الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سماح صادق: تجاوزت خوفى فى كندا ومارست حياتى بعيداً عن القهر




 «ترانس كندا» هى الطريق من الثقافة الشرقية بتقاليدها للثقافة الغربية بصخبها


لكل تجربة جديدة معالم وملامح مختلفة التأثير على أصحابها بحسب إحساسهم بتلك التجربة وتختلف طرق التعبير عنها من شخص لآخر بحسب خبراته الحياتية ورهافة مشاعره تجاهها أتحدث عن تجربة مختلفة للكاتبة سماح صادق التى حملت بين خلجاتها روحا خالصة المصرية، وبمجرد أن احتكت بالثقافة والحياة الكندية كشفت عن روايتها الجديدة «ترانس كندا» الذى يصف إحساسها وتفاعلها مع ذلك العالم المختلف عن عالمها الذى نشأت وترعرعت به، من خلال بطلة الأحداث التى تقرر مغادرة مصر إلى عالم واسع يتيح حرية التنوع والتجريب حد الازدواجية والتناقض.. عن الرواية واختلاف الواقع الثقافى والاجتماعى ووضع المرأة فيها المختلف عن وضعها الشرقى.. وغيرها من القضايا دار هذا الحوار:

 


■ هل تغير الوضع حاليا عما كان عليه وقت أحداث الرواية؟


- الحقيقة أن خط الزمن فى الرواية يبدأ بأحداث الاعتداء على الصحفيات على سلالم نقابة الصحفيين بعد استفتاء 2005.. حيث تتخذ البطلة قرار الهجرة.. وينتهى بالوقت الحالى.. لا أظن هناك فجوة أو تغير جذرى قد حدث خلال هذه الفترة بين الرواية وبين الواقع.. ربما فقط لم تتماس حياة البطلة مع احداث الثورة المصرية من قريب او بعيد، فهى كانت مشغولة بثورة أخرى تدور فى حياتها، تطور فيها علاقتها بالعالم وعلاقتها بجسدها.


■ هل اختلفت رؤيتك للحياة خارج مصر عما كان يجول فى خاطرك قبل السفر؟


- لم أكن أعرف عن كندا الكثير قبل السفر، وكنت قد قضيت عاما دراسيا كاملا فى شمال أمريكا، ولكن رؤيتى لكندا تغيرت من نظرة الطالب المبعوث إلى نظرة المهاجر، فالطالب مسئولياته بسيطة لا تتعدى التحصيل الدراسى وبعض الالتزامات الحياتية تجاه ذاته، أما الهجرة فهى مسألة معقدة، حياة كاملة، ووطن جديد، علاقات وصداقات، ومستقبل، وأوراق، وعمل، ودراسة، وأطفال، عالم كامل تبنيه، وتحاول أن تثبت جذورك به.


■ ماذا قدمت لك الهجرة من اختلاف فى الواقع الثقافى والاجتماعي، وكيف انعكس ذلك على كتابتك؟


- الهجرة منحتنى التنوع والحرية، وهاتين الفكرتين احببت ان تدور روايتى عنهما، التنوع داخل النفس البشرية الواحدة بين الصفات المختلفة والتى قد تصل لحد التناقض والازدواجية أحيانا، والتنوع بين افراد المجتمع الواحد، فتجد لكل مجموعة لغة أو ديانة أو ثقافة مختلفة ولكن يحترم كل فرد الاخر، تجد المعبد البوذى بجانب الكنيسة والمسجد، لا يفكر احد فى التعالى على الآخر او التحكم فيه، لان الجميع سواسية أمام الدولة.


أما الحرية.. كامرأة تنحدر من ثقافة شرقية عربية فكان لها أكبر تأثير على اختياراتى وحياتي، شعورى بحرية التصرف فى عملى وحركتى وملابسى وكل شيء، منحنى المزيد من الثقة، فتعلمت لغة ثالثة، ومارست العديد من الرياضات والانشطة التى لم افكر ابدا فى تخطى حاجز خوفى منها، كتبت عن مخاوفى وعقدى بحرية تامة، وانعكس هذا بشكل كبير فى رواية ترانس كندا.


■ احتوت الرواية على العديد من الهوامش.. هل كان ذلك تحسبا لتقديمها إلى القارئ غير المصرى أوغير العربي؟


- بالفعل عاب بعض القراء المصريين على الهوامش المعروفة بالنسبة لهم، ولكنى كنت بدأت نشاطاً عربيا هنا تحت اسم (حكايات عربية فى مونتريال) وهى صالون أدبى أسبوعى يجمع العديد من متحدثى اللغة العربية بغض النظر عن جنسيتهم، واثناء قرائتى للرواية لفت نظرى صديق سورى يتساءل عن «حى المعادي» على سبيل المثال، فبدأت فى وضع هوامش تحسبا للقارئ غير المصرى أو العربي، كما أننى أعمل الآن على ترجمة الرواية للإنجليزية والفرنسية، لتقديمها للقارئ الكندي.


■ هل يمكن القول أن ترانس كندا يبدأ من مكان ما فى القاهرة؟


- ترانس كندا هو مجازيا طريق يقطعه معظم البشر، من الشرق للغرب، ومن التخبط إلى الوصول للتوازن، من العالم القديم إلى العالم الجديد، ومن الثقافة الشرقية بكل تفاصيلها وتقاليدها إلى الثقافة الغربية بكل صخبها وحرياتها، نفس الطريق الذى قطعه المهاجر الكندى الأول ليتحرر من قيود الكنيسة فى العصور الوسطى ليحولها فى مونتريال إلى شقق سكنية ومستشفى وسبا.


