الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وطعامهم حـِل لكم




كتب: محمد الدويك


إحدى المرات ذهب رجل للرسول وقال إن من الطعام طعاما أتحرج منه. لا أحب أن آكله مخافة أن يكون حراما. فأجاب الرسول بصورة قاطعة، «لا يختلجن فى صدرك شىء ضارعت فيه النصرانية». (رواه الترمذى وأبو داوود)
لا يختلج فى صدرك شىء أى لا تخشى من شيء ولا تشك فيه. ضارعت فيه النصرانية. أى تشبهت فيه بملة النصارى ما لم يكن هناك نهى فى ديننا عنه.
الرسول يعطى قاعدة واضحة، ثابتة، أى حاجة تقلد فيها المسيحيين فى مسلكهم فى الطعام أو أسلوبهم فى الحياة فلا بأس عليك.
والنصارى فى عهد الرسول هم النصارى الآن. بكل ما لديهم من مشاكل عقائدية تنافى ديننا. حتى لا يخرج علينا من يقول إن النصارى فى عهد الرسول مختلفون. ولا يجوز القياس.
لاحظ إن الرجل كان يسأل بصفة عامة عن بعض أنواع الطعام التى يجد حرجا من أن تكون حراما.. ولم يسأل عن طعام أهل دين بعينه. لكن الرسول بادر وتحدث عن طعام المسيحيين بدرجة عالية من الاحترام والتقدير والرغبة فى التواصل الإنسانى والتقارب فى ظروف الحياة.
طبعا مش معقول هقلد النصارى فى طعامهم. كما يقول رسولي. ثم أعاديهم بعدها أو اتعدى عليهم..!
ولذلك كان من آخر ما نزل من القرآن (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)
فالآية تعطف طعام الذين أوتوا الكتاب، مسيحيين ويهود، على الطيبات. ليصفهم بأرق الكلمات التى تعبر عن التقدير والكرم. وليس الكراهية والاضطهاد.
وطبعا مش معقول هقول على طعامك حلو. يا حلو. ثم أكرهك أو أعاديك.
الطعام كان وما زال أهم طرق التعايش والسلام بين البشر.. وهتفضل كلمة احنا واكلين عيش وملح مع بعض، من أفضل كلمات العشرة الحسنة.. وأفضل ذكريات حياتنا عن الأشخاص والأماكن غالبا ترتبط بطعام طيب. وربنا عايز ذكرياتنا الطيبة يشاركنا فيها مسيحيون.
الرسول عليه الصلاة والسلام سمح لوفد نصارى نجران، وكان معهم قساوسة، أن يصلوا فى مسجده. تخيل يصلوا عندنا فى المسجد. بل فى أقدس مسجد للمسلمين. مسجد الرسول. يعترف بهم ويقر حقهم فى العبادة. ويبدأ أولى درجات إقرار التعددية والتعايش، ونفى الوصاية الدينية للناس على بعض ويترك كلهم لله. (روان ابن اسحاق. وصححه ابن القيم فى أحكام أهل الذمة)
ولذلك روى ابن عباس عن الرسول أنه «كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه» البخارى ومسلم.. واخد بالك من اللفظ. يحب موافقتهم. يتشبه بيهم. طالما مفيش تعارض ينافى خصوصية كل دين. فهل بعد ما يوافقهم يحاربهم. أصل الرسول مكنش مكلكع ومعقد الأمور ويتبنى الكراهية والخصومة أسلوب حياة.
عشان كدة خلال 23 سنة من بعثته لم تحدث حرب واحدة بينه وبين النصارى/ المسيحيين، أى حرب ذات طابع ديني. رغم أن الحروب بين المسيحيين بعضهم وبعض دامت أكثر من 150 سنة.
وكانت غزوة مؤتة ضد الرومان، بعد أن قتلوا سفير الرسول الحارث بن عمير. وتبوك. وهى حرب بلا حرب. لم يحدث فيها قتال ولم يمت فيها أحد. وانتهت بالصلح. ولم تكن ضد المسيحيين بل ضد الدولة الرومانية التى كانت تتربص بهم وترتب للهجوم عليهم.
لذلك فآيات الشدة فى القرآن التى تتحدث عن أهل الكتاب. وفقا لأسباب النزول كلها وردت فى اليهود. لأسباب سياسية خاصة ومؤقتة، وليست لأسباب دينية ملزمة و دائمة. لما اتصفوا به من غدر وخيانة وكذب. وكلها تحكم ظروف الحرب الاستثنائية وليست ظروف الحياة العامة التى يحث فيها على الاحترام والتعايش والحرية الدينية.
أكيد هتسمع كلام تانى ينافى كلامي، ويدعو للتشدد والغلظة والعداوة. وغالبا فيه تفسيرات دينية مجتزأة ومشوهة وخارج سياقها.. ساعتها هتحتار أسمع مين ولا مين. لكن القرآن بيحلهالك يا صديقي. (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) الزمر : 17
كاتب فى الفكر الإسلامي