السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صناع الدراما: تراجع إنتـاج الدولـة وراء اختفاء الأعمال الدينية




تحقيق ــ آية رفعت

للعام الثالث على التوالى تغيب الدراما الدينية عن الشهر الكريم وذلك رغم وجود ما يزيد على 60 مسلسلا تتنوع ما بين الاكشن والدرامى والاجتماعى والكوميدي، ولكن عزف صناع الدراما عن تقديم الأعمال الدينية بشكل ملحوظ مما جعل الجمهور يتناسى الأعمال التى كانت تعرض بشكل سنوى وينتظرها الجمهور فى رمضان من اعمال تتناول الشخصيات الدينية والحقبات الإسلامية المختلفة، وقد كان اختفاؤها تدريجيا فى السنوات الماضية حيث كان يتم انتاج مسلسل واحد ويعرض فى مواعيد لا تحظى باى نسبة مشاهدة وهذا بسبب عدم دخول هذه النوعية من المسلسلات فى التنافس على الاعلانات مما يتسبب فى قلة اقبال القنوات الفضائية عليها. حيث كان «الامام الغزالى» للفنان محمد رياض أخر المسلسلات وتم عرضه فى عام 2011.


وعن اسباب اختفاء هذه النوعية من الدراما والتى تعرف الناس بالتاريخ الاسلامى قال الفنان حسن يوسف ان هذا الامر غريب لان مصر تعد من اهم الدول الإسلامية فى المنطقة العربية ويجب علينا تقديم ما لا يقل عن مسلسلين عن الشخصيات الدينية والعهود الإسلامية المزدهرة ، وذلك لانها اعمال تحتوى على الجانب الدينى والدرامى الاجتماعى فى نفس الوقت. واضاف قائلا: «يبدو ان الفترة التى كنا نهتم فيها بانتاج المسلسلات الدينية لم تكن سوى لرغبتنا فى اثبات ذاتنا والحفاظ على مكانتنا الدرامية أمام نظيرتها السورية حيث كانت دولة الشام تنتج اعمالا دينية وتاريخية اسلامية على اعلى مستوى وامكانيات، ورغم انهم كانوا يملكون الابهار فى الامكانيات الا اننا كنا نتفوق عليهم تمثيليا وموضوعيا ولكن دون وجود ميزانية جيدة تخصصها الدولة. والمشكلة من وجهة نظرى فى تقلص دور الدولة فى الانتاج الفنى لان المنتج الخاص والفضائيات لن يهتموا بتقديم اعمال دينية لعدم وجود عائد لها فى الاعلانات باستثناء مسلسل مثل «امام الدعاة» الذى قدمته عن الشيخ الشعراوي».


وأضاف يوسف انه يرى انتاج هذه الأعمال مهمة الدولة بشكل اساسى ولكن المشكلة ان المنظومة غير منسقة ولا يهتمون بالخسائر وينتظرون توزيع الميزانية المخصصة للانتاج على كل المسلسلات ويخصصون الفائض منها فقط للانتاج الديني، كما انهم لا يهتمون بمدى الخسائر التى يتم تسجيلها لانهم يفتقدون آليات التسويق الصحيحة مما يجعل المسلسل يحقق خسائر ضخمة واستشهد فى كلامه بالخسائر التى حققها آخر اعماله الدينية «الامام عبدالحليم محمود» والذى شاركته صوت القاهرة انتاجه وحقق لها خسائر 8 ملايين جنيه بينما هو خسر 2 مليون.. مؤكدا انه كشخص مستقل شعر بالخسارة الفادحة ولازال مديونا لبعض الاستوديوهات والاجهزة الكهربائية التى تم استخدامها بالتصوير آنذاك، بينما الشركة بها موظفو الدولة ويأخذ كل فرد منهم راتبه كاملا وكل الخسارة تتحملها الميزانية العامة للدولة دون ان يشعروا بمدى اهمية كل هذه الملايين المهدرة. واضاف يوسف قائلا: «اعتقد ان فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى الرجل الذى يتحدث بالخلق والدين فان عصر المسلسلات الدينية سوف يعود ولكن يجب اولا تجديد قطاعات الانتاج الحكومية وتطويرها بما لا يحقق خسائر. وقد كنت متفقا مع مدينة الانتاج الاعلامى على تقديم مسلسل «الامام محمد الغزالي».


بينما ترى الفنانة عفاف شعيب ان اختفاء النزعة الدينية من داخل الناس هو السبب فى اندثار مثل هذه الدراما الهادفة حيث ان المنتجين والموزعين والقنوات لا يهتمون بتقديم هذه الأعمال لعدم تحقيقها الربح الكافى لهم فلو كان لديهم نزعة دينية كانوا سيهتمون بتقديمها بدلا من الاهتمام بالموضوعات الاخرى.. حيث قالت: «كلهم اهملوا تناول القضايا الدينية والشخصيات من علامات الاسلام واكتفوا باعمال المساجين والحارات والبلطجية والمخدرات والاسفاف وكأننا نعيش فى هذا المجتمع فقط وهذه الأعمال تذهب للخارج ويعتقدون ان ذلك هو حالة مجتمعنا وأصبحنا لا نصدر افكار الخير والحب والجمال والصالح منا وكأن المنتجين كلهم يتاجرون باعراض الناس فقط ويتركون كل الأعمال الدينية. وقد كان الكاتب الراحل فؤاد رضا عرض على مسلسلا عن «اهل البيعة» منذ 5 سنوات قبل وفاته وقد قامت راوية بياض بشرائه منذ ذلك الوقت وحتى الآن لم يتحمس احد لانتاجه».


