الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مشاهد من ثورة 23 يوليو فى ذاكرة مصر المعاصرة




عندما نتصفح تاريخ مصر الحديث والمعاصر، فإننا نجده حافلاً بالثورات فالشعب المصرى «صبور» و«مسالم»، ولكنه ليس «مستسلمًا»، فالمستسلم قد يرضى بالذل ولا يثور وقد أثبتت ثورات الماضى كلها أن مصر «صبرت» كثيرًا على كل ما حل بها من كوارث ومحن، ولكنها كانت دائما بعد صبرها تتلمس طريق النجاة، وتعد العدة للخلاص، الذى يأتى دائمًا بوسيلة واحدة لا تتغير مع الزمن ألا وهى الثورة
 حيث حظيت الثورات المصرية بجزء كبير من جهد القائمين على توثيق تاريخ مصر الحديث والمعاصر من فريق عمل ذاكرة مصر المعاصرة، من فريق عمل ذاكرة مصر المعاصرة بمكتبة الإسكندرية الذى حرص على توثيق الثورات المصرية فالثورات سجل نابض لحال المصريين وشعورهم تجاه من حكموهم، سواء كان بالرضا أو بالسخط، فهى جزء لا يتجزأ من كيان الشعب المصرى وروحه، منذ ثورة المصريين على الوالى العثمانى ومجيء محمد على باشا والى مصر فى 1805 وحتى ثورة شباب وشعب مصر البيضاء فى 25 يناير  2011 وعندما نسلط الضوء على ثورة 23 يوليو 1952.
ذاكرة مصر المعاصرة نجدها خصصت قسمًا يقدم تأريخًا للفترة الممتدة من ٢٣ يوليو (قيام الثورة) وحتى سبتمبر ١٩٧٠ (وفاة جمال عبد الناصر) أو ما يعرف بالفترة الناصرية، ونقف خلال تلك الفترة على الأحداث المهمة بداية من ثورة يوليو ومرورًا بـ (إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية ١٨ يونيو ١٩٥٣، أزمة مارس ١٩٥٤، إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه ١٤ نوفمبر١٩٥٤م ، قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ١٩٥٤، توقيع اتفاقية الجلاء ١٩ أكتوبر ١٩٥٤ ثم جلاء القوات البريطانية فى ١٨ يونيو ١٩٥٦، قرار تأميم قناة السويس٢٦ يوليو ١٩٥٦، العدوان الثلاثى على مصر ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦، إعلان الوحدة المصرية السورية (الجمهورية العربية المتحدة) فبراير ١٩٥٨ والانفصال، توقيع الميثاق الوطنى ١٩٦٢، حرب الأيام الستة (يونيو ١٩٦٧)، حرب الاستنزاف، انتهاء بوفاة جمال عبدالناصر فى ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠.
وتتناول الذاكرة فى موضوع ثورة ٢٣ يوليو النقاط التالية ( مدخل إلى الثورة، وسمات المرحلة السابقة لها، ثم خصائص النظام السياسى لثورة يوليو، حركة الضباط الأحرار، أزمة مارس ١٩٥٤). ونقف بالتفصيل عند إنجازات ثورة يوليو فى المجال السياسى (اتفاقية السودان، إعلان الجمهورية) ١٨ يونيو ١٩٥٣، الجلاء عن مصر يونيو ١٩٥٦، إعلان تأميم قناة السويس ٢٦ يوليو ١٩٥٦، مساندة حركات التحرر الوطني، إعلان الوحدة بين مصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة) فبراير ١٩٥٨، الميثاق الوطنى مايو ١٩٦٢، المناداة بمبدأ «عدم الانحياز والحياد الإيجابى وقيام كتلة عدم الانحياز).
وتتطرق الذاكرة إلى السياسة الاقتصادية للثورة حيث سياسة ثابتة من الناحية الاقتصادية، أساسها تحديث الصناعة المصرية، وتنمية إنتاجها القومى عامة، والنهوض باقتصاديات البلاد.
