الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جمال سليمان: اخترت تقديم ناصر الإنسان.. لا التمثال




حوار- سهير عبدالحميد
 رغم توقعه الهجوم عليه إلا أن الفنان جمال سليمان قبل التحدى لتجسيد شخصية الرئيس جمال عبدالناصر فى مسلسل «صديق العمر» الذى اثار جدلا واسعا بمجرد عرضه على شاشة الفضائيات لتناوله فترة شائكة من المرحلة الناصرية والتى انهار فيها الحلم الرومانسى للمشروع الناصرى كذلك قصة الصداقة التى جمعت بين الرئيس عبدالناصر والمشير عامر.
جمال سليمان صاحب صلاح الدين وصقر قريش والتغريبة الفلسطينية فى حواره التالى تحدث عن تجربته فى مسلسل «صديق العمر».
■ بداية  هل أنت ناصرى؟
- لست ناصرياً، وليس بالضرورة ان اكون ناصرياً حتى أجسد شخصية جمال عبدالناصر. فالفن لابد أن يتمتع بنوع من الاستقلالية والموضوعية بعيدًا عن التحيز الدعائى والحزبى لوجهة نظر معينة. ولكن كونى لست ناصريا لا يعنى أبداً أننى معاد لأحلام ومبادئ المرحلة الناصرية لذلك عندما أقول بأننى لست ناصريا أقصد المعنى الحزبى للكلمة.
■ لكن البعض رأى أنكم فى هذا العمل كنتم منحازين لوجهة النظر التى تنتقد المرحلة الناصرية؟
- هذه رؤية الاخوة المتشددين فى التيار الناصرى وليست رؤية الجميع. أنا من الجيل الذى ولد أيام الوحدة بين مصر وسوريا ووالدى كان من المؤمنين بها وكان مع عبدالناصر قلبا وقالبا، وفى المقابل والدتى لم تكن مع الوحدة بين مصر وسوريا وهذا حال كثير من السوريين والمصريين ومنهم السيدة تحية كاظم زوجة الرئيس الراحل وأظن أنها ذكرت ذلك فى مذكراتها. هذا يدلنا على شيء مهم وهو أنه كان هناك عدة أصوات وليس صوتا واحداً. والذين لم يكونوا مع الوحدة ليسوا خونة ولا أعداء للأمة ولكن كانوا ضد الطريقة غير المدروسة لقيام مشروع كبير كهذا. وبالتالى كان الفشل هى حصيلتها. وهذا ينسحب على سياسات التأميم والإصلاح الزراعى فليس كل ناقد لها هو بالضرورة رأسمالى أو إقطاعى أنانى لا يملك حسا وطنيا ولا إنسانياً وبالتالى هو غير معنى بالفقر والظلم الذى يعيشه أبناء وطنه، وكل الذى يعنيه هو ثروته وترفه.
■ ومن خلال قراءتك فى المرحلة الناصرية ما أهم السلبيات والايجابيات  التى تراها فى هذه الفترة؟
- السلبيات لا تتعلق بالمبادئ والنوايا وإنما بالتسرع فى تطبيق هذه المبادئ. كنا نحتاج لآليات معينة حتى نضمن تحقيق هذه المبادئ. الدولة التى تريد بمركزية شديدة أن تتدخل فى آليات صناعة كل شيء بدءاً من الحذاء وانتهاء بالصاروخ فشلت فى الاتحاد السوفيتى وألمانيا الشرقية وليس فى بلادنا فقط. الدولة التى تفرط فى توسيع صلاحياتها لا تترك دورا للمجتمع وبالتالى تعفيه من مسئولياته، وتصبح هى المسئولة عن كل شيء بما فيه الخراب. والدولة التى تريد أن تفكر بالنيابة عن الشعب تجد نفسها فى النهاية تعمل بالنيابة عنه أيضاً، وهذا غير منطقى ولا طبيعى ولن تستطيع فعله.إن المركزية المفرطة للدولة كانت إحدى السلبيات الكبيرة بالمقابل يجب أن نتذكر ان عبد الناصر ومرحلته خاضا معركة الأوطان وسيادتها بكل شرف وتفان وإخلاص...جمال عبد الناصر وضع مصر ومعها الأمة العربية على خارطة السياسة العالمية كطرف فاعل ومؤثر بعد أن كانت تلك الأوطان مجرد مشاريع استثمارية استعمارية يتعامل معها المستعمر بكل خفة وتعال. مع المفكرين والمناضلين العرب كان لعبد الناصر فضل فى فكرة وجود مشروع قومى عربى تجتمع عليه كل الجماهير العربية حتى يتم التصدى للنفوذ الاستعمارى الذى حاول، وما زال، نزع هويتنا كأمة عربية فبعد قرون الظلم الاجتماعى والذل والخنوع جاء  المشروع الناصرى ليعطى الأمل للفقراء بان يخرجوا من عالم الحرمان والتهميش ليروا أبناءهم اطباء ومهندسين ومحامين وقضاة.ولكننا لم نعرف كيف نكمل الطريق.
