الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

تدمير الماضى من أجل المستقبل




كتب :  د. حسين محمود

إذا اخترت المستقبل فعليك أن تدمر الماضي. هذا هو ملخص رؤية المدرسة المستقبلية التى ظهرت عام 1911 بواسطة شاعر إيطالى ولد وعاش بمصر قبل أن يعود إلى أوروبا، وهى المدرسة التى فتحت الباب أمام الاتجاهات التجريبية المعاصرة فى الفنون والآداب، مثل الدادية والتكعيبية وغيرها.
من الطبيعى أن تثير هذه الدعوة الكثير من التحفظات، بل الاعتراضات، والتى وصلت إلى حد الخناقات والتشابك بالأيدى بينه وبين معارضيه، ولكن الفكرة فى النهاية نجحت فى فتح أبواب المستقبل على مصاريعها، دون أن يؤدى ذلك إلى «القضاء على ضوء القمر» كما دعا مارينيتى ساخرا من الرؤية الرومانتيكية لمفكرى ما بين الحربين الأولى والثانية.
ومنذ ذلك الحين أصبح الماضى من المثالب التى تدين الماضويين. وربما كان هذا هو النقد الأقوى الذى يمكن أن يوجه إلى السلفيين، الذين يودون قتل المستقبل من أجل الحياة فى الماضى، بكل ما تحمله هذه الدعوة الماضوية من تناقض رفض التقدم والعيش فى ظله والاستفادة من منتجاته.
أقول هذا الكلام لمن يتحدث عن الماضى وعودته، وإمكانية أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وهو أمر مستحيل فى ظل الحقيقة الطبيعية بأن الزمن يمضى إلى الأمام فى اتجاه واحد، أو كما تقول الست أم كلثوم «عايزنا نرجع زى زمان، قل للزمان ارجع يا زمان»، وهى مقولة تشبه ما قاله الشاعر جرير لخصمه «زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا، أبشر بطول سلامة يا مربع»، فعودة الزمن للوراء، كما هو الحال فى إمكانية أن يقتل الفرزدق عدوه الذى يحمل اسم «مربع»، هما من رابع المستحيلات.
إنك إذا أردت أن يتحقق المستحيل فأنت كمن يريد أن يحارب طواحين الهواء، مثل دون كيشوت. لن يعود الماضى مهما احتلت على ذلك بكل حيل الدنيا، وحاربت المستقبل بكل أسلحة العالم، فسلاح المستقبل دائما أقوى، وفتوة الشباب سوف تهزم فى النهاية وهن الشيخوخة.
إذا أردنا المستقبل نورا يضيء دروب أبنائنا فى المستقبل، فلنثق أن شعاعا واحدا كافيا بأن يهتك عرض الظلام، وإذا كنا لم نتصور أن التنوير يكفى لإنهاء التخلف وظلمه وظلامه فإننا نحكم بأن يستمر هؤلاء التعساء فى إطفاء كل شمعة يمكن أن تنير المستقبل، ولن يكون ذلك إلا فى صالح الماضى والماضويين.
فهل نقول مع مارينيتي: لندمر الماضى ونقضى على ضوء القمر.
أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]