الفنية فى العالم العربى بل والعالم أجمع .. والبحث يطرح عدة تساؤلات منها مثلا: من أين تأتى الأعمال الفنية لتعرض فى المزدادات؟ وكيف يتم بيعها؟ وهل الأعمال موثقة ومسجلة فى كتالوجات صحيحة؟ وهل الأعمال الفنية التشكيلية او المنحوتات المعروضة أصلية أم مقلدة؟  ومن الذى يمكنه الحسم والتقييم بين العمل الفنى المقلد وبين العمل الفنى الأصلى؟ خصوصا بعد ظهور نماذج أخرى من بعض اعمال الفنان محمود سعيد وغيره التى أجمع النقاد على انه من الصعب ان يرسم الفنان اللوحة مرتين.
 ربما تضيع الحقائق لعدم وجود ما يثبت عكسها، لذلك يصبح للفن قانون، وان التطور المتزايد لقاعات المزادات فى بيع الاعمال يجعلنا نسعى لإرساء أسس قوية لقانون يحكم وينظم السوق ولكن قبل القانون لابد ان نكمل الحلقات الناقصة لحماية حقوق الفنان والفنانين وتوثيق الاعمال، وهذه الموسوعة تلقى الضوء على القواعد والعادات والتقاليد والمصطلحات العلمية المهمة الخاصة بسوق الفن وبالمزادات العالمية التى يراعيها المتعاملون من تجار اللوحات والمقتنين فى شراء الأعمال الفنية تلك التى ترسخت مع الممارسات العملية.
عرض الباحث الممارسات العملية لدار المزادات العالمية الإنجليزية منها والفرنسية التى تقام فى المنطقة العربية، وشروط معايير تقدير قيمة وصحة الاعمال الفنية، وكذلك شروط البيع الواردة فى كتالوجات دار المزادات، ومدى أهمية كتالوج البيع فى المزادات لبيع الأعمال الفنية بل الأدوات التى تساعد كل مغامر فى سوق الفن العربى والدولى على ضمان صحة العمل الفنى وتأثيرها الكبير على سوق الفن، لاسيما الكتالوجات والشهادات الخاصة بتوثيق الأعمال واللوحات الفنية هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى يعالج الجزء الأول من الموسوعة النظام القانونى للأعمال الفنية بمختلف شعبها وبجميع أنواعها وتفريعاتها، سواء كانت مصنفاتٍ للفنون الجميلة أو للفن المعاصر، وذلك فى إطار دراسة تحليلية شاملة، يقدم المؤلف من خلالها تحليلاً مفصلاً مبنياً على نهج متعددة التخصصات والمجالات فى إطار القانون المدنى وقانون حق المؤلف محاولاً بذلك فتح آفاق الحوار بين القانون وبين المجالات الأخرى كالفن والفلسفة وعلم الاجتماع والتحليل النفسى.
استندت الموسوعة على مجموعة من المصادر والمراجع من بينها التحقيقات الصحفية التى نشرتها جريدة روز اليوسف اليومية على مدى سنوات طويلة فيما يخص سرقات اللوحات الفنية، وقضية الهجرة غير الشرعية للأعمال الرواد بالأخص لوحات الفنان محمود سعيد، وقضايا تزييف وتقليد الأعمال الفنية، كما طرحنا قضية عدم وجود كتالوجات لتوثيق للأعمال الفنية خصوصا اعمال الرواد والتى تتعرض للتقليد،  والتى بين الحين والحين نراها معروضة للبيع فى مزادات عالمية بأرقام خيالية.
