الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المصالح الإيرانية الإسرائيلية.. وراء ضرب غزة





«ضرب غزة».. أصبح ذلك العنوان ورقة فى أيدى صناع القرار الإسرائيليين، لطالما استغلوه سواء للمزايدة أو الكسب من ورائه سياسيا. وتعود تلك الورقة إلى الحسبان كلما مرت الحكومة بأى أزمة قد تهوى بها أو تدفع بها نحو انتخابات مبكرة أو انهيار ائتلافات.
وتلك المرة، ومع شن العملية الإسرائيلية ضد القطاع، المعروفة باسم «الجرف الصامد»، تظهر من جديد فكرة أن توجيه الضربة ضد غزة أصبح أمرا مربحا للبعض، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لإسرائيل ولغيرها، لكنها برزت على رأس قائمة المستفيدين من تلك العملية. فبالرجوع لعدة أسابيع قبيل عملية خطف المستوطنين الثلاثة، كانت حكومة «بنيامين نتانياهو» تواجه أزمات داخلية حادة، كادت أن تعصف بالحكومة، والتى توجت بإعلان وزير الخارجية «أفيجدور ليبرمان» ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا» بالانسحاب من الوحدة مع حزب الليكود الذى يرأسه «نتانياهو».

ويعكس موقف «ليبرمان» موقف عدد من الأحزاب السياسية والشخصيات البارزة فى الحكومة المعارضة لموقف لرئيس الوزراء «نتانياهو» من المفاوضات مع الجانب الفلسطينى، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين. فهناك من يرى أن «نتانياهو» أقدم على التفريط فى أمن إسرائيل وتحرير أسرى خطرين وأوقف البناء الاستيطانى، وأعربوا عن وجهة نظرهم ـ على رأسهم «ليبرمان» ورئيس حزب «البيت اليهودي» اليمينى المتطرف «نفتالى بينت» ــ بأنهم يفضلون الذهاب لانتخابات مبكرة لهدم ائتلاف «نتانياهو».
وهناك تيار داخل الحكومة الإسرائيلية، وخارجها، يرى أن الخضوع للضغوط الدولية هو خضوع للابتزاز. وفى هذا السياق يجب الالتفات للشارع الإسرائيلى ودوره فى هذه العملية، فنشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» استطلاعا لرأى الشارع الإسرائيلى أجرى فى إبريل الماضى حول هيكلية الكنيست القادم فى أعقاب تكرار الدعوات لإجراء انتخابات مبكرة، نظراً لتهديدات حزب «البيت اليهودى» وانسحاب «اسرائيل بيتنا» من الائتلاف. وأظهرت نتائج الاستطلاع تراجعا كبيرا لحزب «الليكود» برئاسة «نتانياهو»، وحصوله فقط على 11 مقعدا فى الانتخابات القادمة حالة اجرائها. خاصة فى ظل اشارات «لبيرمان» بأنه لا يستبعد إمكانية التعاون مع أحزاب أخرى فى الانتخابات القادمة.
فـ«نتنياهو» فى أمس الحاجة أن يدعم جبهته الداخلية استعدادا لانتخابات مقبلة محتملة، وكان شن عملية عسكرية على القطاع هو أفضل وسيلة ليقنع الناخب الإسرائيلى بأنه الخيار الأفضل أمامه، وتصدير فكر أنه يمتلك قوة وأنه قادر على حماية وتأمين مواطنى إسرائيل ضد الهجمات التى يتعرضون لها.
أيضا لتقليل الضغوط التى يتعرض لها من قبل خصومه السياسيين الذين اتهموه بعدم القدرة على الرد على الاستفزازات التى تقوم بها الفصائل الفلسطينية بإطلاق صواريخ على الجنوب الإسرائيلي، والتى توجت بقتل المختطفين الثلاثة، والذى ألزمه بإظهار رد فعل قوى من جانب الحكومة حتى لا تظهر مقصرة ومتهاونة فى دماء مواطنيها أمام شعبها.
وهو ما انتهجه «نتانياهو» قبل عامين خلال شن عملية عسكرية على القطاع، والتى عرفت باسم «عامود السحاب»، حيث اتفق  المحللون السياسيون الإسرائيليون أن العملية العسكرية على غزة وقتها أثرت بشكل كبير على الانتخابات الإسرائيلية، وأن «نتانياهو» هو أكبر المستفيدين منها، بالإضافة إلى وزير الدفاع «إيهود باراك» وقتها الذى سادت توقعات بأنه سيحتفظ بمنصبه فى الحكومة القادمة عند فوز «نتانياهو».
وقتها أوضح المحلل الإسرائيلى «آلوف بين» الأمر فى مقولة شهيرة تصف التاريخ الإسرائيلي، إذ قال : «عندما يشعر الحزب الحاكم بأنه مهدد فى صندوق الانتخاب فإن يده تصبح خفيفة على الزناد، أى أن الحكومة الإسرائيلية لا تتوانى عن استخدام القتل والعنف عندما يتعلق الأمر بالانتخابات، ذاكرا عام 1981 عندما هاجمت إسرائيل المفاعل النووى العراقى عشية الانتخابات، وعملية «عناقيد الغضب» ضد «حزب الله» فى لبنان عام 1996، وعملية «الرصاص المسكوب» عام 2009 والذين اتفقوا فى أنهم جميعا سبقوا إجراء الانتخابات العامة، لكنه نوه إلى أن الخيار العسكرى للحكومة لم يكن دائما ناجحا ، مثلما حدث فى الحالتين الأخيرتين.