■ سبق واعتذرت عن تجسيد شخصية عبدالناصر فى اكثر من عمل فى  فما هو سر قبولك لتجسيده فى «صديق العمر»؟
- عندما عرض على مسلسل «ناصر» للسيناريست يسرى الجندى كان المسلسل يتحدث عن مراحل عمرية مختلفة فى حياة عبدالناصر كانت لاتتناسب مع عمرى انا كممثل خاصة ان معظمه كانت فى فترة الشباب لذلك كان الفنان مجدى كامل انسب منى فى تجسيده وقدمه بشكل ممتاز أما فى صديق العمر فنحن هنا نتحدث عن المرحلة الأخيرة من حياة عبدالناصر وهى الفترة الممتدة من 1961 وحتى 1967 وكل الاعمال الفنية التى قدمت عن عبدالناصر كانت تتحاشى الدخول فى معتركها لأنها حساسة وشائكة، وتعتبر فترة تسديد الفواتير عن المراحل السابقه وانجازاتها. كما إنها الفترة التى اهتز فيها الحلم الرومانسى للمشروع الناصرى. كانت فترة قاسية جدا على عبد الناصر وعلى الوطن العربى ككل حيث شهدت انهيار الوحدة بين مصر وسوريا وانتهت بهزيمة 67 .
■ صديق العمر تبنى عدة وجهات نظر مختلفة لهذه الفترة الشائكة  واثارت جدلا بعد عرض المسلسل . حدثنا عنها أكثر؟
- بالفعل المسلسل قائم على الصراع بين  عدة رؤى مختلفه وليس وجهة نظر واحدة تجاه المرحلة الناصرية وخاصة أولئك الذين عاصروها وكانوا من صناعها مثل عبداللطيف البغدادى وزكريا محيى الدين وهيكل والشافعى وقد نجح الأستاذ محمد ناير فى تقديمهم وتقديم وجهات نظرهم بكثير من الاحترام. هؤلاء خاضوا فيما بينهم نقاشات وصراعات تتعلق بكل الملفات بدءاً من مسألة الحريات وانتهاء بمسائل اقتصادية وأمنية وطنية وقومية. أشياء لم نرها من قبل فى أى مسلسل عربي، وهذه تحسب للمسلسل لا عليه.
■ من وجهة نظرك ماذا يميز التناول الذى قدمه مسلسل «صديق العمر» لشخصيات الرئيس عبدالناصر والمشير عامر عن السير الذاتية التى سبق وقدمت؟
- أهم شىء هواننا نقدم ناصر وعامر كبشر يخطئون ويصيبون وليس كملائكة. ايضا المسلسل يقدم خطين يسيران بالتوازى الأول إنسانى يرصد علاقة الصداقة التى جمعت الرئيس عبدالناصر والمشير عامر اما الخط الثانى وهو خط سياسى واجتماعى يرصد المرحلة التاريخية من 1961 وحتى 1967 فنحن نقدم عملاً فنياً للتاريخ وليس لرفع شأن أحد أو الاساءة لأحد.. وأظن أن بعض من هاجم العمل منذ حلقته الأولى بناء على المخاوف والظنون يدرك الآن بأن النية وراء تقديمه لم تكن كما ظنوها.
■ برأيك لماذا فعلوا ذلك؟ وهل كل ما قالوه كان تجنيا على العمل؟
- دعينى أبدا من الإجابة على الشق الثانى من سؤالك وأقول بالتأكيد ليس كل نقد هو تجن... قبل أن نبدأ بالتصوير كنا مدركين أن هذا العمل سيكون موضع جدل مشروع لأنه يتحدث عن مرحلة إشكالية بعض وثائقها ما زالت فى خزائن موصدة.. وبالتالى تكثر القراءات والاستنتاجات والتخمينات والروايات. وبعض النقد كان عميقا ومفيدا ومسؤولا لأنه تجاوز القشور والشكليات ودخل فى العمق.
أما بالنسبة للشق الأول من السؤال فأظن أنه كان هناك فريقان متربصان للعمل الاول وهو فريق يعشق عبد الناصر ويعتبر أن أى نقد لقراراته أو سياساته هو مؤامرة مموله تسعى لتهديم الرمز.. وفريق آخر لا يحب جمال عبد الناصر ويعتبر ان جهات معينة تقف وراء هذا العمل لتمجيد الزعامة الفردية من خلال عبد الناصر، والعودة إلى مناخات التأميم والإصلاح الزراعي.. ولكنى أظن ان الفريقين أدركا بعد عرض عدة حلقات بأن مخاوفهما ليست فى مكانها بل هى مجرد توقعات لم تجد أرضاً لها.
