الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سيناريوهات نهاية حرب غزة




إعداد - إسلام عبد الكريم وأميرة يونس
تدخل الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة أسبوعها الثالث، وسط خسائر إسرائيلية ليست بالكبيرة ولكن مؤثرة، سواء بشرية أو اقتصادية أو عسكرية، وكان أفدحها هو فقد أحد الجنود، والذى أعلنت كتائب «عز الدين القسام» أنها أسرته، وهوما سيضع حكومة «بنيامين نتنياهو» أمام «شاليط» جديد، قد يدفع ثمنه صفقة جديدة من الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
ومع طول وقت المعركة، وهو أمر عصيب للمجتمع الإسرائيلى الذى يعتمد جيشه على كوادره  ضمن قوات الاحتياط، يجب الوضع فى الاعتبار السيناريوهات التى قد تحدث فى القطاع خلال الأيام المقبلة.
وفى هذا السياق أعد مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى تقريرا عن السيناريوهات المتوقعة فى غزة، وأعده العقيد متقاعد «جوناثان ليرنر» الباحث الإسرائيلى بالمعهد، حيث سرد خلاله الأحداث المتوقعة ضمن عملية «الجرف الصامد» التى تقودها إسرائيل ضد غزة.
وأوضح على صفحات التقرير أن العملية بدأت فى الوقت الذى ضعفت فيه قوة حماس داخل القطاع مع حالة عدم وجود ما تخسره خاصة بعد قرار إسرائيل بانتهاك الهدنة واستهداف أحد قياديى حماس بالضفة الغربية ومقتله، وفقا لرأيه.
وقدّرت أن حماس أصبحت فى ضعف غير عادى إستنادا إلى بعض التطورات التى شهدتها خلال الأشهر القليلة الماضية، والنابعة من الأساس من تغيير النظام فى مصر، إذ أفقد هذا التغيير حماس القدرة على الاستمرار فى الحياة ومواصلة سيطرتها على غزة، خلافا لما كانت عليه خلال عهد حكم جماعة «الإخوان المسلمين» من فتح المعابر وتمرير العديد من الموارد الأساسية والحيوية عبره أو عبر الأنفاق، ناهيك عن شعور الحركة بفقدان الدعم الشعبى لها داخل القطاع، وأصبحت غير قادرة على السيطرة عليه، الأمر الذى دفعها لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع السلطة الفلسطينية متناسية جميع الخلافات.
ورأى التقرير أنه فى ظل كل ما سيق وقعت عملية إختطاف الإسرائيليين الثلاثة من مستوطنة «جوش عتسيون» والتى اتهمت بخطفهم وقتلهم حماس، مما أدى إلى رد فعل إسرائيلى قوى تجاه قياديى حماس بالضفة الغربية، وبهذا ضربت إسرائيل واحدة من أعظم إنجازات حماس خلال السنوات الماضية، ألا وهى الإفراج عن أسرى فلسطينيين ضمن صفقة «شاليط». مقدرا أن شروط حماس كانت حافزا لهذه العملية، والتى من المتوقع أن تنتهى بفقدان حماس السيطرة على غزة – بحد التقرير الإسرائيلى.
وأضاف العقيد «ليرنر» أنه فى إطار فرضية أن إسرائيل تقاتل ضد حماس فإنها وجدت أن القتال هو الخيار الأقل سوءًا بالنسبة لها، نظرا لأن القتال فرصة محفوفة بإعادة تأهيل الوضع فى غزة وإضعاف قوة حماس المطلقة بالقطاع وبالسلطة الفلسطينية بأكملها فى المستقبل،خاصة بعد تشكيل حكومة المصالحة.
واعتبر أن متطلبات حماس داخل القطاع - والتى تشمل الإفراج عن المعتقلين وفتح المعابر بين مصر وفلسطين ووقف إطلاق النار ووقف العمليات العدائية بين الجانبين- تعد عودة إلى الوضع السابق واعتبرتها إسرائيل « انتكاسة « واستسلاما لها، بل أنها تعد مسمارا أخير فى نعش رقابتها على القطاع .