ويصف المحللون «نتانياهو» بأنه يهتم بتحييد خصومه السياسيين فى المعركة الانتخابية من خلال شن هجمات عسكرية أو التلويح بالهجوم العسكرى على القطاع. كما أن الهجوم الإسرائيلى الحالى الذى تشنه سينحى الأزمات السياسية والاجتماعية التى تواجهها الحكومة الحالية جانبا، خاصة فى الوقت التى تعلو فيه الأصوات المطالبة بزيادة ميزانية وزارة وتقليص أخرى.
فطالما نجح اليمين الإسرائيلى فى حشد أصوات الناخبين عبر العنف والهجوم على الفلسطينيين وليس عبر البرامج الانتخابية الناجحة. والتى سيحتاجها «نتانياهو» فى الفترة القادمة سواء أجريت انتخابات مبكرة أو استمرت الحكومة الحالية. ودائما يحتاج المواطن الإسرائيلى أن يشعر بالأمن من حكومة قوية قادرة على اتخاذ قرارات قوية بشأن الهجوم على المنظمات الإرهابية - كما يرون.
كما أن رئيس الحكومة الإسرائيلى يحتاج لتشتيت أنظار العالم عن عمليات البناء الاستيطانى فى القدس الشرقية والضفة الغربية، وذلك لاسترضاء الجناح اليمينى من الحكومة والشعب الإسرائيلى دون وجود انتقادات وإدانات من المجتمع الدولي، وربما أظهار دور الاستجابة للنداءات الدولية فى مرحلة متقدمة من الهجوم العسكرى لتقليل الضغوط عليه والظهور بمظهر المتعاون والمستجيب للنداءات الدولية فى الوقت الذى تتعنت فيه حماس عن وقف الهجوم. كما أنه يحتاج لصوت المعركة الذى يعلو على صوت الأزمات الاقتصادية والسياسية الأخرى.
وهناك مستفيدون آخرون من الهجوم على غزة، ربما ليسوا على ارتباط مباشر بالحدث، أو من دول الجوار، لكن لهم مصلحة فى تأجيج تلك الاشتباكات وتوسيع العملية العسكرية. ومن أبرز هؤلاء المتربحين «إيران». وفى هذا الشأن أعد المركز المقدسى للعلاقات العامة تقريرا عن التورط الإيرانى فى التصعيد القائم بين إسرائيل وحماس، موضحا أن الجولة الحالية من التصعيد تدل على العزلة الاقليمية التى تعانى منها حماس حاليا، فلم يهب أى عنصر عربى للتدخل فى الأزمة خلال الأيام الثلاثة الأول، كذلك على الساحة الإقليمية، وهو ما يؤكد العزلة التى تحياها الحركة الفلسطينية.
ومصر من جانبها تواصل حربها ضد الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين، والتى تعتبر الأم لحماس، ونجد مصر حاليا تفضل التوارى عن الأنظار وتولى أولوية للتعامل مع أزماتها الداخلية. أما الساحة الدولية فهى مقسمة دون وجود قوة رائدة يمكنها قيادة المجتمع الدولى ليوقف تلك العملية العسكرية.
ورأى التقرير الذى أعده الخبير الإسرائيلى «ميخائيل سيجر» أن إيران تحاول من جانبها ملء هذا الفراغ العربي، فكما حدث خلال الأعوام السابة هبت إيران لمساعدة حماس، وذلك رغم الخلافات بين الجانبين فيما يتعلق بالأزمة السورية. ويواصل من جانبه الزعيم الإيرانى آية الله «على خامنئى» مهاجمة إسرائيل على حسابه الخاص على تويتر، ويدعم علانية الفلسطينيين، إلا ان الرئيس حسن روحانى يتخذ موقفا بعيدا عن الأضواء فيما يتعلق بالعملية العسكرية على القطاع.
لكن مؤخرا خرج عدد من المسئولين الإيرانيين بتصريحات علانية ضد إسرائيل وهاجموها، حيث دعا المتحدث باسم الحرس الثورى الدول العربية والإسلامية ومنظمات حقوق الإنسان باتخاذ خطوات لوقف الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى.
وأشار التقرير إلى أنه مع استمرار التصعيد فى القطاع تقود الصفحات المنتمية للحرس الثورى الإيرانى على مواقع التواصل الاجتماعى دورا لتمجيد الدور الإيرانى فى المنطقة والمعركة، وأن الصواريخ الإيرانية تمكنت من ضرب العمق الإسرائيلي، وتتباهى بقدرات المساعدات العسكرية التى منحتها لحماس فى السابق، وهو ما يتم استغلاله للترويج للأسلحة الإيرانية.
