الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الفول «المدمس» من القدرة «النحاس» إلى «الاستانلس»




تحقيق - السيد الشورى - محمد عبد الفتاح وشيماء الملاح


يعد «طبق الفول» ضيفاً دائماً على موائد الشعب المصرى مع اختلاف مستوياتهم، وهو الطبق الرمضانى الذى لا تكاد تخلو منه مائدة سحور رمضانية، لدرجة جعلت البعض يزعم أن المصريين لا يمكن أن يعيشوا من دونه، وأن الصينيين أدمنوه مند أكثر من 5 آلاف سنة، وأن الفيلسوف وعبقرى الحساب اليونانى «فيثاغورس»، لعنه منذ البداية وحرمه على نفسه وعلى أتباعه لأنه يحتوى على أرواح الأموات فى العالم الآخر.
وينتشر باعة الفول فى كل مكان خصوصاً فى شهر رمضان المبارك.
إذ يستهلك المصريون فى رمضان 260 ألف طن من الفول المدمس، وهو تقريباً ثلاثة أضعاف ما يستهلكونه فى الشهور العادية من الفول وتحديداً فى وجبة السحور.
تاريخ الفول
يعود تاريخ الفول إلى العصر الحجرى الحديث وقد بدأ استخدامه واستغلاله على نطاق واسع فى الأمريكتين الشمالية والجنوبية من قديم الزمان وقد تعرف عليه كريستوفر كولومبوس فى جزر البهاماز حيث كانت تتم زراعة أنواعه بانتظام وبأساليب متطورة.
وكشفت الحفريات الأثرية الحديثة فى فلسطين، أن نبتة الفول كانت تستخدم قديماً منذ 6500 سنة قبل الميلاد كما هو الحال مع بلاد ما بين النهرين لكن رحلتها استغرقت نحو 3000 سنة للوصول إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا ومصر الفرعونية والسواحل الأوروبية الجنوبية كاليونان واسبانيا وايطاليا وغيرها، كما استخدم الفول قديما من قبل سكان شمال الهند والصين وكان يقدم أيام الأمبراطورية الرومانية التى استغلت جميع أنواع الخضار والحبوب للحفاظ على قوتها.
الفول عند الفراعنة
هو أحد الأطعمة الشعبية منذ بداية العصر الفرعونى، إذ كان يطهى بواسطة طمره فى تراب الفرن الساخن، لذا عرف باسم «متمس» ثم تطورت الكلمة بعد ذلك إلى مدمس، ويشاهد على جدران المقابر رسومات للحاصلات الزراعية التى كانت تقدم للإله آمون ومنها زكائب الفول، كما كان الفراعنة يطهون الفول ويسمونه «بيصورو» وهى نفسها «البيصارة» التى نعرفها الآن ويقبل عليها عامة المصريين.
وقد استخدم الفول منذ القدم كبديل غذائى عن اللحوم أحيانا، إذ إلى جانب الحمص، يتمتع الفول بكمية لا بأس بها من البروتينات الضرورية للإنسان.
مستوقدات الفول
فى حى الدرب الأحمر وفى أحد الشوارع الجانبية يقع مستوقد «زوام» ويقول صاحب المستوقد الحاج رفاعى الزوام إنه يعمل منذ 30 عاما فى هذه المهنة، وأنه ورث المهنة من والده وعن طريقة تدميس الفول قال: «إنه بعد تنقية الفول نقوم بغسل الفول جيداً ثم نضعه فى القدر وتستغرق تسوية الفول حوالى 11 ساعة تبدأ من الساعة الثالثة عصراً وتنتهى الثالثة فجراً، وفى منتصف الوقت نضع عليه الفول المدشوش والعدس وفى النهاية يأتى البائعون بالعربات لتحميل قدورهم.
وأضاف «إن هناك فرقاً كبيراً بين تسوية الفول فى الماضى وبين الآن، فى الماضى كنا نستخدم المخلفات والقمامة لتسوية الفول لكن بعد قرار الحكومة والبيئة بمنع استخدام القمامة فى تسوية الفول نظراً لما تسببه من تلوث وخطر على الصحة وأكد أنه لم يعد هناك أى مستوقد يستخدم القمامة فى عملية التسوية، أما الآن فنستخدم الغاز فى التسوية.
وأشار الزوام إلى أن أكبر المشاكل التى تواجهه هى ارتفاع تكلفة التسوية الآن عن السابق نظراً لارتفاع سعر الغاز ومع اتجاه العديد من بائعى الفول لتسوية الفول بأنفسهم أصبح الدخل الذى يجنيه من عمله يكفيه بالكاد.
