الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فؤاد قنديل: فساد «الثقافة» عرض مستمر




رغم توجهنا له لسؤاله-فى الأساس- حول كتابه الأحدث «طيور الجمال والحرية» الصادر عن دار الهلال، فإن الكاتب الروائى والناقد الأدبى فؤاد قنديل، أبى إلا أن يأخذنا فى رحلة فى كواليس وزارة الثقافة، امتدت بطول عمله بالوزارة الذى يصل لأكثر من أربعين عاما، كشف لنا خلالها كما هائلا من نماذج الفساد وإهدار المال العام، والبيروقراطية التى تضرب بجذورها فى وزارة من المفترض أنها المسئولة عن تثقيف هذا الشعب وتشكيل فكره.

كما شدد على أنه ورغم إيمانه الكامل بحرية الفكر، فإنه يرفض التوسع فى سرد التفاصيل فى المواضيع الجنسية مفضلا أن يكون تناول الجنس بالتلميح وليس بالتصريح، كما أكد على اقتناعه وموافقته على ما فعله جمال عبدالناصر من قمع للإخوان المسلمين فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، ووصفه بـ«القمع الإيجابى»، كما سجل اعتراضه على تدخل القضاء فى القضايا الأدبية والإبداعية، وتقييم الأعمال الأدبية، مطالبا بأن يكون المسئول عن تقييم الأعمال الإبداعية هم الأدباء والمتخصصون.


■ حدثنا عن كتابك الجديد «طيور الجمال والحرية»


- جمعت فى الكتاب أكثر من 25 مقالا عن كتاب وشعراء مصريين وعرب وأجانب، بعضهم حصلوا على نوبل، ومنهم: كازانتزاكيس، ونجيب محفوظ، ولوركا، ويوسف إدريس، ومندور، وبودلير، ودرينى خشبة، وكريلوف، والأبنودى، وألبير قصيرى، والشرنوبى، ووفاء وجدى، وسامى خشبة، وكلود سيمون، وعزيز فهمى، وحسن فتح الباب، وشريفة فتحى، ويونج شانج، وعلى شلش، ورجاء النقاش، وبهاء طاهر، وداريو فو، وصبرى موسى، وسليمان فياض وغيرهم.


وما يجمع هؤلاء المبدعون أن جميعهم كانوا ينتصرون للحرية فى كتاباتهم، بالإضافة إلى اتسام كتاباتهم بالجمال جمال اللغة، جمال الموضوعات، جمال التقنية، جمال الرؤية للعالم.


رغم أنه ليس كتابا إبداعيا فى مجال السرد والرواية فإن صدور هذا الكتاب اسعدنى لأنى كتبت رؤيتى عن هؤلاء الكتاب، ومثل هذه النوعية من الكتابات لهؤلاء الكتاب تخدم الإنسانية والبشرية لتخرج من الظلام إلى النور ومن العبودية إلى الحرية، كتابتهم دافعت عن الحرية، وفى نفس الوقت ضحت من أجل الحرية، مثل بهاء طاهر وعزيز فهمى ومحمد مندور ورجاء النقاش وعلى شلش قضوا حياتهم دفاعًا عن الحرية.


 ■ دائما نشهد صراعا بين المثقف والسلطة حول مطلب الحرية فهل مطلب الحرية يعد أزمة تراكمية وتاريخية؟


الحرية فى أساسها أزمة ثقافية تنحصر فى منطقة السلطة، السلطة فى العالم العربى جميعها إلا أقل القليل كانت دائما جاهلة ومفتقدة الثقافة، الصراع مع السلطة وصل إلى حد إبعاد المثقف والتخلص منه بالإقصاء أو بالسجن أو الاعتقال، كم من مثقف طالب بحرية الفكر والرأى، وكان مصيره الحصار والحرمان والتآمر السرى والنفى خارج البلاد، وتم ذلك فى أزمنة تاريخية قد يرجع هذا الصراع لعصور قديمة، لأن السلطة تعتبر المطالبة بالحرية كالمطالبة بالفوضى، وتتعارض مع استقرار السلطة والحاكم، لذلك الصراع ربما سيظل مستمرا بين المثقف والسلطة حول مطلب الحرية، المثقف يمثل عبئا على السلطة، رغم أن مطالبات المثقفين بالحرية والكرامة والعدالة ليست لأنفسهم بل لكل الشعب، ولهذا الثورات العربية خلصتنا من بعض التراكمات السلبية.


