الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الأذان.. صوت السماء من صنع البشر




كتب : محمد الدويك

عندما ذهب المسلمون إلى المدينة بعد 13 سنة من البعثة كانت الصلاة تشريعا جديدا عليهم لم يفرض إلا منذ وقت قليل.. وكانوا يجتمعون فى المسجد دون نداء. فلم يعرفوا الأذان بعد.. فى البداية اقترح بعضهم بوقا كبوق اليهود. لكن الرسول كره شكله.. واقترح بعضهم جرسا كأجراس الكنائس. فأمر الرسول به فأعدوه وصنعوا القوائم التى تحمله.
يترك البشر يتبادلون الرأى ووجهات النظر فى شأن خطير تعبدى مثل الصلاة. ولا ينتظر كل شىء من حلول سماوية.
لم يجد الرسول حرجا أن يسترشد بدور عبادة الأديان المجاورة ويأخذ منها الخير الذى يلائم دينه ودار عبادته.. بعث الله له الصلاة من دون أذان فذهب يلتمس عندهم الخبرة والتجربة فى جمع الناس للصلاة. فإن كانت العبادة أمرا دينيا فاجتماع الناس أمر دنيوي. ولا بأس بالاستعانة بالديانات الأخرى للتعلم منها.
إنه رسول الله. الذى يخاطب السماء وينزل له الوحي.. لكنه يكرس للتشريع الإنسانى الذى يتداخل مع التشريع السماوى فى وحدة واحدة حتى تتم العبادة.. كأن المقصود أنه حتى فى شئون العبادة ذات الطبيعة الخاصة لا بأس من تدخل البشر باقتراحات وابداعات وإضافات جيدة تكمل بهاء المشهد الكلي.
إنه رجل متفتح مستنير يعطى للناس حقهم فى الابداع والمشاركة. فالأذان ليس تشريعا سماويا على قدر ما هو اختيار بشري.. لم يأت به جبريل ولكنه رآه أحدهم فى نومه ووجده الرسول جيدا.. دون أن يرجع للسماء أو يستشير الوحي.
لم يكن دينا جامدا غشوما قمعيا. على قدر ما شارك الناس لإكمال ما سكت عنه الوحي. عن رضا واختيار وحب.
ورغم أنه دين ناشئ يحتاج إلى خصوصية فى أحكامه وعبادته، وهذا عدل، إلا أنه يقتبس من دار عبادة النصارى «المسيحيين» طريقة جمع الناس. لتشترك المساجد والكنائس فى نداء واحد.
لذلك تجد حديثا فى البخارى عن ابن عباس أنه قال (كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه).
لم يأت بالقطيعة والخصومة والعداء. ولكن بالتواصل والتعايش والاحترام.. بل التواضع.. لايجد حرجا أن يقلدهم ويأخذ عنهم ولو جزئيا فيما لا يتنافى مع عقيدته. إلا أن أحد الصحابة رأى فى نومه كلمات الأذان، فذهب للرسول وعرضه عليه، فأعجبه الكلام وقال إنه لحق.. وكان ذلك بداية نداء الأذان فى الإسلام. ليس عن طريق الوحى الذى ينزل على الرسول ولكن عن طريق رجل عادى من جموع الناس.
تخيل لو اكتمل الأمر وصارت الأجراس داخل المساجد هى النداء الذى يجمع المسلمين للصلاة.. وتدق أجراس المدائن، جرسا واحدا يعبر عن شعيرة دينين.. ويتساءل الناس، مسجد هذا أم كنيسة..؟. لأن الصوت واحد. والهدف واحد. عبادة إله واحد.
والقرآن أكد هذه الفكرة. إله واحد نعبده ويعبدوه (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ. وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِى أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) يعنى ربنا هو من أمرنا أن نقول إلهنا وإلهكم واحد.. اعترض على ربنا بأه..!
بعضهم للأسف لا يعبد الله. لكنه يعبد ما داخله من كراهية وغلظة.
-السيرة النبوية لابن هشام.. رواه ابن اسحاق وأبو داوود وصححه الألباني
كاتب فى الفكر الإسلامي