الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الصحابة بين العقل والنقل




كتب: محمد الدويك


فى حديث فى البخارى، عن ابن عباس، قال، قال رسول الله «يعذب الميت ببكاء أهله عليه».
السيدة عائشة، بعد وفاة الرسول، سمعت ابن عباس يقول هذا الحديث.. فأنكرت عليه.. وقالت: والله ما كان لرسول الله أن يقول ذلك.
فلدينا فى القرآن «ولا تزر وازرة وزر أخرى».. فالأوفق مع كتاب الله، ومع العدل والمنطق، أن الإنسان لا يؤخذ بذنب غيره أو جريرة أهله. وفق مبدأ شخصية الجريمة والعقوبة.
السيدة عائشة مررت الحديث على عقلها، وعلى المنطق العام لقواعد الإسلام. وعلى كتاب الله.. ثم قررت قبول الحديث من رفضه.
يعنى السيدة عائشة لم تتسمر أمام رواية يرويها صحابى جليل مثل عبدالله بن عباس، ولم تعرف أن البخارى سينقلها بعد ذلك بقرنين ليعبده الناس.
لكنها رأت أنه ولو صح السند فمتن الرواية وفحواها، يستحيل أن يتوافق مع روح الإسلام.. لذلك قال الشيخ عبدالجليل عيسى، أنه لو صح سند الحديث، بينما فحواه تتعارض مع حقائق العقل المنضبط بالمقاصد الكلية للإسلام.. تركنا النص وأخذنا بحقائق العقل.
تكرر الأمر مرة ثانية، عندما سمعت السيدة عائشة من يقول حديثا عن الرسول، أن الكلب والمرأة والحمار يقطعون الصلاة.. فأنكرت على صاحب الرواية، وكان صحابياً. وهو حديث صحيح رواه الإمام مسلم. واستشهدت بفعل الرسول أنها كانت تستلقى على الأرض بين يديه وهو يصلى ولا يأمرها أن تبتعد.
وفى الصحيحين أن ابن عباس -وكان صبيا- كان يركب آتان (أنثى الحمار) ويمر بين الصفوف والرسول يصلى بالناس فى منى، وبعد أن انتهى لم ينهه ولم يزجره ولم يعنفه. (شوف السماحة) واحد ماشى بالحمارة بين صفوف الحجيج وهم يصلون والرسول لم يفعل له شيئاً. وبكده حتى الحمار لا يقطع الصلاة وهو ما ينافى حديث صحيح مسلم.
اللى عايز أقوله.. ان الصحابة مكنوش بيتوقفوا أمام سند الحديث طويلا على قدر ما يتوقفون أمام المتن.. يعنى الكلام اللى جوا الحديث، يناقشوه ويمرروه على عقولهم وفطرتهم السوية ومقاصد الدين وصريح القرآن.
مش نصوصين منغلقى العقول والأفهام، ويتشنجون أمام روايات منسوبة للرسول ويقاتلون الناس من أجلها. بعضهم الآن يتشبه بالسلف الصالح والصحابة ويفرضون على الدين ما ليس منه، ويضحون بالقواعد الكلية للدين ومقاصده الرئيسية فى سبيل فروع وهوامش جانبية لا قيمة لها.
طبعا علماء الحديث حاولوا جاهدين دفع التعارض بين النصوص. أو التوفيق بينها، أو اللجوء لقواعد اللغة لإيجاد معانٍ بديلة، أو إضافة مقاطع أخرى للأحاديث.. لكن كل هذا لا يهمنى.. ما اهتم به فقط هو المنهج، وطريقة التفكير المتحررة من القمع والمبالغة فى القداسة والغارقة فى الاتباع والتقليد، وكيف كان مجتمعاً شجاعاً يمتلك عقلية نقدية متسعة يتناول بها النصوص والمرويات التى تصل له ويفند ما فيها، بغض النظر عن من صدرت عنه.
كاتب فى الفكر الإسلامى