كما اتبع النظام مجموعة من السياسات الاجتماعية التى تطورت تحت مسميات مختلفة مثل العدالة الاجتماعية، والاشتراكية الديمقراطية التعاونية، والكفاية والعدل.
وقد قام مشروع ذاكرة مصر المعاصرة بتوثيق حيّ لتاريخ الثورة ويومياتها من خلال الــ 14 نوعاً من المواد المختلفة المتاحة عبر الموقع الإلكترونى لذاكرة مصر المعاصرة وذلك بإتاحة مجموعات نادرة من الفيديوهات والصوتيات وأهم الخطب والوثائق الخاصة بها يوما بيوم، حيث يمكن مشاهدة مشاهد من ثورة 23 يوليو ومغادرة الملك فاروق للأراضى المصرية، وبيان الرئيس محمد نجيب بعد إعلان مصر - جمهورية لا ملكية - بالإضافة إلى البيان الشهير للبكباشى محمد أنور السادات المعروف ببيان الثورة، وبيانات اللواء محمد نجيب التى يحذر فيها من الثورة المضادة بمصطلح اليوم و«الكلمات المغرضة» كما وصفها اللواء محمد نجيب آنذاك.
كما حرص المشروع على تقديم وجهة النظر الأوروبية تجاه ثورة 23 يوليو من خلال الأرشيف الصحافى لما نشر فى ذلك الوقت بالصحف الأوروبية عن حركة الجيش، بالإضافة إلى مجموعة من الوثائق المهمة التى تؤرخ لهذه المرحلة؛ ومنها: وثيقة الدستور المؤقت فى 10 فبراير 1953، والإعلان الدستورى من قائد القوات المسلحة وقائد ثورة الجيش بشأن إعلان نظام الحكم أثناء فترة الانتقال، ووثيقة إلغاء النظام الملكى وإعلان الجمهورية، ووثيقة مصادرة أملاك فاروق، وغيرها.
وتشير ذاكرة مصر المعاصرة إلى أهم المشكلات والأزمات التى واجهت الثورة، ومنها: الصراع بين محمد نجيب وتنظيم الضباط الأحرار... حيث أجبر محمد نجيب على الاستقالة من منصبى رئاسة الوزارة ورئاسة الجمهورية فى 14 نوفمبر 1954، ومشكلة الإخوان المسلمين وجمال عبد الناصر.. حيث تعرض جمال عبدالناصر فى 26 أكتوبر 1954 لمحاولة اغتيال فى ميدان المنشية بالإسكندرية على يد عضو من جماعة الإخوان المسلمين يدعى محمود عبداللطيف، وبدأت بعدها عملية تصفية تنظيم الإخوان المسلمين فى مصر.
وتوضح الذاكرة أنه بانتهاء المرحلة الانتقالية التى تحددت بثلاث سنوات (1953 - 1956) وبإعلان الدستور فى يناير العام 1956 يمكن الحديث عن «المرحلة الناصرية»، ولا يقصد بذلك فترة حكم جمال عبدالناصر فحسب، ولكن شكل الحكم والسياسات المتبعة خلال هذه الفترة والتى كانت انعكاسا لتفكير وآراء الرئيس عبد الناصر، أن انتقلت  الثورة من فترة اتسمت بنوع من القيادة الجماعية «مجلس قيادة الثورة»، كان لعبد الناصر فيها موقع «الأول بين متساوين»، إلى فترة أصبح فيها هو الرئيس بلا منازع فى سلطانه.
