الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كيف لبلد يملك نصف آثار العالم وتراثه أن يكون فقيرا؟




بقلم: د. زين عبد الهادي


سأترك الروحانيات هذا الأسبوع لأتحدث فى أمر أعتقد أنه فى غاية الأهمية لمصر وأعنى به حال الثقافة المصرية، فهو لا يسر عدوا أو حبيبا، الثقافة «صداع مزمن» لأن مشاكلها متعددة ومتشعبة ومزمنة وتمتلئ بالحفر والمطبات.
نحن فى وقت أحوج ما نكون فيه إلى الارتفاع بقيمة الثقافة فى المجتمع، ولكى نتقدم على محورى الثقافة والاقتصاد يجب أن ننظر للثقافة كمورد اقتصادى وفكري، وهنا لابد للثقافة من استراتيجية، هذه الاستراتيجية تتكون من عناصر خمسة، العنصر الأول هو أن الثقافة فى مصر إن لم تقترب فى استراتيجياتها وأفكارها من مصاف العالمية فلن يكون لها تأثير يذكر، والأمر الثانى هو التأكيد على مفهوم ديمقراطية الثقافة، والأمر الثالث هو العلاقة المفقودة بين التعليم والثقافة فى مصر فى ظل أزمة أفرزت مجتمعا خليطا من التطرف والجهل، والأمر الرابع هو مسألة دعم المثقفين، وأخيرا مسألة اقتصاد وصناعة الثقافة.
إن عالمية الثقافة كمبدأ استراتيجى للرئيس الجديد تعنى أن مصر كأمة تمتلك تنوعًا ثقافيًا فريدًا، هذا التنوع يجب تأصيله وتوثيقه وربطه بالثقافات الأخرى العالمية وهو ما سيساعد على الاندماج مصريًا فى الاتجاهات الفكرية والثقافية العالمية بكل سهولة مما يؤهل المجتمع لركوب التيار الحضارى فكرًا وعملاً.
الأمر الثانى: هو التأكيد على مفاهيم ديمقراطية الثقافة، فالثقافة تحتاج إلى بيئة من الحرية والتسامح، تحتاج إلى قوانين لا تجرم المثقف أو الفنان وإنما تتوسع فى حرية المبدع ليمارس إبداعه، فواحدة من أهم أسباب تخلفنا هو التزمت الفكرى وغياب المشرع المتمسك بمفهوم الحرية، وغياب المسئول الذى يعرف جيدًا مفهوم الديمقراطية ومعناها الحقيقي، والديمقراطية تعنى فى جوهرها حق الاختيار الشخصى، وعلى سبيل المثال فلن يكون كرم صابر آخر ضحايا التزمت والرجعية الفكرية.
الأمر الثالث: فهو كيف نقود ببناء علاقة ثرية بين الثقافة من جهة والتعليم من جهة، فغياب الثقافة أو قل عشوائيتها، أتت لنا بثقافة العشوائيات، وفوضى الشارع أنتجت لنا ثقافة الفوضى، والعقلية الأمنية المستمرة أنتجت لنا ثقافة الأمن فى كل مؤسسة، ولو كانت المسألة تدار بعقلية مدنية متحررة فى مصر، لكانت مصر عبرت منذ أربعين عاما أزماتها الفكرية والاقتصادية والأمنية، ولكان القانون هو السيد، إنما ترك الدولة للمتطرفين والفاسدين لإدارة المنظومة التعليمية هو الذى فعل بنا ذلك، ويأتى فساد وزارة الثقافة فى النهاية ليؤدى بنا فى نهاية الطريق إلى ثقافة الفساد، والأمر يحتاج لعلاجات مؤسسية، منها إعادة بناء العلاقة مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، وإعادة النظر فى منظومة القوانين المصرية الداعمة للثقافة، فلم ينصف الدستور الثقافة المصرية، وإصرارنا على أن الثقافة مجرد حلية للمشهد فى مصر، سيؤدى بنا فى النهاية إلى نفس النتائج التى انتهينا فيها بعد أربعين عاما إلى نفس الموقف الذى نحن فيه، كما تحتاج الثقافة نفسها إلى إعادة هيكلة، إلى إعادة هيكلة صناعة الثقافة، وهيكلة وزارة الثقافة نفسها.
الأمر الرابع: وهو التخلص من حظيرة الثقافة والبدء فى دعم المثقفين المبدعين وعدم النظر إليهم تلك النظرة المتدنية من قبل أجهزة الدولة، فحماية المبدع يمكن أن تقدم لمصر الكثير من الأفكار الثقافية والفنية والأدبية، ويمكن أن ترفع اسم مصر عاليا بين دول العالم.
الأمر الأخير: هو اقتصاد الثقافة، فهذا الكنز الاستراتيجى من نصف آثار العالم كان يجب أن يمثل مع الوقت جزءًا ليس بالقليل من اقتصاد مصر، إن لم يكن ثلثه، لكن التعامل مع هذا الأمر تم باستهانة مطلقة بقيمة ما نملكه، إذ كيف لبلد تملك نصف ثروات العالم الثقافية لا تكون أغنى دولة فى العالم، أظن أن هذه العناصر هى التى ستعيد تشكيل الثقافة فى الوجدان المصرى وتمثل منطلقا لاقتصاد قوى تمثل الثقافة احد عناصره الرئيسية.
كاتب وروائى مصرى