الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكنيسة وصراعات الدول




على مدار عقود كثيرة سيطرة حقبة «باباوت الحرب» على الكثير من الايديولوجيات التاريخية لشعوب عديدة، فصارت الكنيسة رمزاً لتأجيج نزعة الحرب بين الدول، وخصوصاً كنيسة الغرب.. يزخر التاريخ الحديث بمواقف شجاعة قام بها باباوات الكنيسة فى الشرق والغرب غيرت مسار الشعوب وأبطلت فتيل الحروب الوشيكة، حتى السقطات التى نسبت لبعض باباوات العصور الوسطى لكنيسة الغرب فقد اعترف بها بكل شجاعة البابا القديس يوحنا بولس الثانى عام 2000 وقدم عنها اعتذاراً لكل الأمم.
وفى مصرنا العظيمة ظهر تأثير باباوات الكنيسة على المعترك المجتمعى بشكل ملحوظ، ففى فترة الستينيات بزغ نجم البابا كيرلس السادس ومكانته لدى الزعيم جمال عبد الناصر، كانا قطبين عظيمين فى مصر أحدهما زعيم سياسى والآخر زعيم روحى، التقيا على طريق واحد ألا وهو إسعاد كل فرد من أبناء الوطن، فسارت علاقتهما ومحبتهما واحترامهما لبعضهما محل إعجاب، حتى قالت إذاعة صوت أمريكا يوم نياحة البابا كيرلس: «لقد توفى الصديق الوفى لعبدالناصر»، وهو الأمر الذى عبر عنه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه «خريف الغضب» بقوله: «كانت العلاقات بين جمال عبدالناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة، وكان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروفًا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبدالناصر فى أى وقت يشاء».
فى الستينيات كانت هناك محاولات للوقيعة بين عبدالناصر والبابا كيرلس السادس بنشر خطاب مزور أرسله البابا كيرلس إلى بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل يستعطفه فيه بتسهيل تحصيل ما يخص الأقباط من إيرادات شهرية فى القدس! ويدعو البابا كيرلس لـ«بن جوريون» بالنصر وبأن يشتت من يقف فى طريقهم، وأن يكون مصيره الغرق فى البحر الأحمر. وقد أصاب البابا دهشة شديدة لما حدث وقدم بلاغًا للنائب العام حيث تم التحقيق ومعرفة صاحب هذه الوقيعة، ومع نكسة 67 واعلان ناصر تنحيه عن الرئاسة ذهب البابا كيرلس اليه فى وقت لم يكن فيه أى مقابلات الا انه أصر على اللقاء وبالفعل تم هذا وأخذ وعدًا منه بالرجوع الى سدة الحكم.
وها هو البابا الراحل شنودة الثالث يحمل حب مصر بقوله «مصر وطن يعيش فينا وليست وطنا نعيش فيه» وعندما وقعت أحداث وجرائم طائفية ضد مسيحيى مصر على اثرها تقدمت العديد من الدول الغربية وأمريكية باقتراح التدخل العسكرى فى مصر، فرفض هذا التدخل نهائياً فى عبارته الشهيرة «اذا كان ثمن انقاذ الاقباط هو التدخل العسكرى، إذن فليمت الاقباط ولتحيا مصر».
تمضى الكنيسة المصرية فى سبيلها الوطنى حين رأينا قداسة البابا تواضروس الثانى يقف جنباً الى جنب مع جميع القوى السياسية والوطنية فى 3 يوليو مناصراً رغبة شعب مصر الباسل فى رفضه لحكم الاخوان ومؤازراً لثورة «30 يونيو 2013» حين قال قداسته «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة وطنية حتى النخاع وتاريخها المجيد على مدار عشرين قرنا يشهد بذلك، فهى المؤسسة المصرية الوحيدة التى لم تحتل على مدار القرون بل بقيت وطنية خالصة، مهما تغيرت الأجواء ومهما تغير الحكام وتعاقبت الأجيال».


بقلم مارى السمين
باحثة إعلامية