■ ما رأيك فى مواد الحريات فى الدستور الجديد؟ وهل تراها تكفل للمبدع الحرية المطلقة أم مازالت هناك قيود؟


- فى الدستور الحرية مكفولة للجميع فى إطار القانون، وهذا يعنى أن البعض من حقه أن يتقدم ببلاغات للنيابة ضد الإعمال الإبداعية بجحة أن بها بعض التجاوزات، والنيابة تحيل البلاغ إلى القضاء، لكن الأهم من البلاغات هى التجاوزات التى تحتاج إلى رفع قضايا، ومن الذى اعتبرها تجاوزًا، ومن الجهة التى يجب أن تكون منوطا بالتحقيق فى البلاغات؟ وما معيار التقييم والتحكيم بالعمل؟ كل هذه الأسئلة تمثل قيودا على الحرية فى الإبداع، فلمن يجب أن يكون الحكم والتقييم فى قضايا الفكر والإبداع؟ هل يعتمد على المتخصصين فى الأدب أم على رأى القاضي؟ يجب أن يلجأ القضاء فى هذه الحالة للأدباء المتخصصين، كما يلجأ إلى المهندسين وخبراء لتحديد أسباب سقوط المبانى، أو للأطباء لتحديد أسباب وفاة مريض أثناء العملية، فلماذا إذا فى قضايا الأدب لا تتم الاستعانة بالأدباء أصحاب الخبرة.


والجهات والمؤسسات الثقافية التى يجب أن تكون متخصصة فى قضايا الأعمال الأدبية هي: لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، ولجنة الشعر، ولجنة الدراسات الأديبة، ودار الكتب، ونادى القصة، واتحاد كتاب مصر وغيرها، ومن يكتب التقرير يتحمل المسئولية فنيا وتاريخيا.


■ إذن أنت مع الحرية المسئولة فماذا عن التابوهات (السياسية والجنس والدين) هل التعرض لها بالكتابة محظور؟


- الكاتب او الروائى حر حرية مسئولة، المجتمع كله فى رقبته، نساؤه وأطفاله وقيمه الاجتماعية وحقوقه الإنسانية فى رقبته، الكتابة حول (السياسية أو الجنس أو الدين) يجب أن تكون مقننة، العبارات والوصف والصياغة الأدبية، وأن يكون السرد فى الجنس أو الدين أو السياسية له مبرر وموظف ودون مبالغة أو استعراض أو استفزاز أو إغواء، بمعنى لا داع للاستفاضة فى كتابة الجنس يكفى التلميحات دون التفاصيل، وأن تكون فكرة الجمال مهيمنة ومسيطرة فى النص الأدبى لاستماع القارئ، على أن يكون القارئ مشارك بالخيال والفكر وفى الحلول النهائية وطرح الاسئلة فى العمل الروائى.


لكن كاتبة «الايروتيكا» أو كتابة «الجنس» فى العمل الأدب تسببت فى أن الآباء والأمهات منعوا أولادهم عن القراءة من حوالى 30 سنة، وهذه الموجة بدأت تزيد فى الفترة الأخيرة، هنا يفضل أن يكون العمل الأدبى فيه قدر من «التلميح» وليس «التصريح»، ومن جانب الدين ما الداعى للجدل مع الأنبياء محمد عليه السلام أو عيسى عليه السلام، أقول للكتاب والروائيين لا تنشغلوا بما فى السماء بل انشغلوا بما يجرى على الأرض.


