الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

عودة «راعى البقر» الأمريكى لأرض الرافدين




عاد راعى البقر الأمريكى مرغمًا للمغامرة العراقية فقد كشف فشل حكم المالكى- صنيعة الأمريكان - فى الحفاظ على وحدة العراق وأمنه حجم المأزق الأمريكى فى بلاد الرافدين والمنطقة بأكملها.    
ورغم المآخذ على السياسة الخارجية للرئيس الأمريكى باراك أوباما وتراجع نفوذه وخاصة فى دول الشرق الوسط عقب ثورات الربيع العربى وتباعاته،إلا أن المراقبين يعتبرون أن الأزمة العراقية جرت أمريكا مرة أخرى بقوة إلى فلك الشرق الأوسط.
وكان لوقع وتيرة أحداث العراق المتصاعدة، وقع الصدمة على الإدراة الأمريكية، مما دفعها إلى مناشدة عدة مراكز بحثية ودراسات think tank  أن تقدم لها المشورة فى استراتيجية مواجهة واشنطن للوضع المتردى فى العراق وقدم المركز الليبرالى للتقدم الأمريكى القريب من دائرة صنع القرار فى البيت الأبيض نصيحة جوهرية لأوباما مفادها ضرورة توجيه ضربة جوية أمريكية لمعاقل تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام.

وفى ورقة بحثية للمركز الأمريكى للدراسات السياسية والاستراتيجية (CSIS) نشرها فى أواخر يونيو الماضى بشأن الخطوة الأمريكية القادم تجاه العراق، خاصة مع ما أرسلته إدارة أوباما من إشارات قوية على وجوب رحيل نورى المالكى الذى تلطخت أركان حكمه بالفساد وتأجيج النزعة الطائفية بين السنة والشيعة وساعد على بذر نواة انفصال تركمستان العراق.
ويطرح الواقع العراقى الجديد وإعلان دولة الخلافة الإسلامية أسئلة أمام مراكز البحوث والدراسات السياسية فى العالم بوجه عام وعالمنا العربى بوجه خاص، مثل ما حجم الدور الأمريكى فى خريطة الشرق الأوسط الجديدة التى يعاد تشكيلها، والتى كشفت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية فى سبتمبر 2013، ما أسمته خريطة الشرق الأوسط الجديدة تظهر تقسيم 5 دول في المنطقة إلى 14 دولة؟ وما المستقبل المنظور للدولة العراقية فيها؟
وأشارت الصحيفة إلى إن الشرق الأوسط يمثل محورًا جوهريًا من الناحية السياسية والاقتصادية فى النظام العالم الجديد.
فالعراق حسب حلم الشرق الأوسط الجديد تذوب كثير من حدودها داخل جيرانها من دول المنطقة مثل إنضمام مناطق الأكراد فى الشمال إلى أكراد سوريا، وتنضم العديد من المناطق المركزية التي يسيطر عليها السنة إلى السنة في سوريا، ويصبح الجنوب خاصا بالشيعة.
الخريطة الجديدة تطرح تقسيم سوريا 3 دويلات مثلما تفترض الدراسات الاستراتيجية، وهى الدويلة العلوية التي تسيطر على الممر الساحلي، والدويلة الثانية كردستان السورية التي يمكن الاندماج مع أكراد كل من العراق وتركيا وهو ما تبلوره توسع كردستان العراق وضمها كروك إليها أواخر يونيو الماضى، أما الثالثة فهي الدويلة السنية التي يجمع معها وسط عراق ذى الأغلبية السنية؟
ويبرز سؤال مهم، ما الخيوط التى تجمع بين كنوز النفط فى المنطقة خاصة فى السعودية وليبيا والعراق بالمراهنة على تقسيم المملكة لخمس دويلات هى السعودية الشمالية، والشرقية، والغربية، والجنوبية، والدولة الوهابية، وليبيا لثلاثة هى طرابلس وبرقة، وفزان؟
أما الدولة الأخيرة حسب الصحيفة الأمريكية فهي اليمن، وتم تقسيمها إلى دويلتين، واشارت إلى أنه من الممكن أن يصبح جزء من اليمن جزءا من دويلة السعودية الجنوبية.
وتحظى تلك الخريطة بتأييد صناع القرار الأمركيين ولدى الدوائر الغربية رغم ما تظهره الواجهة الدبلوماسية، حيث يكرر وزير الخارجية جون كيرى أن بلاده ملتزمة بوحدة العراق.
 إلا أن ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أكد فى كتابه كتاب “حرب الضرورة، حرب الاختيار: مذكرات حربين في العراق” أن سايكس بيكو جديدة” ستنقذ بلاده من ورطتها المتفاقمة في العراق وترددها في سوريا.
 وقال: “الشيء الوحيد المؤكد أن الشرق الأوسط القديم يؤول إلى التفكك. والسؤال هو متى يأخذ مكانه الجديد”، وأرجع الدبلوماسى الأمريكى ذلك إلى احتلال أمريكا للعراق وإسقاط نظام صدام حسين وتفكيك الجيش والدولة العراقية، وإطلاق يد شيطان الطائفية فى تمزيق البلاد.