وقد تناول الباحث ما قدمه المشرع الفرنسى فيما يختص تحديد المصطلحات والتى يشيع استخدامها خلال بيع الاعمال الفنية وذلك لتامين واستقرار المعاملات فإصدار مرسوم لتتنظيم المسألة يعرف باسم « مرسوم ماركوس رقم 255-81 فى 3 مارس 1981 الخاص بمعاقبة التزوير فى معاملات الأعمال الفنية والمقتنيات والذى قد تم تعديله بالمرسوم 650-2001 فى 19 يوليو 2001والذى قنن الممارسات المهنية حيث حدد هذا  المرسوم معنى غالبية الصيغ المستخدمة للممارسات العملية لدار المزادات العالمية الإنجليزية منها والفرنسي، فمثلا فى نسخ وصب التماثيل البرونزية لابد من تحديد مفهوم «البرونز الاصلى» الأعمال النحتية قد يصب منها اكثر من نسخة والتساؤل كم عدد النسخ التى يصرح بها وتظل القطعة تحمل لقب أصلية»، المشروع الفرنسى لم يترك الباب مفتوح لانتاج اعمال فنية بكميات غير محدودة الى ما لا نهاية، وهل من حق ورثه الفنان أو المؤسسات الثقافية والفرنسية صبها وتسويقها،وذلك من أجل حماية الفنانين والمتعاملين فى سوق الفن، فرض المشرع الفرنسى ان العمل الفنى التماثيل البرونزية يعتبر أصيلاً ويسمح بصبه حتى ثمانى نسخ فقط، وطبق هذا التشريع فى القضية المشهورة باسم «برونز رودان»  فى 18 مارس 1986 .
ويلفت المرجع إلى أنه لدينا فى مصر مشكلة بنسخ التماثيل بحسب ما ذكره الدكتور « صبحى الشارونى « فى كتابه» أشهر سرقات المتاحف «حيث لاحظ «الشارونى»  وجود نسخ مسبوكة من البرونز للتماثيل الصغيرة التى أبدعها محمود مختار وعند فحصها تبين انها نسخ صبها على الاصول الرخامية والبرونزية وتم عمل قوالب  ولم نعرف المسبك الذى انتجها» .
وفى هذا الشأن طرح الباحث  تساؤلا عن موقف إدارة  الملكية الفكرية بقطاع الفنون التشكيلية من التفرقة بين الاعمال الفريدة والأعمال ذات الطبعة المحدودة عند تسجيل التماثيل البرونزية تسجيل النموذج أو القالب من الجبس تم النسخ المصوبة والنسخ التى تتخذ من هذا القالب فهل هناك تسجيل لهذه النسخ بحيث ينبغى  ذكر عدد التماثيل وهل العدد يسرى على التمثال المسجل فقط أم باقى القوالب.
أما بالنسبة لحماية الفنانين المصريين ومواجهة تزييف الأعمال الفنية نتساءل لماذا لا تبادر السلطات المسئولة بإصدار قانوناً على غرار «مرسوم ماركوس» الفرنسى مادة 9 فى عام 3 مارس 1981 الذى ينظم ويضع الضوابط القانونية لنسخ الأعمال الفنية الأصلية حيث ينص على منع الغش فى مجال معاملات الاعمال الفنية فكل نسخة مطابقة للأصل أو نسخ مأخوذة من قالب آخر او نسخ copy نسخت من غيرها، أو أى نسخ لعمل أصلى فى معنى ماده الماده 71 التى نصت على أنه يجب أن تحمل النسخة اشارة «نسخة»، لذا طرح الكاتب قضايا تزوير لوحات الفنانين فى مصر وان المادة 350 قانون العقوبات المصرى يعاقب بالغرامة كل من يقلد اعمالاً فنية ولكن هذه المادة ألغيت بموجب قانون 354 بحماية حق المؤلف ثم بعد صدور قانون رقم 82 لسنة 2002 الخاص بحماية الحقوق الملكية الفكرية والتى نصت على يعاقب بالحبس مده لاتقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن 5000 جنية ولا تجاوز 10000 ألف جنيه او يعاقب بإحدى العقوبتين، ولكن المشكله فى مصر تكمن فى انه بعد أن يكتشف المقتنى المصرى انه اشترى لوحة مزورة بدلا الإعلان عنها وفضح التاجر الذى باعها يحاول التخلص منها ببيعها لشخص آخر، وبالتالى تتنقل اللوحة إلى مجموعة اشخاص كييرين وتضيع المسئولية على المصدر، وهنا ذكر الكاتب اشهر قضية فى مصر لسنه 2005 وهى جريمة التزوير التى وقعت ضحيتها السيده مى معين وشراء اعمال من السيده عايدة أيوب على انها أعمال أصلية، وسجلت القضية فى القضاء انها «نصب واحتيال» وذلك لانه لايوجد نص قانونى لعقوبة تخص التزوير الاعمال الفنية، وقد سجلت النيابه الواقعه على انها جنحه نصب واحتيال، فى هذة القضية اكبر دليل على عدم وجود كتالوج التوثيق لاعمال الفنانين.