كما قال المخرج عمر عبد العزيز ان دور الدولة فى الانتاج لا يملكها الا الفضائيات ولكن كلنا لا ننظر إلى قيمة هذه الأعمال  ولكن الأهم هو انها تحقق ارباحا ام لا، واكد ان المشكلة فى المصريين حيث اصابتهم «خيبة» فى كل شيء ومنها الانتاج حتى وصل الامر إلى استيراد الأعمال الدينية من ايران، وأضاف: «شىء محزن ان يفتقر مبنى ماسبيرو العريق والذى كان يسيطر على العالم العربى بفنه واعلامه ويعجز عن انتاج عملين من اقل التكاليف من الممكن ان تقدمهما اى شركة انتاج صغيرة، حتى عندما قدم قطاع الانتاج اخر اعماله فى يالعام الماضى وهو مسلسل «اهل الهوى» لم يمنحنا مستحقاتنا المالية حتى الآن لانهم لا يجيدون التوزيع وبالتالى يظل العمل حصريا على شاشتهم فقط، فهذا ليس شيئا جيدا ان نصبح مغلقين على انفسنا وان نترك الكوادر الفنية ونستعين بنجوم عرب ليقدموا شخصيات ورموز مصرية مهمة فهذا افتقار فى رأيى. نحن حاليا فى مفترق الطرق وفى مرحلة حرجة بالبلاد فيجب ان نكون او لا نكون ويجب العمل على تحديث شركات الانتاج الحكومية ومحاكمة كل من يقصر فى عمله ويسبب الخسائر.»
أما الكاتب يسرى الجندى فقال ان المشكلة بدأت منذ سنوات تحديدا عندما تم تحول صناعة الفيديو الى تجارة بحتة تتحكم فيها الاعلانات، والتى اصبحت تتحكم فى الانتاج نفسه لان المنتج الخاص يجب ان يخضع لقوانين السوق ويقدم ما يحقق له الربح المادى من اعلانات تدخل للقنوات وهذا ما ترتب عليه عيوب كثيرة للدراما اهمها اهمال  الأعمال ذات القيمة والاهتمام بالموضوعات التى قد تجذب مشاهد الفضائيات والمعلنين فقط.. بالاضافة إلى ترسيخ فكرة النجم الاوحد والمتاجرة باسمائهم، حيث ان النجوم لا يلجأون كثيرا لمثل هذه النوعية من الدراما الدينية او التاريخية الا بعض النجوم الكبار القلائل مثل الفنان نور الشريف. وأضاف الجندى قائلا: «المشكلة ان هذه الدراما مكلفة ولا تعود بأرباح ولا توزيع وهذا ما يراه اغلب القائمين على الانتاج الخاص رغم ان الدراما السورية فى السنوات الماضية اثبتت عكس ذلك حيث كانت الدراما التاريخية والدينية الخاصة بهم يتم تسويقها على اوسع نطاق وتجنى ارباحا طائلة. وما زاد الامر صعوبة هو عدم وجود ميزانية للانتاج بالتليفزيون حيث ان الدولة هى الوحيدة المعنية بانتاج مثل هذه الأعمال لان المنتج الخاص لا يغامر بالدخول عكس متطلبات السوق ولكن التليفزيون حاليا ليست به ميزانية لانتاج مسلسل درامى اجتماعى بسيط فلن يستطيع تقديم الأعمال الدينية الا بعد عودة الانتاج الحكومى لرونقه».


بينما يرى الناقد محمود قاسم ان المسألة تتعدى فكرة التكاليف والاعلانات بل وصلت إلى حد الافتقار للموضوعات المهمة فالجمهور مل من الموضوعات العامة ومناقشة الاحداث الدينية التاريخية القديمة. ولعل الرقابة لها دور كبير فى اختفاء هذه الأعمال على حد قوله حيث قال: «الرقابة كبلت عددا من الافكار بمفهوم الحرمانية بينما فتحوا المجال امام اعمال مستوردة من بلدان اخرى مثل ايران والتى يتجسد بها الانبياء بوجههم وبدون اى مشاكل رقابية او دينية وتم عرضها واقبل عليها الجمهور ومنها مسلسل «يوسف الصديق» و«الفاروق عمر» وهذه هى فكرة الشيعة فهم لا يؤمنون باخفاء الوجه ويرو الانبياء اشخاصا طبيعيين يمكن تجسيدهم.. فالرقابة منذ قديم الزمن وحتى فى السينما وهى ضد حرية المبدعين من اجل المحظورات فى شخصيات الصالحين والصحابة والانبياء وغيرهم. فهى تقف قيدا للفنان وحتى الأعمال السينمائية الدينية لم يكن منها الجيد سوى القليل ومنها «الشيماء» و«هجرة الرسول» اما فى الأعمال الدرامية فافضل ما تم تقديمه بالأعمال الدرامية الدينية «عمرو بن العاص» للفنان نور الشريف والذى يعيد التليفزيون تقديمه حاليا. كما ان المؤلفين الحاليين يستسهلون بالنقل من اخبار الحوادث والجرائد لنسخ افكار جديدة بدلا من العودة للمراجع والكتب التاريخية والابحاث».