الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حرية الإبداع.. وهم تاريخى




بقلم: د. حسين محمود


كتاب جديد نشر فى لندن، وترجم إلى معظم اللغات الأوروبية، ولم يترجم بالطبع إلى العربية، وكانت النسخة الإنجليزية بعنوان «السجن الذى أعيش فيه» وكان عنوانه بالإيطالية «كتاب من السجون»، وهو من إعداد الرابطة الدولية للشعراء والنقاد والروائيين هى PEN، عبارة عن مختارات من نصوص كتبها مؤلفوها فى السجن، وقدم لها يوسف برودسكي.
الكتاب يحصى ما يزيد على 900 كاتب أو شاعر حول العالم نزلاء فى السجون، وتتولى هذه الرابطة الدفاع عنهم. أسوأ الدول التى تعانى من تقييد حرية الفكر والإبداع الصين وروسيا والمكسيك. فى مصر أيضا كتاب وشعراء فى السجن أو مهددون بالسجن بسبب ما كتبوه.
السؤال الذى واجهته ذات مرة من زميلة صحفية هو: «هل اختلفت حرية الإبداع من زمن مبارك إلى زمن مرسى وهل تختلف مع زمن السيسى القادم؟».
الكتاب يرد على هذه السؤال. فليس هناك، فى مختلف مراحل التاريخ، وفى جميع بلاد العالم، حرية مطلقة للإبداع، فهذا وهم تاريخي، فلم تكن هناك على الإطلاق أى فترة زمنية متصلة أو منطقة جغرافية متماسكة من العالم كانت حرية الإبداع فيها مضمونة مائة بالمائة. الأكثر تفاؤلا يتحدثون عن هامش للإبداع يتسع ويتقلص حسب الحاجة.
المبدعون هم فى نهاية الأمر مثل حاملات الطائرات، ولكن يحملون كلمات بدلا من الطائرات، وهذه الكلمات، إذا حسن استخدامها، تبعث على التفكير، ومن ثم تبعث على العمل والتأثير. ومن هنا تصبح مثل السلاح، لها قوة تدميرية هائلة، أى أن لها سلطة. تلك السلطة التى يمارسها الإبداع تقف أمام سلطة السياسة، وكلما زاد استبداد السلطة السياسية زادت مقاومتها للإبداع. وهكذا يتراوح هامش الإبداع صعودا وهبوطا بالتناسب مع حالة الديمقراطية. ولهذا نرى دائما أن الفترة الأولى من الحكم فى أى نظام تكون فترة تسامح يتسع فيها هامش الحرية. وكلما زادت مدة بقاء الحاكم على كرسى العرش كلما زاد تسلطه واستبداده، وقل هامش حرية الإبداع.
وفى التطبيق سوف تجد أن عبدالناصر كان يقبل بحرية الإبداع فى البداية ثم سرعان ما ضاق بها وخاصة فى فترات الحروب، وكانت الحروب التى خاضها كثيرا. وبدا السادات عهده بالتسامح الشديد مع حرية الإبداع، وانتهى بوضع صفوة المجتمع فى السجون، ومنهم كتاب وشعراء ونقاد وصحفيون. ومع طول فترة بقاء مبارك فى السلطة، وتحوله إلى التسلط والاستبداد، رأينا فى النهاية كيف كان يزدرى المبدعين.
بعد ثورة يناير لم يعد ذلك ممكنا، لأن الإشكالية لن تتمثل فى هامش حرية الإبداع، وإنما فى إمكانية أن يبقى رئيس فى سلطته فوق مدته المقررة دستورا، وفى ذلك مانع له من أن يتحول إلى الاستبداد، ومن ثم من تقليل هامش حرية الإبداع ومطاردة المبدعين، خاصة إذا حدث تغير محسوس فى التعامل البوليسى تجاه الفكر والأدب، وخاصة بعد انفجار الإحساس فجأة فى الأوساط الثقافية المصرية بأننا كلنا «مراقبون».
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]