الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

97 عاما على ميلاد فارس الرومانسية




فارس الرومانسية.. وصاحب القلم الصادق.. يوسف السباعى غلف كتاباته بالطابع الرومانسي، فنجحت فى جذب صناع السينما ليحولوا معظم أعماله لأفلام سينمائية، أصبحت من كلاسيكيات السينما العربية، كما لم تخل كتاباته من الواقعية التى لجأ إليها كتاب الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى.
كل رواية حملت توقيع السباعى حملت معها جزءاً من حياته.. عاشه بكل تفاصيله وخلدته كلماته الناعمة وعباراته الرومانسية حتى فى أصعب المواقف التى قد تمر ببشر فى ظل ظروف اجتماعية مقيدة للقم وللإبداع وللفكر الجديد إلا أن أفكاره سبحت فى سماء الحرية والحب دون أغلال حديدية أو أسرية.

وهو ما كشفت عنه رواية «رد قلبى» التى سجلت تاريخه العاطفى وقصة حبه الخالدة لـ «أم بيسة» أو السيدة دولت طه السباعي.. ابنة عم يوسف وزوجته.. الأميرة «إنجى».. أو هى عايدة فى النصف الأول من رواية «إنى راحلة».. تزوجا بعد قصة حب طويلة بدأت منذ طفولتهما.. وكللت بالزواج بعد عناء باعتباره من الفرع الفقير لأسرة السباعى والفارق الاجتماعى بينه وبين عمه الباشا.. وبعد جهاد طويل وبمساعدة شقيقها وأمها تزوجا .. لينجبا «بيسة».
كان يطلق عليها يوسف «مخضوضة هانم» نظراً لخوفها الشديد عليه لدرجة أنها كانت تهرع إليه إذا وجدته واقفاً فى شرفة المنزل وتمسك بملابسه خوفاً من سقوطه! شيء آخر سببً لهذه التسمية هو أنها كانت ترفض تماماً سفره بالطائرة، وفى إحدى المرات سافر بدون أن يخبرها وعلمت بالخبر من الجرائد بعد عودته فانفجرت بالبكاء متسائلة : ماذا لو سقطت الطائرة!
فى إهداء إليها بإحدى كتبه يقول لها السباعى: «إلى احب من أوفى وأوفى من أحب».
رواية «رد قلبى» والتى بمجرد انتهائه منها شعر بأن عبئاً ثقيلاً قد انقض عن ظهره، شعر السباعى خلال كتابته لهذه الرواية بأنه يؤدى واجب فرضته عليه صفته العسكرية، فكان يراوده إحساس أنه الأقدر على تسجيل الأحداث الخطيرة التى مر بها التاريخ المعاصر بحكم خدمته فى الجيش ومعايشته للمشاعر التى أدت إلى وقوع احداث غيرت وجه مصر، حسبما جاء فى مقدمة الرواية.
وتم تحويل الرواية أيضا إلى عمل سينمائى أصبح أيقونة السينما فى الاحتفال بثورة يوليو، ويرصد الفيلم قصة ابن الجناينى على الذى أصبح ضابطاً فى الجيش، وقصة حبه لإنجى ابنة الأمير.
وعلى الجانب الأدبى تولى السباعى العديد من المناصب منها رئاسة تحرير «آخر ساعة»، «المصور»، «الرسالة الجديدة»، «روز اليوسف»، وجريدة «الأهرام»، كما اختير نقيباً للصحفيين، وأسس نادى القصة واتحاد الكتاب، وأصبح وزيرا للثقافة عام 1973، وظل وزيرا حتى اغتياله فى قبرص عام 1978.
تزوج السباعى من ابنة عمه دولت، وهى قصة حبه الوحيدة، ورفيقة كفاحه، وأنجب منها ابنته بيسة وابنه إسماعيل.
«ماذا سيكون تأثير الموت على؟ وعلى الآخرين؟ لا شىء.. ستنشر الصحافة نبأ موتى.. كخبر مثير ليس لأننى مت.. بل لأن موتى سيقترن بحادثة مثيرة.. هكذا تنبأ الأديب يوسف السباعى قبل وفاته بـ7 سنوات، فى كتابه «طائر بين المحيطين» عام 1971.
فبعد اتجاه مصر لمبادرة السلام مع إسرائيل، بعد حرب أكتوبر 1973 تم وضع الرئيس السادات وعدد كبير من الساسة المصريين المؤيدين للسلام على رأس قائمة الاغتيالات، وبالفعل استطاعت أياد آثمة أن تصل إلى السباعى أثناء تواجده فى قبرص لتغتال ابتسامته والبشاشة التى عُرف بها فى 18 فبراير عام 1978 عن عمر ناهز الـ60.
فأثناء حضوره مؤتمر منظمة التضامن الآفرو آسيوى استطاع شخصان أحدهما فلسطينى والآخر عراقى إطلاق الرصاص عليه أثناء تواجده بالفندق، معتبرين موافقته على السلام مع إسرائيل وسفره مع السادات إلى إسرائيل خيانة للقضية الفلسطينية، فأصابته ثلاث رصاصات إحداها فى رأسه، وأعلنت منظمة «أبو نضال» مسئوليتها عن حادث الاغتيال.
ثارت مصر كلها لاغتيال أديبها ووزير ثقافتها فى قبرص، وأعلن السادات أنه لن يتوانى فى أخذ حق السباعى وحق أى مصرى تطاله يد العدوان خارج بلاده، وأوقف العلاقات الدبلوماسية مع قبرص، وأطلقت الصحافة على حادث الاغتيال «الجريمة السوداء».
ونفى المثقفون عن السباعى تهمة تخليه عن القضية الفلسطينية، مشيرين إلى اهتمامه الشديد بفلسطين وبأنه لم يترك مناسبة إلا وتحدث فيها عن حق الفلسطينيين فى الخلاص، والجدير بالذكر أن للسباعى رواية تحدث فيها بصورة مباشرة عن القضية الفلسطينية اسمها «طريق العودة»، وكان يتعاطف فيها مع فكرة عودة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم فى العودة إلى أرضهم.
ورغم مرور سنوات عديدة على رحيل يوسف السباعى ظل فارساً للرومانسية، ورمزاً للأديب المثقف والسياسى المحنك، الذى نجح فى الجمع بين العمل والموهبة التى قادته فيما بعد ليتحمل مسئوليات ثقافية عدة نجح فى أدائها على أكمل وجه، ليرحل عن عالمنا تاركا إرثاً أدبياً وثقافياً وسياسياً يجعله خالداً بيننا فارسا للرومانسية.