أيها الموت ترفق فما عدت أحتمل

كتب: د. حسين محمود


فى شهر واحد فقدت أكثر من صديق وأستاذ وزميل، آخرهم عبد الله كمال رحمه الله، شقيق زميلة من علماء الكلية هى الدكتور شيماء كمال نائب رئيس قسم اللغة الصينية، وقد قابلت الرجل للمرة الأولى والأخيرة فى مناقشة الدكتوراه الخاصة بشقيقته، ولابد لى أن أعترف بأنه لم يكن مجرد صحفي، أو كاتب، أو عقلية مفكرة، أو مساند لنظام سياسى ما، بل رأيت فيه الإنسان بكل ما تحمل الكلمة من معان، إنسان فيه رقة الضعف وقوة التواضع وشجاعة الانزواء عندما لا تأتى الرياح بما تشتهى السفن.
وقبلها فقدت واحدا من أعلام علوم اللغويات فى مصر، وهو الدكتور سعيد الباجوري، وكان رئيسا لقسم اللغة الإيطالية ووكيلا لكلية الألسن، وأستاذا لأجيال متعددة من دارسى اللغويات، وله كم كبير جدا من الرسائل العلمية التى أشرف عليها وشارك فى تحكيمها ومناقشتها.
وقبل أيام فقدت علما آخر من أعلام اللغويات أيضا ولكن هذه المرة فى اللغة الإنجليزية، وهو الدكتور عبد الرحمن محسن أبو سعدة، عميد كلية اللغات والترجمة الأسبق بجامعة الأزهر وكان يشغل المنصب نفسه بكلية اللغات والترجمة بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وهو أيضا من العلماء المشهود لهم دوليا فى علمه.
ويشترك هؤلاء الغائبون الثلاثة فى عامل مشترك واحد، هو دماثة الخلق، ولطف المعشر، ووضوح الرؤية. كما يشتركون فى أمر مهم: سبب الوفاة. كلهم مرضوا قبل أن يتوفاهم الله، وكلهم دخلوا المستشفيات للعلاج، وكلهم خرجوا منها إلى الرفيق الأعلى. كنت أعرف أن الأستاذ عبد الله كمال لديه مشاكل فى القلب، ودخل المستشفى قبل أسبوعين لعمل التحاليل والعلاج اللازم، ومن الواضح أنها كانت خطوة بلا طائل. والدكتوران سعيد الباجورى ومحسن أبو سعدة دخلا المستشفيات لعلاج مشاكل فى الظهر والعمود الفقري، وكانت لهما النهاية نفسها، مما يضع علامات استفهام كثيرة على فاعلية النظام الصحى فى مصر، خاصة القدرة على التشخيص والعلاج فى الوقت المناسب.
ومع الإيمان بقضاء الله وقدره فإن المسألة تحتاج إلى نظر، وإلا فسوف يستمر الموت فى حصد أرواح ربما كان يمكنها أن تمتعنا أكثر بوجودها، إذا ما وجدت الدعم الصحى الصحيح والمناسب. أما الآن فلا نستطيع إلا أن نتلمس من الموت أن يترفق معنا، وألا يأخذ منا أعزاءنا واحدا تلو الآخر، خاصة أنه ينتقى منا أطيبنا ويترك للحياة «شر الإبل».  

أستاذ الأدب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]