■ كيف يمكن لـ«المخازن التى تحولت إلى بيوت» أن تقتل القدرة على الحياة؟


- ربما تقصدين العكس «البيوت التى تحولت لمخازن» هى ما قد تقتل القدرة على الحياة، والإنسان الذى تحول إلى آلة مع الوقت هو الانسان الذى سيجد أى بشرى حقيقى صعوبة فى التعامل معه.
وهذه هى أزمة الحضارة الغربية، ونقطة ضعفها أمام الحضارات الأخرى السابقة بكل تفاصيلها وجمالها، فعلى سبيل المثال: تحول المعمار فى شمال امريكا إلى مربعات اسمنتية لا أكثر أو أقل، ضاع معه رونق كل شيء، وفى الانشغال اليومى بالعمل تحولت البيوت لمخازن وتحول الفرد إلى ترس فى ماكينة ضخمة، وهنا تأتى أزمة المهاجر والتى تضعه دائما بين رحايا الحنين، بين حياة دافئة مليئة بالتفاصيل الانسانية الدقيقة، وبين حياة باردة كالأطعمة المعلبة.


■ كيف ترين الشعرة الرفيعة التى تفصل بين الكتابة الواقعية / الكتابة التقليدية؟


أنا لا أرى أى شعرة لأنى فى الحقيقة أكره التصنيفات والتسميات، الكتابة كتابة، واقعية، تقليدية، كلاسيكية، نسائية، ذكورية، كل هذه التصنيفات لا معنى لها بالنسبة لي، انا أعرف الكتابة، ورقة وقلم وفكرة، مثل الرسم والموسيقى، هناك العديد من الالوان، وهناك العديد من الاذواق فى المقابل، هناك كتابة ممتعة وهناك كتابة مملة، وهناك كتابة تعجبني، وهناك كتابة يقال عنها رائعة وقد تحصل على جوائز مرموقة ولكنى لا أحبها ولا أفهمها، أنا أعرف الكتابة التى تلمس قلبى وتأخذنى إلى عالم آخر.


■ هل قصدتى ترتيب المحطات فى «ترانس كندا».. تلك المحطات التى تحملنا كل منها إلى ركن جديد فى شخصية بطلة الرواية وعلاقتها بعالمها الجديد؟


- ترتيب المحطات هو الترتيب الواقع على الخريطة ولكنها كانت مفاجأة حلوة أن أجد مدينتى «ميريت» و»هوب» فى النهاية، لقد وضعت خطة لأقوم بنفس الرحلة فى الحقيقة ولكنى لم استطع سوى القيام بجزء منها، من أجل صقل الرواية، والحقيقة أن كندا ارض شاسعة، ومدنها قليلة، وكما ذكرت فى الرواية عدد سكانها قليل، فهى ليست بتنوع وحجم امريكا التى قد يكتب فيها مجلدات، ورحلة البطلة فى ذكرياتها هى نفسية فى الاساس وتميزت بالعشوائية فى الترتيب ولكنى أظن انها كانت واجبة قبل شروعها فى بدأ حياة جديدة.


■ هل يجب على الإنسان أن يقطع كل هذه المسافة كى يتمكن من رؤية نفسه؟


يقال «ان من لم يدخل بيتاً غير بيته، لا يعرف بيته أيضا» كيف يمكننا رؤية انفسنا لو لم نرى العالم ونكتشفه، كيف نعرف أن معتقدنا هو الأصح إن لم نقرأ معتقدات الآخرين ونفهم منطقهم، كيف يمكننا أن ندرك معنى الحرية ونحن نضع أنفسنا فى قيود المفروض واللازم والعيب، فى اعتقادى أن رحلة الانسان فى الحياة هى رحلة تعلم فى الاساس وانه قد يقطع مسافات اكبر واصعب ولن يتمكن من رؤية نفسه بالوضوح الكافي، ولكن العبرة ليست فى النهاية، ولكن فى تفاصيل الرحلة، وحواديت الطريق والصحبة، كل منا بطل فى رواية تخصه وحده، هو من يرسم أحداثها ويلونها كما يشاء، وقد يكتفى شخص برؤية نفسه جيدا فى مرآة غرفة نومه ويكتفى بذلك، وله أيضا مطلق الحرية فى اختياره.


■ ماذا أضاف تلك تجربتك الشعرية السابقة فى كتابة الرواية.. تحديدا على مستوى اللغة وبناء العلاقات والجرعة الشعورية؟


تجربتى الشعرية السابقة لم تكن تجربة قوية بشكل كاف على مستوى اللغة لانها كانت باللغة العامية، وهى تجربة أعتز بها كثيرا، ولكنى حرصت فى مستوى اللغة بهذه الرواية على البساطة والصدق.


لقد كنت أفكر دائما فى أخى الطالب فى الصف الثالث الثانوى (سياحة وفنادق) وهو يقرأها وكنت أتمنى ألا يجد أى صعوبة فى فهمها إن أكثرت من الصور والتعابير المعقدة والصعبة، كنت افكر ايضا فى الترجمة بعد ذلك فتعمدت السلاسة وعدم استخدام ألفاظ غير معروفة، انا أحب القراءة، ربما حتى أكثر من الكتابة، وأقرأ كثيرا جدا فى كل مستويات اللغة، ولكنى افضل عند الكتابة، أن أكتب بلغة بسيطة وجمل قصيرة وواضحة.