الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مافيا الطبعات الشعبية» تحول الأرصفة لمكتبات تروج الكتب المزورة




تحقيق - هاجر كمال
شهدت شوارع القاهرة مؤخرا انتشار ظاهرة بيع الكتب على الأرصفة مع باعة الجرائد، فيما يشبه معارض الكتب المفتوحة، يتردد عليها ‏الكثير من المثقفين ومحبى القراءة بحثا عن ‏الكتب النادرة أو حتى الكتب الحديثة، فنجد الأرصفة تمتلئ ‏بأشعار أحمد شوقى ونزار قباني، وروايات نجيب ‏محفوظ ومسرحيات توفيق الحكيم وقصص يوسف إدريس، بالإضافة لأحدث الإصدارات خاصة الكتب الحاصلة على جوائز، ‏وغيرها من الكتب الحديثة بأسعار زهيدة فى متناول الجميع.. إلى هنا يبدو الأمر إيجابيا يستحق الإشادة والتشجيع، لكن للأمر وجه آخر، خاصة عندما لا تكون الكتب قديمة مثل تلك التى تباع بنصف الثمن على سور الأزبكية، وتجد نسخ جديدة مغلفة وتباع بنصف سعرها، هنا تكتشف أنك أمام عملية تزويد للكتب وطباعتها طبعات شعبية بعيدا عن دار النشر أو مؤلفها، مما يهدد بانهيار صناعة الكتب والثقافة فى مصر، ويكبد دور النشر والمؤلفين خسائر فادحة.
بحثا عن سبب انتشار هذه الظاهرة، وهل هى حقا فى خدمة الثقافة، والإجراءات التى يجب أن يتم اتخاذها لوقف إهداء حقوق الملكية الفكرية للمؤلف والناشر أجرينا هذا التحقيق، وقدمنا فيه وجهات نظر متعددة لكل عناصر المنظومة، الناشرين، وبائعى الكتب، والنقاد والمثقفين، ورأى القارئ نفسه فى هذه النوعية من الكتب.
يقول الشاعر فارس خضر مدير دار «الأدهم» للنشر: دور النشر ‏بصفة عامة ليس لديها أية صفة للاعتراض على تزوير ‏الكتاب وبيعها بنصف الثمن ولا تملك مواجهتها، بالإضافة إلى الجهات المسئولة لم تحاول أو تبذل مجهودا من جانبها لضبط ‏من يطبعون هذه الكتب، ومن يقومون بتزويرها، وتعتمد على ‏الناشر بشكل أساسى فى الدفاع عن حقوق الملكية الخاصة به، وأبدى تعجبه من أنه فى الوقت الذى يحذر فيه المؤلفون والناشرون من شراء الكتب المزورة، لما تمثله من تهديد لصناعة النشر بأكملها، يتجه العديد من القراء لشراء هذه النسج المزورة.
ويقول «عم» محمد بائع كتب: الحالة الاقتصادية تجبر الناس على البحث عن الأرخص، لذلك يبحث القراء عن الكتب ‏الأرخص التى تتوفر على الأرصفة فى الشوارع.
ويكمل عم محمد: إعادة تدوير الكتاب أو طبعه طبعة شعبية يتم فى مطابع ‏مغمورة، ويتم فى حالة نجاح أحد الكتب مرتفعة الثمن وزيادة الإقبال عليه، من الطلاب أو محدودى الدخل واختتم حديثه قائلا: «خلى الناس ‏تقرى».