كما أن التعثر الأمريكى على خريطة العالم العربى والشرق الأوسط الجديد يثير قلقا كبيرا من انقضاض الدب الروسى والباندا الصينية على مناطق نفوذ أمريكا من خلال صفقات السلاح لتعود قصة الحرب الباردة تترد فى بقاع الكرة الأرضية من جديد.
أشواك فى وجه أوباما
 أفردت دراسة المركز الأمريكى للدراسات السياسية والاستراتيجية (CSIS) مجموعة من العوامل التى تضيق الخناق على الدبلوماسية الأمريكية فى خياراتها أمام واقع العراق المأسوى. حيث أثارت الورقة قضية مهمة أن إدارة أوباما لن تستطيع إعادة عجلة الزمن للوراء أو ترميم الدولة العراقية المنهارة.
وكذلك أشارت إلى خطر أن يهرع نظام المالكى إلى أحضان إيران ويشهر أمام العالم ورقة علاقة الشيعة العراقيين بإيران، مع أن واشنطن سعت بكل الوسائل لجعل العراق فى ظل حكم المالكى كمنطقة عازلة لها أمام دولة آيات الله فى طهران، مما يعنى نفوذًا أكبر لطهران فى المنطقة.
ويشهر المالكى المالكى فى وجه واشنطن سلاح علاقة بغداد بموسكو وامكانية استيراد الأسلحة والطائرات من روسيا المالكى يشهر أيضًا فى وجه واشنطن سلاح علاقة بغداد بموسكو وامكانية استيراد الأسلحة والطائرات من روسيا وقد تم تنفيذ ذلك على أرض الواقع، حيث أعلنت وزارة الدفاع العراقية الأسبوع الماضى عن بدء تحليق طائرات “سوخوي” الروسية المقاتلة  في سماء بغداد  لتعزيز القدرة القتالية لقوات المالكي.
كذلك تعرقل علاقة الولايات المتحدة الاستراتيجية مع دول الخليج العربى خطواتها فى اتخاذ القرار وتجعل واشنطن كمن يسير على حبل مشدود فى الهواء إن هى دعمت الشيعة العراقيين ضد السنة فلابد أن يثير ذلك حساسيات مع دول الخليج ذات الأغلبية السنية
أيضًا، هناك عامل الأكراد وتوسعهم السرطانى بشكل خطير، ودخول طرف أقليمى هام وهو تركيا فى خط المواجهة معهم، فالمثير للسخرية أن أنقرة قد تعتبر دولة كردستان العراق مفيدة لها رغم حربها الطويلة ضد أكراد تركيا. فتلك الدولة الوليدة من الناحية الجغرافية تمثل جيبًا معزولاً بينها وبين العراق كما أنها منطقة غنية بالبترول والموارد
ويذكر أن تركيا كانت تسيطر على تلك المنطقة وكثير من أكراد تركيا يعتبرون بغداد سلبتها منهم عقب الحرب العالمية الأولى، ينحصر دور أمريكا فى المراقبة فقط بينما يضمون كركوك إليهم ويعدون العدة لإعلان الدولة التركية فى احتفال ضخم.
وتخلص الورقة أن هذه العوامل من شأنها ألا تترك أمام الولايات المتحدة مساحة كبيرة للمناورة... وقد تحصر تحركها بضربة جوية ضد دولة الخلافة الإسلامية الجديدة.
إيران ودبلوماسية الجزرة
من الخيارات القليلة المطروحة أمام أوباما إذن هى اللجوء لأحد محاور الشر فى النظام العالمى وفقًا لتصنيف الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة جورج بوش الأبن، ألا وهى إيران، مع ما يحمله فى طياته من مخاطر،
وترى الوثيقة أن واشنطن لن تستطيع الوقوف فى خط واحد مع طهران فى مواجهة دولة الخلافة الإسلامية إلا إذا مارست دبلوماسية الجزرة والعصا معها ولن يكون أمامها سوى الجزرة فقط، حيث ستمنح إيران امتيازات عسكرية على الأرض، خاصة مع الإتجاه لأن تنأى واشنطن بنفسها عن التدخل المباشر فى العراق والتركيز على الضربات الجوية خاصة بطائرات بدون طيار.
يحمل ذلك الخيار فى طياته بذور أن تستغل إيران الموقف لصالحها وتعمد إلى جعل العراق دولة تابعة لها، والأهم تستفحل الهيمنة الإيرانية وتمثل تهديًا لدول الخليج خاصة الكويت والسعودية وكذلك الأردن... كما قد تشكل تهديدًا لحركة صادرات النفط عبر الخليج العربى.