وبعيدا عن التقرير الإسرائيلي، فإن لطهران العديد من المصالح فى تأجيج التصعيد فى غزة، حيث أنها تستغله فى المقام الأول فى توجيه هجمات ضد العمق الإسرائيلى واستنزاف قوة الإحتياط وتوريط إسرائيل عالميا فى توغل برى أو هجوم جوى ضد أهداف مدنية.
وأكثر من هذا، فإن تصاعد وتيرة العمليات فى القطاع تغطى على ما يحدث على جبهات أخري، أولها سوريا، حيث تستمر فى دعم النظام السورى بشكل مباشر أو عن طريق «حزب الله» من لبنان، حيث تصدر المشهد الفلسطينى ساحات الإعلام العالمى لتغطى على الملف السورى بشكل مؤقت. كما أن طهران حاليا تجرى محادثات فى جينيف مع الدول العظمى حول برنامجها النووي، فهى تحتاج ما يشغل الرأى العام العالمى عن هذا الملف. كذلك تطور المعارك فى العراق ضد داعش، إذ تستمر إيران فى دعم النظام العراقى بقيادة «نور المالكي» ضد تنظيم «دولة الإسلام فى العراق والشام»  – داعش - وضد العشائر السنية لضمان استمرار وقيادة الحكم الشيعى فى أرض الرافدين. حيث أكدت تقارير استخباراتية خلال الفترة السابقة وصول مساعدات إيرانية للعراق، والتى تتوجت بزيارة الجنرال «قاسم سليماني» قائد «فيلق القدس» بالحرس الثورى للعراق للقاء عدد من القيادات العراقية لبحث سبل وقف تقدم داعش ومهاجمة العشائر السنية المعارضة للنظام.
يشار إلى دفاع طهران عن حماس مؤخرا، وهذا نابع من منطلق حماية وتوسيع النفوذ الإيرانى فى المنطقة، حيث استغلت التصعيد الأخير فى غزة لتدعيم موقفها فى العراق، إذ صرح مساعد وزير الخارجية الإيرانى أنه إذا كان داعش مجموعات ثورية وتدافع عن أهل السنة كانت لتقف بجانب حماس والجهاد الإسلامى وفصائل المقاومة والإسلامية، وذلك بهدف تعزيز موقفها فى العراق والزعم بأنها تدعم استقرار وأمن دولة جوار وليس لتوسيع المد الشيعى والحفاظ على النفوذ الفارسى، خاصة فى ظل توقع العديد بأن النظام العراقى على وشك الانهيار.
يضاف لذلك التقارير عن عدم موافقة إيران على تصدير النفط الكردى لإسرائيل، حيث تم تصدير النفط من إقليم «كردستان» العراق إلى إسرائيل عبر تركيا وهو ما تعارضه أيضا حكومة «المالكى» العراقى، حيث إن الأمر يعزز من استقلال الإقليم والحكم الذاتى له بعيدا عن العراق، وترى إيران فى النفط العراقى كنزا استراتيجيا لها يمكنها استغلاله، كما هو الحال فى الحقول النفطية فى شرق سوريا.
لا يمكن إغفال أدوار فرعية لبعض اللاعبين الجدد الذين يبحثون عن مكاسب لهم، مثل تركيا فتركيا معنية بالتدخل بالأزمة حتى تمنح لنفسها صفة الوساطة والظهور عالميا بمظهر الدولة ذات النفوذ الإقليمى الواسع المؤثر وعلى هذا السياق يشار إلى زيارة رئيس المكتب السياسى لحركة حماس «خالد مشعل» لأنقرة سرا لبحث المقترحات التى تقدمت بها كل من تركيا وقطر للوساطة لوقف إطلاق النار بين الجانبين، وتحتاج تركيا لتوسيع نفوذها فى المنطقة بعد الأزمات التى حلت بها جراء دعم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر.
وأوضحت تقارير إعلامية أن كلا من قطر وتركيا تحاولا التدخل بشكل مباشر فى الأزمة لحل، حيث أجروا اتصالات مع مسئولين إسرائيليين لبحث سبل وقف اطلاق النار، فكل منهما يبحث عن دور اقليمى من خلال اداء دور قيادى فى القضية المحورية بالشرق الأوسط وهى القضية الفلسطينية.
كما أن هناك مستفيداً آخر، وهى التنظيمات الجهادية فى سيناء خاصة «أنصار بيت المقدس»، التى استغلت اشتعال الأجواء وقامت بإطلاق صواريخ صوب الجنوب الإسرائيلى لكنها سقطت على الحدود. كما أن هناك من يعزز فكرة أن إيران تدعم تلك الجماعات الجهادية فى سيناء وزودتها بالصواريخ، خاصة لضرب ميناء أسدود لوقف استيراد النفط الكردى ولضرب المنشآت النفطية الإسرائيلية.
كما أن تلك التنظيمات تبحث عن التصعيد إذ أنها على علاقة وثيقة بالفصائل الفلسطينية فى القطاع وعلى رأسها حماس، وتحاول إحراج النظام المصرى وتوريطه فى معركة – سياسية أو عسكرية – ضد إسرائيل، خاصة أنها كانت تتفق فى أيديولجيتها مع جماعة الإخوان المسلمين.