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة للقتال فى غزة، أشار إلى أنه فى الوقت الذى تريد فيه حماس ضمان سيادتها على القطاع، ومبدأ المعاملة بالمثل، فإن كافة السيناريوهات القادمة ممكنة ومطروحة على طاولة صانع القرار. وتلك السيناريوهات كالآتي:
السيناريو الأول الذى وضعته الدراسة هو استمرار القتال الدائر لفترة قريبة أخري، حيث أكد على مواصلته تزامنا مع محاولات منع تصعيد الموقف من الجانبين سواء من ناحية إطلاق الصواريخ الفلسطينية أو الغارات الجوية الإسرائيلية، وسيعقب ذلك احتمال أن تقرر إسرائيل وقف إطلاق النار بشكل أحادى من جانبها لإختبار حماس، الأمر الذى من شأنه أن يطرح حلين للمسألة، وهو إما أن تتعرض حماس لضغوطات داخلية من قبل سكان غزة لوقف إطلاق النار، أو أن تتمادى فى إطلاق الصواريخ وأعمال العنف ضد شعبها قبل إسرائيل.
السيناريو الثانى يتحدث عن قيام  إسرائيل بتوسيع حملتها البرية والسيطرة على المناطق الحدودية لفترة طويلة، حيث من الممكن أيضا أن تقرر وقف إطلاق الصواريخ بعد تدمير البنية التحتية الإرهابية لحماس التى تسمح بإطلاق الصواريخ ضد تل أبيب، عن طريق دفع أعداد هائلة من القوات البرية التى ستزداد على مر الزمن. يشار إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلى «موشيه يعلون» أعلن مؤخرا عن عزمه لإستدعاء عدد آخر من جنود الإحتياط بقوة 50 ألف مجند، ليصل اجمالى القوات داخل القطاع 108 آلاف جندى إسرائيلي.
 ووفقا لهذا السيناريو، فستمنع إسرائيل الغارات الجوية بعد أن تفكك قدرات حماس على إطلاق الصواريخ باعتمادها على التقدم الكبير لوحدات الجيش الإسرائيلى البرية داخل غزة لمنع أى هجوم ضدها، مع الأخذ فى الإعتبار ضرورة إستمرار هذه القوات لفترة من الوقت فى العمل، ربما لإسقاط نظام حماس إلى جانب تلبية مطالب سكان غزة الذين سيصبحون تحت سيطرتها.
ناهيك عن تطوير القتال البرى ضد قياديى ومقاتلى حماس و»الجهاد الإسلامى وباقى الفصائل الفلسطينية الاخرى داخل القطاع. وربما تكون هناك خيارات أخرى لوقف القتال فى غزة إذا لجأت الأطراف لأحد السيناريوهات المقبلة.
أما السيناريو الثالث فيدور فى إطار رغبة خروج حماس من هذه الحرب منتصرة لتحسين صورتها وهيبتها أمام سكان غزة وجميع الفلسطينيين، وأنها لن تستطيع تحقيق هذا إلا عن طريق قيامها بهجوم مميت ضد القوات الإسرائيلية وإسقاط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى فى صفوف الجيش الإسرائيلى، وقد يكون رد الفعل الإسرائيلى شديدًا لدرجة تستدعى تدخل الخارج بصورة فورية لوقف الأعمال العدائية، مثل عملية اختطاف المزيد من الجنود.
ومن المتوقع أن يتبع هذا التدخل التوصل لاتفاق  بين الجانبين مع استعداد حماس لخفض مطالبها حينها والتى تزعج إسرائيل بشكل كبير بعد شعورها بالخروج منتصرة، وبسبب أيضا الضغوط داخل إسرائيل والهيئات الدولية لوقف الحرب بين الجانبين.
السيناريو الرابع نفس السيناريو الثالث فيما يخص خروج حماس بصورة منتصرة، لكنه يقدّر أن حماس ستعتمد على عدد الضحايا الفلسطينيين، والتى يمكن أن تدفع مصر إلى تغيير سياستها تجاه حماس وفتح معبر رفح والضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار بصورة فورية  إلى جانب الضغوط الدولية من جهة أخرى، وذلك جنبا إلى جنب مع بعض التنازلات من جانب إسرائيل والتى يمكن من شأنها إعطاء صورة انتصار لحماس التى طالما رغبت فى خروجها من الحرب بهذا الشكل.