فى الخاتمة نصحت الدراسة أوباما باستخدام القوة الجوية والصاروخية فى الصراع العراقى بحذر شديد معتبرة إن ذلك التدخل هو الحد الأقصى المسموح للتدخل الأمريكى فى العراق مرة ثانية. على أن يتم توجيه الدعم الجوى للعراق فى حدود ضيقة بحيث لاتستعدى سنة العراق من غير المنضوين تحت لواء تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام.وحذرت أيضًا من اللجوء بأى شكل من الأشكال إلى إرسال قوات أمريكية برية للعراق.
وطالبت الدراسة من إدارة أوباما بأن تستخدم شحنات الاسلحة الامريكية والقوة الجوية والصاروخية فقط لتأمين مصالحنا الحيوية في الخليج خاصة ضمان تدفق الصادرات النفطية قائل: بالنص” يجب ضمان تدفق النفط إلى العالم واقتصادنا”.  
وتركز التوصية التى قدمها المركز الليبرالى للتقدم الأمريكى لإدارة أوباما بشأن التدخل الأمريكى فى العراق على توجيه ضربة جوية محدودة فقط.
ويعد المركز الذى يعمل فيه كخبراء عدد كبير من مساعدى الرؤساء الأمريكيين ويتمتع بعلاقات وثيقة لدى قاطنى البيت الأبيض، وطالب خبراء المركز فى تقرير تم رفعه لأوباما منذ بداية الأزمة ضورة استعداد وزارة الدفاع الأمريكية” البنتاجون” والخارجية الأمريكية لخيار الضربات الجوية.
وقال التقرير” الاستعداد لعمليات محدودة مضادة للإرهاب ضد تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام، بما فيها من ضربات جوية”.
وقال بريان كاتوليس، أحد مؤلفى التقرير وكبير المستشارين فى المركز:“ تدرس الادارة بحكمة جدا مجموعة من الخيارات، وقد  حاولنا تحقيق التوازن الصحيح “.
وأشار إلى إن إدارة أوباما تريد تقديم المساعدات العسكرية للحكومة العراقية بقيادة نورى المالكى، ولكن يشترط لدعم المالكى أن تؤدى تلك المساعدات إلى إحراز تقدم نحو المصالحة بين الشيعة والسنة.
فى الختام طالب التقرير اعتبار عمليات تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام – قبل أن تطلق على نفسها الخلافة الإسلامية- بمثابة جرس إنذار للحكومة العراقية، وللمنطقة، وللسياسة الخارجية الأمريكية.”
وحذر المركز البيت الأبيض من أن الضربات الجوية لن تكون حلا كاملا ونهائيًا لمشكلة تنظيم الدولة الإسلامية  أو للعراق، مطالبًا  بضرورة اتخاذ واشنطن لتدابير سياسية ودبلوماسية أخرى لإصلاح الانقسام الطائفي في العراق.
ويقارن كاتوليس بين الضربة الجوية الأمريكية المحتملة الأن وعمليات حظر الطيران الجوى فوق العراق إبان إدارة كل من بيل كلينتون وجورج بوش والمعروفة باسم “عملية المراقبة الشمالية” ويقول أن الضربة المحتملة حاليًا يجب أن تكون محدودة للغاية فى الأهداف المضادة بحيث تقتصر على أهداف التنظيم فقط، وكذلك فى الوقت الزمنى بألا تكون مفتوحة.
وأوضح التقرير لإدارة أوباما أنه لابد أن تقتنع أن طبيعة العملية العسكرية المحتملة فى العراق يجب ألا تنبع من مبدأ المعادلة الصفرية فى الحرب بمعنى أنه ليس هناك خاسر او منتصر فى ذلك الصراع. ويجب أن تركز واشنطن على تقليم قوة تنظيم الدولة الإسلامية عسكريًا والجماعات المتطرفة الأخرى التى تهدد العراق والأمن الوطنى الأمريكى.
ويجب ألا تستخف الولايات المتحدة بأى تدخل عسكرى فى العراق وتضع نصب عينيها العواقب. ونوه التقرير إلى ضرورة تجنب إنزال قوات برية أمريكية فى العراق وإعادة غزوها من جديد حفاظًا على المصالح الأمريكية وحلفائها من عمليات انتقامية لتنظيم الدولة الإسلامية وأنصارها فى المنطقة، خاصة مع تغلغلها السريع فى مناطق واسعة بالعراق وسوريا.  
وفى الختام، يحذر التقرير من أنه بانتهاء الضربة العسكرية المحدودة فى العراق، لن ينتهى الخطر فلايزال تنظيم داعش لم يمس فى سوريا، ويوصى بضرورة زيادة الدعم لقوات المعارضة السورية المعتدلة ضد نظام بشار الأسد فى صورة تدريب مقاتليها و تزويدها بالمعدات العسكرية، وهو الأمر الذى تجنبته إدارة أوباما طوال 3 سنوات.
وأشار التقرير إلى أن الأموال اللازمة لذلك يجب أن تكون من أموال صندوق مكافحة الإرهاب الجديد، البالغ حجمها خمسة مليارات دولار، والذى أعلن أوباما عن إنشائه منذ أسابيع قليلة.