■ هل تعرض أحد أعمالك الأدبية للمنع من النشر؟


- كم عانى الكتاب والروائيون من عمال المطابع فى المؤسسة الرسمية، فى الهيئة كانوا يقومون بدور الرقيب ويتسببون فى تأخير الطبع، كان بعضهم يعمل جواسيس لأمن الدولة يبلغون السلطة والنظام عن الأعمال الأدبية ومحتواها قبل إصدارها، وقد حدث معى فى رواية «قبلة الحياة» التى صدرت عام 2003، فقد رفض هذا العمل لأن العمال أبلغوا السلطة وكنت قد كتبت فى هذا العمل هجوما مباشرا على حسنى مبارك وفتحى سرور رئيس مجلس الشعب وصفوت الشريف وزير الاعلام، وكتبت عنهم بأسمائهم الحقيقية فى آخر رواية «قبلة الحياة» تنبأت بقيام ثورة شعبية وكتبت فيها أن وزير الداخلية حبيب العادلى سوف يخطف حسنى مبارك، وذكرت أن الأموات السابقين سوف يقومون للمشاركة فى الثورة.


■ فى رأيك أى فترة من تاريخنا شهدت تحقق مطلب الحرية ولو بنسبة محدودة مقارنة بما نحن فيه اليوم؟


- فى فترة السبعينيات طالب المثقفون بالتغيير، ولكن أغلبهم هاجروا وسافروا للخارج، بعد أن أرهقهم نظام السادات، أما فى فترة الستينيات كان يوجد بعض حالات القمع، انما كان «قمعا إيجابيا» ورضى عنه الشعب، هو ما فعله جمال عبد الناصرعام 1954 مع جماعة الإخوان المسلمين، وانا بشكل شخصى راض تمامًا ومقتنع بهذا القمع، لأنى عاصرت وعشت هذه الفترة عن قرب، حيث كان أخى الأكبر عضو بجماعة الإخوان المسلمين وانشق عنهم، وشاهدت واطلعت على قوائم تدمير مصر التى أعدوها، مخططاتهم السابقة تتشابه طبق الأصل مع ما عاشته مصر فى السنوات السابقة، وهى التغلغل فى مؤسسات الدولة وزرع أعضاء الجماعة، تدمير جميع الكبارى، حين وكانوا قد طالبوا من جمال عبد الناصر الحصول على «نص الوزارة».


استعجب من الذين يطالبون بالحرية للإخوان، أقل ما يجب أن نفعله مع الإخوان أن تمر عليهم الدبابات، مثلما فعلوا معنا إطلاق النار وحرق وتدمير، وكل يوم يسقط شهيد ضحية فكرهم المتطرف، اى حرية الذين يطالبونها لهؤلاء، ونرفض التدخل فى أحكام القضاء، القضاء المصرى لا يحتاج منا إلى أن نصحح له أحكامه، القضاء المصرى مستقل وجدير بالتقدير.


■ دائما ما نطالب بإلغاء وزارة الثقافة، فما أسباب هذه المطالبة وما البديل عنها لو تم إلغاؤها؟


- وزارة الثقافة بوضعها الحالى ملك المثقفين وليس ملك الحكومة، انما معظم ما يحدث فى وزارة الثقافة هو تبديد للأموال وقد طلبت على مدى عشر سنوات والى اليوم اكرر طلبى بإلغاء وزارة الثقافة، لأن المهيمنين على وزارة الثقافة والمهرجانات والمؤتمرات والاستشاريين كثيرا جدا والفساد وإهدار المال العام مستمرين، لكن لا يوجد منجز حقيقى، وحتى جوائز الدولة ليست من ميزانية وزارة الثقافة وإنما من أموال الدولة، القطاع الخاص يحل مكان وزارة الثقافة، كل هذه الفعاليات يمكن أن ينفذها القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى، بأفضل من وزارة الثقافة وبعشر المبلغ.


وزارة الثقافة تنفق مما يقرب من ثلث مليار فى السنة منها 70% مرتبات وأجور ومستشارين، و20% إنشاءات و10% للنشاط، وتبدل النسب بحسب احتياجات القطاعات، وهذه الإحصائية أقدمها من منطلق عملى لمدة 42 سنة فى وزارة الثقافة، إنفاق لا حدود له، معظم العاملين فى وزارة الثقافة ليس له علاقة بالثقافة، وبعضهم منفرين فى أسلوب التعامل وليسوا كوادر أو كفاءات، وأيضا المديرين حتى لو كانوا لهم خبرة وكفاءة فتحكمهم الشللية والمحسوبية.