وفى منطقة سوق السلاح يقع مستوقد «جزرة» حيث تجد بداخله قدر الفول مصطفه بجوار بعضها ويقوم أحد العاملين بالمستوقد بغسل القدر وملئها بالماء ثم يأتى عامل آخر ويضع الفول بعد غسله ثم يحمله ويضعه على موقد الغاز وأضاف أحد العاملين أن العمل يبدأ من الساعة الواحدة بعد الظهر ويأتى أصحاب القدر لاستلامها فجراً وبسؤاله عن استخدام القمامة فى تسوية الفول أجاب «دا كان زمان وجبر».
قدرة الفول
تطورت صناعة قدرة الفول بمرور الزمن فقديماً كانت تصنع من النحاس أما الآن فأصبحت تصنع من الألومنيوم أو الاستانلس وأوضح «هشام سكر» أحد التجار بمنطقة باب الشعرية أن قدرة الفول اختلفت عما كانت عليه فى الماضى فبعد أن كانت تصنع من النحاس أصبحت تصنع من سبائك الألومنيوم وتصنع فى ورش خاصة كما أن أسعار القدر تختلف على حسب جودة الخامة المستخدمة كما أضاف أن القدر الـ8 مللى هى أفضل أنواع القدر لأن عمرها الافتراضى أطول من الأنواع الأخرى ولكنها أعلاها تكلفة على المستهلك ولذلك فيتم تصنيعها على حسب الطلب.
وأضاف الحاج «السيد محمد» أحد الحرفيين الذى يقوم بتصنيع قدر الفول إنها كانت تصنع من معدن النحاس ولكن أصبح الآن يعتمد على معدنى الألومنيوم والاستانلس، وهما أقل الأنواع جودة كما أن عمرها الافتراضى أقل من المصنعة من النحاس وأشار إلى أن نوع القدرة يؤثر على طعم الفول وأن أكثر الأنواع التى تحافظ على الطعم كانت المصنعة من النحاس يليها المصنعة من النحاس الخام وأشار إلى أن عملية تصنيع القدرة تتطلب يوماً كاملاً حتى يتم تسخين المعدن وتشكيله حتى يأخذ الشكل المطلوب.
تدميس الفول
لا تختلف طريقة تدميس الفول بين مكان وآخر بل تكاد تكون الطريقة واحدة فيقول الحاج «الشافعى»: «إنه يفضل نقع الفول فى الماء قبل تدميسه بيوم كامل ثم تنصص القدرة «الدماسة» من الماء والفول ويوضع معهما بعض العدس وقليل من الأرز أو الفول المدشوش ونصف ملعقة بيكينج بودر، وبالنسبة للقدرة فإنه يستعمل لها ماء بيضاء مركبة تسمى الأويتا ويصل ثمن الكيلو منها من عند العطار إلى 100 جنيه وتوضع بمعدل ملعقتين للقدرة الكبيرة وهى تساعد على سرعة نضج الفول.
تقول الدكتورة أمل محمود استشارى تغذية إن طبق الفول يعتبر الوجبة الرئيسية لكثير من المصريين على السحور فى شهر رمضان، لانه يحتوى على جميع البروتينات التى يحتاجها جسم الانسان، وأضافت «أمل» أنه من الأفضل نزع القشرة الخارجية للفول، لانها تسببب عصر الهضم وطالبت بعدم وضع أى الوان صناعية عليه لان بعضها غير صحى ومن الممكن أن يسبب سرطانًا وبعض أمراض للكبد.
فيما أوضح الدكتور حسام على أن بعض المكونات التى يتم وضعها على الفول خلال تسويته لتساعد على سرعة نضج الفول ضارة جدا وتسبب الكثير من المشاكل الصحية للإنسان ومن الممكن أن تصيب الانسان بأمراض خطيرة مثل السرطان وغيره وطالب «على» وزارة الصحة بمراقبة المستوقدات ومطاعم الفول لان معظمهم يسوى الفول بطرق غير صحية وطالب بوضع عقوبات على من يقوم بتسوية الفول بطرق غير سليمة من شأنها أن تسبب ضرراً لصحة الإنسان.
من جانبها قالت د. أسماء عبدالعزيز «دكتورة تغذية» إن صناعة الفول فى مصر تعتبر من الصناعات المجهولة التى لا يعرف عنها الكثير، وأشارت إلى أن بعض المحاصيل المستوردة من أوروبا قد تكون غير صالحة للاستهلاك الآدمى وأيضا الألوان التى يتم وضعها على الفول غير مسموح بإضافتها للأغذية والتى تم تحديدها من وزارة الصحة عن طريق جدول مرفق به يحتوى على الرموز المختلفة للمواد الملونة المسموح بها.. وفى حالة تأكد الجهات المسئولة أن لوناً ما يسبب أضراراً للمواطنين يتم حذفه على الفوز من جداول القرار المذكور.