أما السيناريو الخامس والأخير فيرى أن هناك إحتمالية أن تسعى إسرائيل إلى التوصل لاتفاق مع حماس على وقف إطلاق النار والاستعداد إلى الانسحاب الفورى من غزة، والاقتناع  انه لا بديل لحكم حماس فى القطاع. مضيفا أن لتحقيق هذا سيعتمد الأمر على تنسيق بين حماس ومصر وفتح المعابر الأمر الذى سيمح لها بإدعاء النصر وتعزيز شرعيتها فى قطاع غزة .
وأكد «ليرنر» فى نهاية تقريره أنه يرجح سيناريو استمرار وجود القوات البرية للجيش الإسرائيلى لفترة طويلة بغزة، الأمر الذى يؤدى إلى تطورات كبيرة داخل غزة ومن قبل المجتمع الدولى، وسيناريو آخر محتمل وهو التوصل إلى اتفاق من شأنه تغيير النظام الحالى فى غزة عن طريق تدخل كبير من قبل مصر أولا والسلطة الفلسطينية ودول عربية أخرى والمجتمع الدولى .
واختتم بقول إن هذا التقرير ليس بيت القصيد، وإنما الغرض من عرض السيناريوهات هو التدليل على عدم اليقين مما سيحدث خلال الأيام المقبلة، وذلك على النقيض فيما مضى عندما كانت حماس تتوقع أن الحرب والمعارك القتالية ضد إسرائيل هى الثمن الأكبر بالنسبة لها.
لكن هناك تبعات أخرى للأمر ربما لم يذكرها «ليرنر» فى تقريره، ومهمة للغاية والمتعلقة بموقف «حزب الله» من ذلك التصعيد، وهو سيناريو لم يطرح خاصة بعد تصريحات «حسن نصرالله» زعيم «حزب الله» الداعمة لحماس ونضالها ضد إسرائيل. يشار أيضا إلى اللقاء الذى قعده «يعلون» مع وزير الشئون الإستراتيجية و الإستخبارات «شتايمتس» مع عدد من المسئولين الأمنيين لدراسة وبحث موقف «حزب الله» من التصعيد الأخير.
مؤكدين أن الإجابة عن هذا السؤال هامة للغاية، وسيكون لها أبعاد فى القرار الإسرائيلى لتحديد مستوى المعركة البرية التى تخوضها قياد المنطقة الجنوبية بعد أن رفضت  الحركات المسلحة فى غزة المبادرة المصرية. لكن «يعلون» تساءل: هل حزب الله سيتخذ قراره بالتدخل على ضوء التطورات الميدانية فى قطاع غزة. لأن مثل هذه التطورات قد تضطره لأن يحدد موقفه من الحرب فى غزة كحليف للعديد من الحركات المسلحة و على الأخص حركة «الجهاد الإسلامي» .
إذ رأى رئيس الموساد «تامير باردو» أن قرار «حزب الله»  بالتدخل لن يأتى من بيروت وانما من طهران، ومن «الحرس الثورى الإيراني» والمرشد الأعلى «على خامنئي». ووفقا للتقارير الأمنية الإسرائيلية فإن «حزب الله» سيجد صعوبة كبيرة فى اتخاذ قرار بالانخراط فى الحرب وفتح الجبهة الشمالية، فى ظل الصعوبات الناتجة عن الوضع الحساس للحزب فى المعادلة السياسية اللبنانية. إلا أن الخوف مازال مستمرا من ترسانة من الصواريخ التى فى حوزة «حزب الله» والتى سيكون لها عامل كبير بل وحاسم فى الحرب إذا ما قرر فى نهاية الأمر التورط فى هذه الحرب.