وتعرض ذاكرة مصر المعاصرة... تفاصيل اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا فى 19 أكتوبر 1954، والتى تقرر بموجبها إلغاء معاهدة 1936، وتحديد فترة لا تزيد على عشرين شهرا يتم خلالها خروج جميع القوات البريطانية من مصر، والاعتراف بقناة السويس كجزء لا يتجزأ من مصر، على أن تكون الملاحة فيها مكفولة لجميع الدول على السواء طبقا لاتفاقية القسطنطينية عام 1888، والاحتفاظ بالقواعد والمنشآت العسكرية بمنطقة القناة فى حالة صالحة مع إبقاء بعض الخبراء المدنيين الانجليز لإدارتها وصيانتها، وحددت الاتفاقية أيضًا أنه فى حالة حدوث هجوم مسلح على مصر أو على احدى الدول العربية المشتركة فى ميثاق الضمان الجماعى تقوم مصر بتقديم التسهيلات اللازمة لبريطانيا لعودة جنودها إلى القاعدة للدفاع عنها، على أن تسحب بريطانيا قواتها فورا من مصر بعد انتهاء الحرب.
وعن أسباب ثورة يوليو فى ذاكرة مصر المعاصرة.
أدى فشل الملك فاروق (1936 – 1952) فى أن يعطى قيادته طابعًا وطنيًّا وبالذات فى الفترة الأخيرة من حكمه إلى اغتراب قطاعات واسعة من الشعب عنه، و قد مثلت هزيمة الجيوش العسكرية فى فلسطين نقطة التحول الرئيسية التى حدثت عام 1948؛ حيث أدى ذلك إلى إثارة عدد من ضباط الجيش نتيجة إحساسهم بأن الجيش قد زج به فى معركة لم يستعد لها ولم تقدر القيادة عواقبها كاملة، وربط هؤلاء الضباط بين الهزيمة من ناحية والفساد السياسى فى الداخل والذى اعتبروه السبب الأصيل للهزيمة من ناحية أخرى، ومع ذلك يصبح من الخطأ تفسير ما حدث عام 1952 بإرجاعه فقط إلى هزيمة 1948، ولكن ينبغى إدخال عناصر اجتماعية وسياسية أخرى فى التحليل منها:
حادث 4 فبراير 1942 الذى هز صورة الملك فى أنظار المصريين جميعًا، ثم هزيمة الجيش فى حرب فلسطين عام 1948، ومذبحة الإسماعيلية التى راح ضحيتها ضباط مصريون، ثم حريق القاهرة فى 26 يناير 1952، أحداث كثيرة ألهمت الضباط ضرورة التغيير وأنه لا أمل فى النظام القائم.
كما شهدت المدن وخاصة القاهرة فى فترة ما بين الحربين ازدياد الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن دون أن تكون المدن قادرة على استيعاب وتوفير خدمات الإقامة والتعليم وفرص العمل للمهاجرين، وأصبح هؤلاء مادة جاهزة للحركات الثورية أو لأى تمرد مع اهتزاز التوازن التقليدى للمجتمع الذى قام على سيادة طبقة كبار الملاك.
فى نهاية الأربعينيات ازداد عدد الإضرابات العمالية، وبرزت الطبقة العمالية كجماعة تتميز بقدرة تنظيمية عالية وبالإحساس بالاغتراب السياسي. وإزاء ذلك، عجزت الطبقة الحاكمة عن فهم ما يحدث وإدراك آثاره على النظام الاجتماعى بأسره، وعن تطوير سياسات تستجيب وتتلاءم مع الظروف الجديدة.
نشأت طبقة وسطى جديدة طالبت بقدر أكبر من المشاركة السياسية والعائد الاقتصادي، شملت هذه الطبقة خريجى الجامعات والمثقفين والمهنيين، وقدمت القيادة الفكرية للتغيير الاجتماعى والسياسى المنشود. وعبّر تدخل الجيش عن آمال هذه الطبقة الوسطى الجديدة ضد النظام القائم الذى حال دون تطورها.
