السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عبدالله كمال لم يمت




نشع فى جسدى الالم عندما جاءنى الخبر الاسود «عبدالله كمال.. مات». لم أستوعب الموقف، عشت صاعقة موت والدى للمرة الثانية فى حياتى، اقسى شىء فى الدنيا أن يموت والدك مرتين!.
لم يكن عبدالله كمال مجرد رئيس تحرير، كان أبًا روحيًا، وأخًا أكبر لكل تلاميذه فى «روزاليوسف»، كل منهم له حكايات معه من المساندة والمعاضدة فى المآسى، ومشاركة المسرات فى الافراح، كان يربينا للحياة، لننفع أنفسنا والمجتمع، لم يجبر أحدنا يومًا على اعتناق فكر  بعينه، أو دفعنا إلى الايمان بأيديولوجية محددة، او وجّهنا للكتابة ضد هذا أو ذاك كما يفعل رؤساء تحرير كثر، بل كان يفعل العكس، كان حريصًا ان يبعدنا عن خلافاته، يرفض أن يخوض أيّ منّا معاركه الصحفية والسياسية، التى كانت تصل إلى حد التجريح وتشويه شخصه.. بعيدًا عن انتقاد مواقف او ايديولوجية، كان يقول لكل الزملاء بوضوح فى اجتماعات التحرير: «لا اريد لأحد ان يخوض معاركى، حتى لا تسددوا فيما بعد فواتير ليس لكم فيها ناقة ولا جمل».
وكأنه كان يقرأ المستقبل، إذ قامت الثورة، وراح الجميع، صفوة ومجتمع، يغرق فى موجات من التلون والتقلب والتخبط، يغسلون أيديهم مما صنعوا، ويشطفون رءوسهم من الافكار والتوجهات والايديولوجيات التى حلموها سنين. إلا «كمال» لم يكن واحدا من هؤلاء الكثر، ظل وقفًا ثابتًا فى وجه الرياح، علمنا كيف يجب أن يكون الإنسان على قدر مواقفه، وأن الإيمان بالافكار ليس نزهة، علمنا أن نواجه العالم بقوة وأن يسدد كل منا فواتيره كاملة إن كنّا بالفعل مدينين.
وقف «كمال» فى قلب العاصفة وحده، قويًا، صلبًا، شجاعًا، صادقًا فى قناعاته، لقد شرّخت الثورة جدران المجتمع الهشّ، وزعزعت نفوس الجميع، كبيرها قبل صغيرها، وفى هذا الهرج وجهت لكمال طعنات ممن كان له فضل عليهم، تلاميذ كانوا او مقربين، كان أمراًن مفجعًا هزنى وأحزننى وأنا أرى من يرد باقات الورد بالسكاكين، لكن «كمال» لم تمسه تلك الطعنات بسوء تلقاها كاملة، تركت أثرا فى روحه ووجدانه، لكنه صمت وصبر، لم يترنح ولم يفقد توازنه،إذ مضى كمال فى طريقه صلبا قويا، لم يتوقف عن العمل والعطاء المهنى، ظل فى تواصل مستمر مع تلاميذه، من احسنوا اليه، حتى من أساءوا اليه واختلفوا معه سامحهم، واجه الاستاذ عبدالله كمال كل هذا الصخب والغدر بالكلمة والعمل الصحفى الدؤوب، فألّف كتابًا من ألف صفحة عن شهادته عن عصر مبارك وكواليسه، أتمنى أن يرى النور قريبًا، واسس موقع «دوت مصر» بخلاف مشاريع أخرى لكتب كان يجهز لها، الا ان الموت لم منحه فرصة التلذذ بالعمل الصحفى الذى طالما عشقه.
رحل عبدالله كمال عن عالمنا المرير القاسى، اختلف معه من اختلف، وسانده من ساند، لكنهم جميعًا لم يعرفوا عبدالله كمال الانسان والاستاذ.
من يرد ان يعرف عبدالله كمال فليسأل عنه تلاميذه، هم أكثر من عرفوه، دخلوا بلاط صاحبة الجلالة بأعوادٍ خضراء، تتحسس خطاها فى الطريق الصعب، فتلقفهم دون سابق معرفة، ودون أن يسأل احدهم عن كارت توصية، او صلة قرابة بفلان او علان، غمرهم بفضله المهنى وعلمه الذى نهل منه كل من تتلمذ على يديه.. رحل عبدالله كمال، لكنه لم يمت، ولن يمت، سيظل حيا بداخلنا، سيظل حيًا على الورق بما علمه لنا وزرعه فينا.