وبعيدا عن السيناريوهات فإن التصعيد العسكرى من جانب اسرائيل اتخذ فى الأيام الاخيرة اكثر من منحى، وهى: التصعيد فى عدد الغارات الجوية حتى بلغ المعدل اليومى 250 غارة. وإلقاء أكثر من ألفى طن من المتفجرات. ورأى عدد من المحللين فى هذا المنحى أنه نتاج حالة التخبط والهيستيريا التى انتابت «نتنياهو» خوفا من ان تطيح به هذه الحرب كما اطاحت عام 2006 برئيس الوزراء «ايهود أولمرت» وقيادات الجيش الإسرائيلى.
المنحى الثانى: بدأت الحرب البرية وسط خسائر معنوية كبيرة فى صفوف الجنود الإسرائيليين. يشار إلى تصريحات قائد المنطقة الجنوبية الإسرائيلى السابق الجنرال «طال روسو» بأن القيادات العسكرية العملياتية متخوفة من الدخول الى قطاع غزة لاسباب موضوعية منها الخوف من تكبد خسائر كبيرة والخوف من الغرق فى مستنقع غزة، والخوف من مفاجآت لم ينته ظهورها فى كل يوم.
وحتى قبيل الاجتياح البرى، فقد اعترف «روسو» بأن المنظمات الفلسطينية وخاصة حركتى «الجهاد» و«حماس» اعدتا مفاجأة غير متوقعة للجيش الاسرائيلى وللجبهة الداخلية نوع الصواريخ التى تضرب تل ابيب وحيفا بل يمكنها ان تصل الى عكا وتضرب القدس وتضرب اهدافًا استراتيجية ولم يستبعد ان تكون هناك مفاجآت اخرى خاصة فى المعارك البرية.
فهناك مخاوف وهواجس لدى القيادات الاسرائيلية أن تكون فصائل المقاومة الفلسطينية تعد لمفاجآت اخرى فى المعركة البرية. منحى آخر وهو هام للغاية ومؤثر، وهو التعتيم الإعلامى المفروض على الخسائر الجسيمة التى يتكبدها الجيش الاسرائيلى، فهناك تأخير كبير فى الإعلان عن الخسائر ولا يتم الإعلان عنها إلا بعد الصدى الإعلامى الكبير . يضاف إلى ذلك المخاوف من تصاعد الأوضاع الداخلية نتاج غضب عرب 48 ضد العدوان الإسرائيلى.
وحتى هذه اللحظة، فقد أقر خبراء إسرائيليون بفشل هدف العملية البرية على القطاع، والتى أقرها المستوى السياسى بهدف تدمير الانفاق. مرجعين ذلك للعديد من الاسباب منها قلة المعلومات الاستخبارية عن اماكن الانفاق، والوقت الطويل لعمليات اكتشافها وتدميرها، وارتباط العملية بوقت زمنى محدد، التأييد الشعبى لحماس الذى يمنح غطاء أمنيًا لها وسط السكان، وغياب المعاجلة المستمرة لقدرات حماس من قبل الجيش الإسرائيلي.
موضحين أن ما تبحث عنه إسرائيل فى الوقت الحالى الخروج من العملية البرية من خلال إيهام الجمهور بتحقيق انجازات بواسطة توثيق عمليات تدمير الجيش لعدد من الانفاق التى يتمكن من اكتشافها على حدود غزة وتصويره بأنه قام بالقضاء على الانفاق التى تشكل تهديدًا استراتيجيًا.
ونقلت القناة العاشرة الإسرائيلية تصريحات قائد لواء غزة السابق «جيورا جبرا» أن إسرائيل أنفقت الملايين وجذبت العشرات من الشركات والمهندسين المتخصصين فى القضاء على الانفاق واستخدمت العديد من الوسائل مثل إغراق الاراضي، لكنها لم تنجح ولا يوجد أمامها حل سوى توفير معلومات دقيقة عن أماكن وجودها.
كما أكد «عوزى أراد» مستشار الامن القومى السابق فى مكتب «نتنياهو» أن إسرائيل هى التى وضعت نفسها فى هذا المأزق بسبب عدم قدرتها على القضاء على حماس وقدراتها العسكرية، وأنه لا يوجد قرار إسرائيلى للقضاء على الحركة.