شعر المصريون خلال هذه الفترة بقدر كبير من المهانة نتيجة رفض إنجلترا منح مصر الاستقلال الحقيقي، وهزيمة الجيش المصرى فى فلسطين وأن القيادة السياسية قد تحالفت مع الإنجليز، وهجرت الشعب مما ولد شعورًا عميقًا لدى النخبة المثقفة بالتمزق وعدم الاتفاق على مفهوم موحد للهوية ولإمكانية التغيير.
وتتابعت الأحداث بسرعة، ففى عام 1950 وقع 49 إضرابًا عماليًّا، وزاد العدد إلى 200 فى عام 1951، وفى نفس العام حدثت بعض الانتفاضات من قبل الفلاحين، وتعددت حالات مصادرة الصحف، واستخدام الإجراءات البوليسية فى مواجهة العناصر الداعية للتغيير فى المجتمع. ولكن هذه الإجراءات كانت عاجزة عن التصدى الجدى للأفكار، وتشاتم الوزراء على صفحات الجرائد، وانتشرت قصص فساد الأسرة المالكة والحاشية. وفى يناير 1952، حدثت أزمة انتخابات نادى الضباط، وسقط مرشح الملك – حسين سرى عامر- فى انتخابات مجلس الإدارة، وفى فجر 25 يناير 1952 وقعت مذبحة الإسماعيلية وشنت القوات البريطانية هجومًا على مبنى محافظة الإسماعيلية، أسفر عن مصرع 46 من رجال الشرطة المصريين وإصابة 72 شخصاً.
وفى اليوم التالى تظاهر المصريون الغاضبون بإضرام النيران فى المؤسسات والمصالح الأجنبية، ومات يومها 50 مصريًّا و9 أجانب، وفى اليوم التالى حُرِقَت القاهرة، ونزل الجيش إلى الشوارع، وأقيلت حكومة الوفد وبدأت سلسلة من وزارات القصر.
وليس من قبيل المبالغة فى القول بأنه عندما حرق وسط القاهرة فى 26 يناير 1952، فقد سقط معه النظام السياسى والاجتماعى القائم والطبقة الحاكمة التى كانت تعبر عنه.
هكذا توفرت فى مصر كل شروط «الروح الثورية» عدا التنظيم القادر على قلب الأمور، وسادت مصر حالة من عدم الاستقرار، مما أدى إلى أن غَيَّر الحكم الملكى فى مصر الحكومات بصورة متعاقبة سريعة خلال فترة قصيرة.
وفى فجر 23 يوليو 1952 قامت مجموعة يطلق عليها اسم «تنظيم الضباط الأحرار» بانقلاب عسكرى أعلن فى بدايته أنه حركة تصحيحية داخل الجيش، وبرز اللواء محمد نجيب كزعيم للضباط الشبان أو أنهم اختاروه كزعيم ليقود البلاد.
وفى السابعة والنصف صباحًا سمع المصريون البيان الأول للحركة يلقيه محمد أنور السادات باسم القائد العام للقوات المسلحة يفسر فكرهم عن سبب الانقلاب للشعب، ورد فيه: «اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين. وأما فترة ما بعد هذه الحرب، فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا فى داخل الجيش رجال نثق فى قدرتهم وفى خلقهم وفى وطنيتهم، ولابد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب» .
وفى 25 يوليو 1952 وصلت قوات الجيش المصرى إلى الإسكندرية حيث كان الملك فاروق فى قصره. وفى اليوم التالى أرغم على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد، وسمح له بمغادرة البلاد دون أذى، وأبحر يخته فى السادسة مساء متوجهًا إلى إيطاليا، حيث عاش هناك حتى مات، وتم تكليف على ماهر برئاسة الوزارة، وتم تشكيل مجلس وصاية على الملك الصغير.
جاء تدخل الجيش بانتهاء عهد، وبدء عهد جديد من تطور مصر السياسى، فمع ثورة 1952 بدأت صفحة جديدة من تاريخ مصر ونظامها السياسى. وانعكست خصائص تنظيم الضباط الأحرار على سمات نظام الحكم الذى تبلور بعد عام 1952.