الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العدالة الثقافية والفساد الثقافى




كتب: د. حسين محمود


شكا الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أول خطاب رسمى له كرئيس للجمهورية من حال الثقافة المصرية. وقبلها سمعت له فى أحد البرامج الحوارية أثناء حملته الانتخابية وهو يتحدث عن أحد معانى العدالة الاجتماعية، ما معناه أن من حق كل مواطن أن يستمتع بالثقافة مثل استمتاعه بالمأكل والمشرب والملبس لا فرق بين غنى وفقير، وأورد مثلا على ذلك أن من حق المواطن على الدولة أن ترتقى به ثقافيا بحيث تصبح لديه الفرص المتساوية مع غيره للاستمتاع بالموسيقى والغناء الراقيين فى دار الأوبرا.
وفى خطابه الرسمى الأول ثمن دور الغناء الشعبى فى تحفيز المواطنين على الاهتمام بالتصويت فى الانتخابات، ولكنه شكا من عدم وجود عمل ملحمى يوثق لثورتى مصر وشهدائها، يطوف العالم، على غرار الأعمال العالمية الكبرى التى تسجل ملاحم الأمم. وطبقا لكلمات السيسى نفسه فإن هذا العمل المأمول يجب أن يكون أيقونة مصرية.
وقال الرئيس عبدالفتاح السيسى أيضا: إن اعلاميى ومثقفى وفنانى ومبدعى مصر عليهم دور كبير يخاطب عقول الناس وأرواحهم ويصحح الفكر الخاطئ، ويرقى بإحساسهم ويحفزهم على مزيد من العمل والانتاج، ويصوب الذوق العام للشعب المصرى ويعيد رونق الآداب والفنون المصرية.
إننا فى هذا الخطاب أمام تشخيص لا يختلف كثيرا عما ذهبت إليه زمرة المثقفين الحقيقيين، عدا نفر قليل من مثقفى السلطة والمدجنين، فقد أكدنا أكثر من مرة على اختلال الجغرافيا الثقافية فى مصر، وميلها تجاه المراكز وبعدها عن الهوامش، وسيادة ذوق الطبقة الطفيلية، وامتهان الثروة الثقافية المصرية، وسجن الآثار المصرية فى متاحف حتى لا يراها إلا السائحون، وغير ذلك من الأسباب التى أدت فى النهاية إلى ما شكا منه الرئيس المصرى عن غياب العدالة «الثقافية» وعن الفكر الخاطئ، وتدنى الأحاسيس وانتشار ثقافة التواكل والشعوذة، التى تغيب قيمة العمل والإنتاج، وتواضع الذوق العام للشعب المصرى وفقدان الآداب والفنون المصرية لرونقها الذى كان لها.
لقد وصل الرئيس إلى التشخيص الصحيح ولا بد أن لديه خطة لتنفيذ ما يراه من لإصلاح هذا الخلل، وفى انتظار الإجراءات التنفيذية يجوز لنا أن نساهم معه فى استكمال الصورة التشخيصية، حتى نعرف كيف وصلنا إلى هذا المستوى غير المرضى وكيف يمكن أن نعالجه.
باختصار شديد: السبب فى هذا الوضع الثقافى المذرى يكمن فى السياسة الثقافية التى سادت طوال العقود الماضية، والتى استمرت بعد ثورة 25 يناير، وأحد أبطالها بلا شك وزير الثقافة الحالى الذى يعتبر نفسه امتداداً لوزير الثقافة الأسبق فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وكان أحد رجال ذلك الوزير والمدافع الأول عن سياساته فى برلمان فتحى سرور، والوزارة مليئة بهذه النماذج.  
لقد عشش الفساد فى كل وزارات مصر، وأصبح غير الفاسدين عملة مطرودة، وارتبطت الكفاءات بإمكانية أن تشارك فى الفساد بكفاءة. وكان السيسى فى قمة الشجاعة عندما أعلن عن عزمه محاربة الفساد أمام جمع لا يخلو من الفاسدين.


أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]