■ هل يمكن أن تذكر لنا نماذج لإهدار المال العام الذى تتحدث عنه فى وزارة الثقافة؟


- مثلا «لجنة الجوائز» عملها مستمرة طول العام، ويصرف لها رواتب مع أن عملها مرة واحدة فى السنة، حين يطلب منى تحكيم مسابقة فى أى دولة خارج مصر نستدعى قبل المسابقات بأيام إلى يوم التحكيم وينتهى الأمر، إذا فما الداعى لوجود لجنة طول العام! قصور الثقافة فيها 17 ألف موظف، قصور الثقافة كمبانى ثمنها 20 مليار واكثر، وتضم 20 موظف على درجة وكيل وزارة.


هذا عبث وإهدار المال العام، فكثرة الموظفين والرؤساء وتداخل الاختصاصات يعرقل العمل ويرسخ للبيروقراطية، اما مخازن الهيئة فكل الكتب بها مهدرة، بسبب سوء الحفظ والتخرين والفئران تمزح وتمرح بها، مع تقديرى الكامل لوزير الثقافة لدكتور جابر عصفور، وهو قامة فكرية كبيرة لها مصداقيتها، ربما يمكنه أن يجدد فى بعض الأمور التى لم تتجاوز نسبة 30% من المأمول، الوزارة تفتقد الفلسفة واستراتيجية ورؤية، الأمل محدود فى التغير


■ على من نحمل مسئولية التثقيف للمجتمع؟


ـ وزارة الثقافة ليست المسئول الأول عن التثقيف، وكنت قد ذكرت من فترة طويلة أن التثقيف لابد من تعاون الوزارات كلها مع بعض، وفوجئت أثناء لقائنا مع السيسى أن الدكتور جابر عصفور ذكر أن للتثقيف الشعب لابد من تعاون اربع وزارات مع وزارة الثقافة وزارة التربية والتعليم وزارة الشباب مع وزارة الأوقاف مع الإعلام، خاصة وزارة التربية المثقف الأول من خلال الخطابة والفن والموسيقى وتكوين الشخصية، ساقية الصاوى تقدم افضل من 20 قصر ثقافة، هى أفضل نموذج لوجود للثقافات كلها متجمعة فى مكان واحد.


■ ما رؤيتك لثورة 25 يناير و ثورة30 يونيو؟


- ثورة 25 يناير 2011 هى «ربع ثورة» انتفاضة، وثورة 30 يونيو هى «نص ثورة»، يبقى أمامنا تحقيق مطالب الثورة والنهوض بالمجتمع والتطور لتصبح ثورة كاملة واستكمال الاستحقاقات.


■ ما انطباعك عن الرئيس عبد الفتاح السيسى أثناء لقائك به قبل الانتخابات وما تقييمك له الآن؟


- تحدثت معه فى اللقاء وقلت: «حتى لو نجحت فى الانتخابات فهذا لا يعنى أنك سوف تنجح كرئيس جمهورية، العبرة بالحاشية، كم من حاشية أطاحت بالرؤساء اختار أفضل ناس عندها ضمير وفريق عمل كفاءة، كلنا مثقفون متفرغون شغلتنا تأمل الرؤساء والحكام»، وقرر الرئيس أن اللقاء سوف يكون لقاء دورى وسيكون الساعة 6 صباحاً.


لن يحدث تقدم وتغير لمصر بدون القدوة الذى قدمها السيسى وبدأ بنفسه، والأمر الثانى الضمير، وعدم التدخل فى أحكام القضاء ولا أحد يطالب السيسى بالإفراج عن أى شخص نحترم القضاء، وأرى أن السيسى يجتهد بكل طاقاته لتحقيق مطالب الشعب، مثلما قدم جمال عبد الناصر بعد ثورة 23 يوليو انجازات حقق بها للشعب مطالبه.