وذكر المؤلف أنه من خلال البحث تبين ان قاعات المزدادت «كريستن وسوثبى» تعتمد على بعض الكتاوجات المهمه منها كتالوج لوحات محمود سعيد التى وثق فيها الفنان التشكيلى عصمت دواستاشى 400 لوحة، وكتالوج «متحف فى كتاب» الذى وثق فيه الناقد صبحى الشارونى 370 عملاً من مقتنيات الدكتور محمد سعيد الفارسى.
يقدم الكاتب اقتراحات عديدة وتوصيات منها ضرورة إنشاء لجنة او جهة ضمن لجان نقابة الفنانين التشكيليين أو قطاع الفنون التشكيلية مختصة بإصدار شهادات توثيق صحة الأعمال الفنية حفاظاً على الفن التشكيلى المصرى، لأننا عجرنا عن متابعة السرقات والعمل على إيقافها مثل لوحات الفنان حامد نجا التى سرقت من دار الأوبرا حيث لم يكن لدى الاوبرا او اى جهة اخرى ايه صور للوحات المسروقه ورغم عودتها إلا أننا لا نراها، نفتقد تسجيل وتوثيق اللوحات ولا نعرف متى خرجت اللوحات إلا حين نفاجأ بها معروضة للبيع فى المزادات.
لذلك يرى المؤلف أن للكتالوج قيمة فنية كأرشيف للاعمال وتاريخ العمل الفنى وتاريخ الفنان، وليس فقط الكتالوج الورقى إنما الكتالوج الرقمى على المواقع والتى تتواجد بالفعل لأشهر الفنانين منها بيكاسو وسيزان إخوان ميرو وسلفادور وجياكومتى وغيرهم، وان للكتالوج تأثير الرادع لكل من تسول له نفسة الاتجار فى مجال التزيف ونطالب بإصدار قانون للحد من تزوير الاعمال الفنية فى مصر، وأكد المؤلف أنه على كل مشترى او مقتنى ان يراعى الصفات الجوهرية للعمل الفنى وهى مؤلف العمل الفنى، التوقيع، الاقدمية، الخصائص المادية للعمل الفنى، سلامه التكامل المادى للعمل الفنى، وان هذا الوضع البائس والاهمال يرجع الى ان المسئولين فى وزارة الثقافة، أما انها تهتم أو تشكل مؤسسه أو جمعية أو حتى هيئة من الخبراء وورثة الفنانين فى إطار اللجان الفنية يكون شاغلها الشاغل العمل على توثيق الاعمال الفنية لمختلف الرواد من خلال كتالوج يكون بمثابة مرجعية فنية وقانونية، ولماذا لم تصدر وزارة الثقافة المصرية على مدى عمرها كتاب موثق عن اللوحات الفنية نرجع اليها عند التشكيك، ولا يوجد توثيق للمتاحف التى تبين ان الأغلبية مغلقة، وبذلك عملية التوثيق مشوة  ناقصة وهى الحلقة المفقودة فى كل قضايا التزوير.
كما قدم الكاتب بالموسوعه قضايا الفنون المعاصرة  البوب ارت والأداء الحركى وفن الحدث وفنون الفيديو ارت  وفن الأرض والفن المفاهيمى وفن الكولاج وفن الجسد  والمصنفات الفوتوغرافية، والآثار المصرية ومنع نسخها، وقارن هذه المصنفات بما قدمه القانون الفرنسى لحماية هذه الفنون.