الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رجل لم يخن نفسه




بقلم - لينين الرملى

كنت أقرأ ما يكتبه فى روزاليوسف بانتظام وكان يعجبنى أنه مختلف عن غيره فهو  يكتب ما يقتنع هو به دون أن يهتم برأى الآخرين أو شخصيات فى السلطة. حتى لو كانوا من الحزب الوطنى الذى انتمى إليه. والتقيت به مرتين أو ثلاث فى أماكن عامة دون ترتيب وبعد مدة اتصل بى فى التليفون وطلب أن أكتب فى روز اليوسف اليومية أسبوعياً. فرحبت على الفور وكان أول ما فعلته أن أرسلت له مقالا. كانت أخبار اليوم قد رفضت نشره ومن بعدها انقطعت الصلة بيننا. كان المقال باسم (حديث لا هو سياسى ولا ديمقراطي) وقد قصدت بإرسال هذا المقال تحديداً كنوع من جس النبض ودهشت عندما نشر المقال كما هو بالحرف رغم أنه كان يحفل بالسخرية من الأوضاع التى نعيشها. وقد عانيت كثيرا من رقابة رؤساء الصحف أو المسئولين فيها وكنت أعجب سواء كان الأهرام أو أخبار اليوم وغيرهما من الصحف والمجلات التى كانت من وقت لآخر تحذف لى فقرة أو أكثر وأحياناً المقال كله فأتركها أو تتخلى هى عن خدماتى.
بدأت الكتابة فى روز اليوسف فى 24 أغسطس 2007 وحتى 4  فبراير عام 2011 وتقريباً لم أتوقف مرة عن الكتابة فلم يحدث أن حذف لى سطر أو كلمة. وكان هذا غريبا فكثيرا ما كان الأهرام وأخبار اليوم وغيرهما من المجلات تحذف لى فقرات من مقالاتى وأحيانا كانت تحذف المقال كله!. وبعد قليل أتوقف عن الكتابة أو يتوقفون هم عن استقبالها. وخلال ذلك لم ألتق به إلا مرتين فى دار روزاليوسف فى ندوتين واستمرت كتاباتى لروزا لما يقرب من أربع سنوات لكن ذات يوم  اتصل بى وظل يدردش ويطلق النكات دون أن أفهم الغرض من المكالمة حتى قال  أظن  أنك  تعرف أننى كثيرا ما هاجمت أنس الفقى وزير الإعلام وعلى الصفحة الأولى فقلت نعم وبالطبع قرأت كل هذا, قال بأدب شديد وبعض الخجل حسنا أنا أريد أن أستأذنك فى  تغيير كلمة واحدة فى عنوان مقالك إذا سمحت لي. وبدلا من أن يكون العنوان (عيب يا وزير الإعلام ) فهل أطمع أن يصبح (عيب يا وزارة الإعلام)؟ ضحكت من هذا التمهيد الذى استمر لربع الساعة وقلت إنه لا مشكلة فهو نفس المعني، فمادامت الوزارة كانت فعلت العيب, فالوزير هو المسئول بالطبع. فشكرنى وانتهت المكالمة ولكن فى صباح اليوم التالى وفى ساعة مبكرة رن جرس التليفون وكان المتحدث هو وزير الإعلام يعتب على ما كتبته وطلب أن يرانى وذهبت له بالفعل ولكننا لم نتفق ورغم أنه كان يدعونى لمرات عديدة إلى مجالسه التى يجمع فيها الكثير من الشخصيات قبل أن يصبح وزيرا وكان بيننا مودة. لكن هذه قصة أخري.
وعندما حدثت وقائع 25 يناير لم يتزحزح عبدالله كمال عن رأيه فى حين غير كثير من الكتاب مواقفه بسرعة مدهشة مضحكة ومبكية معا. وفى 4 فبراير 2011 كتبت آخر مقال وكان بعنوان (الشعب يريد إعادة الانضباط) ولكنى فى اللحظة الأخيرة لم أرسل المقال لأنى لم أجد له أى ضرورة أو فائدة فالتيار أقوى منا جميعا، ورأيت أن القادم لن يأت بالأفضل فلا جدوى من المحاولة، فاتصلت به وقلت آسف أنى لن أستطيع مواصلة الكتابة فى روزا أو فى غيرها. وفورا قال إنه يفهم موقفى وأنه يشكرنى على الفترة التى كتبت فيها للمجلة فقلت: بل أنا الذى أشكره.
ولأنه استمر على مواقفه فكان من الطبيعى أن يعزل عن الجريدة التى أعطاها كل وقته مثله مثل جميع زملائه الصحفيين تقريبا وحتى الذين غيروا مواقفهم بسرعة البرق.
هذا رجل لم يخن نفسه وظل حريصا على مواقفه الثابتة حتى عندما استضافته قنوات تليفزيونية فيما بعد وقد شاهدت له بالأمس تسجيلا يرجع لشهور قليلة سابقة يتنبأ فيها بما سيحدث فى عام 14 الذى نعيشه الآن فكان كأنه يقرأ الغيب وأهم من ذلك أنه ظل ثابتا على موقفه بصلابة  عن قناعة حقيقية ودون أن يقع فى الشطط. ويبدو أن وفاته المبكرة كانت وكأنها رد على ما حدث له من عنت ولكنه ظل متقدماً إلى مصيره بشجاعة وخطوات ثابتة ورأس مرفوعة.