ويرى الدكتور إبراهيم عوض، أستاذ النقد الأدبى بجامعه ‏عين شمس، أن ظاهرة تزوير الكتب التى انتشرت فى الفترة ‏الأخيرة بشكل ملحوظ وراءها أشخاص بلا ضمير، استحلوا ‏سرقة ‏حقوق المؤلفين والناشرين، وعددهم ليس بالكثير لكنهم ‏يشكلون ‏عصابات منظمة تبدأ من المزور ثم صاحب المطبعة الذى ‏يعلم ‏أنه يطبع كتب مزورة‎‏،‎‎‏ ثم الموزع على فرشات الكتب ‏والصحف ‏والمكتبات، مؤكدا ان استمرار التزوير سوف يؤدى ‏إلى قتل الفكر والإبداع‎‎‏،‎‎‏ عندما يتوقف الكتاب ‏والمبدعون عن ‏إنتاج أعمال يعرفون أنها ستزور فور صدورها‎‎‏، ‏‏لأنهم لن ‏يحصلوا على أى عائد مادى عن إبداعهم وجهدهم وبالفعل ‏تعرض الناشرون المصريون ‏والعرب والأجانب لخسائر كبيرة ‏الى جانب ظروف النشر التى تمر ‏بها صناعة النشر‎‎‏،‎‎‏‏‎‎الأمر الذى ‏أدى إلى توقف بعض دور النشر ‏عن ممارسة دورها فى مجال ‏الثقافة والمعرفة‎‎‏.‏
ويحمل الكاتب والناقد أحمد الخميسى غياب الرقابة الرسمية من قبل الدولة مسئولية انتشار هذه الظاهرة، قائلا: السبب الرئيسى وراء تزوير الكتب غياب الرقابة من قبل الدولة على المطابع بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الكتب بشكل مبالغ فيه، بالاضافة الى غياب الطبعات الشعبية وتقاعس دور النشر عن عمل مثل هذه الطبعات، واوضح علاج المشكلة ان تعمل دور النشر الكبيرة على نشر الطبعات الشعبية من الكتب والروايات التى يزداد الطلب عليها من قبل القراء فلا يلجأ القارئ لشراء الكتب المزورة وبالتالى نحفظ للناشر حقه، الى جانب وجود عقاب قانونى رادع وحملات أمنية قوية تستهدف المطابع غير الرسمية.
تعلق على هذا إسراء جمال الدين 22 سنة طالبة: أحيانا يلجأ الطالب لشراء الكتب المزورة، لارتفاع سعر الكتب أولا، و‏لأنه فى النهاية يريد كتابا‎‎‏ رخيص ‏السعر وفى متناول يده،‎‎‏ وطالبت بوضع ‏قواعد لحماية حقوق الملكية الفكرية وتفعيلها بشكل واقعى، مع إيجاد حل لارتفاع أسعار الكتب.
يرى محمد سعيد 30 سنة محاسب أن عمليات التزوير ‏لن تتوقف الا اذا تدخلت الدولة لحماية ‏الملكية الفكرية باتخاذ ‏القوانين المشددة على هؤلاء المزورين،‎‎‏ ‏‏خاصة بعد دخول فئات ‏من المسجلين الخطر كباعة لاكشاك سور ‏الازبكية الذى فقد ‏دوره الأصلى كذاكرة الأمة والحفاظ على التراث‎‎‏،‎‎‏ ففى ‏السنوات الأخيرة تخلى السور عن دوره الأساسى وأصبح ‏ينافس ‏دور النشر فى بيع الكتب الجديدة المزورة، كما أن تخلى الجميع ‏عن الكتاب وعدم اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد تزوير الكتب ‏يؤثر على صناعة النشر ويهددها ‏بالتوقف‎‎‏.
تقول أمانى سعيد 18 سنة طالبة: الطبعات المزورة ساهمت فى توفير عدد كبير من الكتب باهظة الثمن ‏غير متاحة للقارئ العادى بأسعار زهيدة، كما أنها ساهمت فى ‏مزيد الترويج لعدد كبير من الكتب والكتاب على حد سواء ما ‏ساهم فى ارتفاع نسب القراءة خاصة لدى فئات الشباب.
ويؤكد محمد منتصر 35 سنة صيدلى: ان القائمين على بيع الكتب المزورة هم أكثر المستفيدين من غياب الدولة عن صناعة النشر، مضيفا أن ظاهرة تزوير الكتب من أسوأ ظواهر التدمير لصناعة الكتب والثقافة فى مصر،حيث لا توجد قوانين والدولة غائبة بالكامل عن رقابة الكتب، ويرى ان المتضرر الوحيد من تزوير الكتب هم الناشرون، لأن هذا الوضع قد يخدم المؤلف بشكل كبير من ناحية الانتشار إن لم يكن معروفا بصورة كبيرة.