وأشارت إلى أن اللون الأصفر أو الـ «E100» هو لون مصرح به والمعروف لدى الناس باسم الكركم أما اللون الأحمر أو ما يسمى «لون الفول» فهو خليط من عدة الوان وغير مصرح بها إلا بكميات محدودة للغاية وفى أضيق الحدود، لأنه يسبب أمراضا كثيرة أما باقى الألوان فمن شدة خطورتها لم تدرج فى الجداول من الأساس واستخدام هذه الألوان يسبب ضرراً شديداً ويسبب ربواً وسرطاناً وأمراضاً عصبية للأطفال.
كما أطلقت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية «FDA» تحذيرا من استخدام تلك المادة وذلك لارتباطها بمرض السرطان وخصوصًا سرطان الغدة الدرقية، كما تؤثر على الحمض النووى «DNA» وتسبب الربو وتؤثر على الحالة النفسية والعصبية للأطفال.
كما يوجد نوع آخر يباع تحت اسم «أنا السودان» وليس المقصود بها دولة السودان والاسم العلمى لهذه المادة هو «فنيل أزو» أو «نافثول»، وتوجد فى شكل بودرة لونها بين البرتقالى والأحمر، فهى تنتمى لصبغ الانرو التى يمكن تكسيرها تحت ظروف اختزالية وتعطى «الأمنيات الأروماتية» والتى تعتبر مواد مسرطنة، واستخدام هذه المادة محظور فى معظم دول العالم مثل بريطانيا وهونج كونج والولايات المتحدة واستراليا وكندا والصين ودول الاتحاد الأوروبى بأكمله.
اعتبرت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الغذاء والزراعة للأمم المتحدة هذه الصبغة غير آمنة لتلوين الأغذية منذ عام 1973 وذلك لسميتها الشديدة.
الخلطة السرية
على رغم من أن تدميس الفول أصبح شيئا سهلا بالنسبة لكثير من ربات البيوت إلا أن أصحاب المطاعم يخفون من الحسد ويحتفظون بسر المكونات الخاصة لانفسهم بزعم أنها «الخلطة السرية» التى يضعونها للفول ويرفضون دخول أى شخص لمطبخ المطعم الذى يتسم بالخصوصية وثار محمد عبدالرحمن بشدة عندما تسللت إلى الداخل لأراقب المواقد المتراصة فى شريط متتال بمواقد غاز تسحب من أنبوب كبير وترص فوقها خمس قدور مغلقة وقريبا منها حوض ماء كبير وبجانبه مفرمة الطعمية، وقد أسودت عليها بقايا الفول المدشوش.
أجابنى قائلا: فى رمضان الفول أكثر إقبالا من الطعمية وتتضاعف فى وجبة السحور خصوصا الطعمية مطلوبة للإفطار والمطاعم تكون على أهبة الاستعداد إذ تبدأ من بعد الظهر حتى آذان الفجر، وتكون الذروة فى العشرة الأخيرة من رمضان ، ويقبل فيها الشباب على تناول وجبة الإفطار الشهية الجماعية أما ذروة العمل فتكون فى بيع فول السحور ما بعد صلاة العشاء وحتى قرب الفجر.
عربة الفول
تعد عربة الفول مصدر رزق لكثير من الناس يبدأ عمل صاحب العربة مع بزوغ الفجر فى غير أيام رمضان يقول محمد عبدالقادر «صاحب عربة فول أمام أحد المستشفيات» إن العربة هى التى تفتح بيته وأضاف أن زبونه دائم ويتردد عليه نظرا لطعم فوله الذى لا يقاوم وأضاف أن أكبر الأخطار التى تواجهه هى «كبسة شرطة المرافق» فإذا أخذوا العربية والقدرة فإنه سيفقد مصدر رزقه الوحيد وأكد أنهم مع الشهر الكريم يكونون أكثر رفقا بنا خصوصا أن أصحاب هذه العربات يتجولون لمدة ساعتين ما بين المغرب والعشاء لبيع مافى قدورهم  من فول.
وأضاف آخر أن أكثر الأشياء التى تهدد عمله هو ارتفاع أسعار الخامات مما يجعله يقوم برفع أسعار الوجبة فبعد أن كان طبق الفول بجنيهين اضطر الى رفع سعره الى أربع جنيهات نظرا لارتفاع سعر الفول من 400 جنيه للاردب إلى أكثر من ألف جنيه بالاضافة إلى ارتفاع سعر الغاز مما يجبرنا على رفع الأسعار.