■ ما المصادر التى استعنت بها لتجسيد شخصية جمال عبدالناصر؟
- قرأت فى وجهات النظر المختلفة التى تحدثت عن شخصية عبدالناصر سواء المؤيدين الذين يصلون لحد التقديس  او المعارضين الذين يرون سلبياته فقط. كما رجعت إلى المادة الفيلمية والتسجيلات الخاصة بخطبه ولقاءاته، حتى اتعرف على ردودافعاله وطريقة تعبيره عن ذاته فى المواقف المختلفة. من السيئ فيما أظن ان يلجأ الممثل إلى لحظة وتعبير محدد يعيد تكراره فى ثلاثين حلقه حتى ولو كان هذا التعبير شديد الشعبية والرسوخ فى مخيلة المشاهد. عبد الناصر كان إنسانا قبل أى شيء. وكإنسان وكقائد مرَ بلحظات وانفعالات ومشاعر لا حصر لها، تبعا لما كان يتعرض له من مواقف. فعبد الناصر الذى يخطب أمام العالم متحدياً ومعلنا تأميم القناة غير عبد الناصر الذى يعلن عن إقراره بهزيمة  67 وتنحيه. وعبد الناصر الذى يخطب أمام الجماهير باعثاً فيها الأمل والعزيمة والثقة، مختلف عن عبد الناصر الذى يجلس بعدها بساعة مع رفاقه معبرا عن قلقه ومخاوفه وشكوكه. هذا عدا عن اللحظات الحميمة والإنسانية مع عائلته وأصدقائه ورفاق دربه. عبد الناصر الذى يجلس مع المشير عامر ويحاول احتواءه فى أزمة ما بينهما، هوغير عبد الناصر الغاضب عندما يعترض رفاقه فى مجلس قيادة الثورة على قراراته التى يراها هو عين الصواب..
عبد الناصر كان يغضب ويتهكم ويحزن ويعبر عن غلّه وأحيانا يخفيه.. عبد الناصر كان يناور ويختفى وراء الغموض، وأحيانا يقف صريحا وواضحا ومباشرا ومتحديا..عبد الناصر ليس صورة فوتوغرافية ثابتة ولا تمثالاً بل شخصية غنية ولذلك هو عبد الناصر، وأى ممثل يفعل ذلك ويتحدى الصورة النمطية السائدة فى أذهان الناس عن الزعيم الراحل  سيكون فى البداية موضع نقد، وربما عدم تقبل، ولكن فى فن التمثيل صورة واحدة لا تصنع دورا لأنها لا تعبر عن إنسان بالكامل يمر بأطوار مختلفة. لقد اجتهدت كى أقدم عبد الناصر الإنسان والقائد الذى اختار ان يكون على كل الجبهات فى نفس الوقت ويتحمل كل المسؤولية فنجح واخفق. أتمنى أن أكون قد حققت الهدف.
■ تتعاون مع مخرج شاب ومؤلف شاب خلال صديق العمر. فهل هذا فى مصلحة المسلسل؟
- نعم فهذا كان شىء ايجابى لانهم ينظرون إلى التاريخ بنوع من الاستقلالية والتجرد، فهم لم يكونوا شركاء لا فى انتصاراته ولا فى هزائمه. أما الأشخاص الذين عاصروا هذه الفترة وكانوا  بشكل أو آخر جزءاً منها فإنهم يتبنون وجهات نظر محددة،وسيظلون طوال حياتهم يدافعوا عنها ومخلصين لها لأنها هويتهم المكتملة والتى لا تقبل أى مراجعة.فى حين أن التجربة الناصرية  بما لها وما عليها ليست إرثاً وطنيا فقط بل هى إرث قومى أيضاً، بعض أتباعها يريدون أن يحكموا عليه بالموت من خلال تقديسهم لها ومنع مراجعتها. أحيانا أشعر أنهم لا يدافعون عن جمال عبدالناصر بقدر ما هم يدافعون عن أنفسهم، وربما أخطائهم البشرية فلم تعرف حقبة بلا أخطاء ولا ساسة بلا خطايا. كلنا بشر وكلنا نصيب ونخطئ وعملنا مهما كان هو موضوع مراجعة فى وقت ما، وإن لم يحصل ذلك علناً سيحصل سراً. إن الإرث الناصرى معين مهم يجب أن تتعلمه الأجيال من منطلق البحث والإفادة، لا من منطلق الإدانة أو التقديس