السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«العصا والجزرة» خطة أمريكا لإفشال مخططات إيران النووية




تقرير- وسام النحراوى

فى ظل التوترات التى تشهدها الساحة الدولية ، ما بين ملف الحرب الأهلية فى سوريا، وتحركات داعش التى باتت تشكل خطرا على دولة العراق والأمن القومى العربى عموما، والعدوان الإسرائيلى المتزايد على قطاع غزة، تتوارى أحيانا إيران ورا ء تلك الأحداث لتهرب من الضغوط الدولية عليها لوقف برنامجها النووي، فأحيانا تنجح وأخرى تفشل، لكن فى جميع الأحوال ملفها مطروح بقوة على الساحة الدولية، ويمثل عقبة رئيسية عند بعض القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

فبالرغم من أن وكالة الطاقة النووية هى الهيئة المخولة بالتفاوض المباشر مع طهران، إلا أنه مؤخرا دخلت دولا أخرى للتفاوض معها، فى محاولة منها لمنع التقدم النووى الإيرانى ،وعرقلة جهودها للحصول على الأسلحة النووية.
فى هذا السياق نشر «المجلس الأمريكي-الإيرانى الوطني» دراسة تحت عنوان: «تأثير العقوبات على مساعى إيران النووية»، فى محاولة لرصد أهداف العقوبات وتأثيرها وكيفية تعامل طهران معها وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج؛ أهمها: تغيير سياسات إيران تجاه برنامجها النووي: ترى الدول الغربية أن العقوبات هى الأداة الرئيسية لرفع تكلفة تطلعات إيران النووية. وهناك ثلاثة أسباب تكمن وراء ذلك، هي:
 تدمير الاقتصاد الإيراني، وإلحاق الضرر بالمدنيين الإيرانيين، وتهديد بقاء النظام الإيراني، ومحاولة دفع المجتمع الإيرانى للضغط على الحكومة لتغيير سياساتها، سواء من جانب المدنيين بالقيام بالاحتجاجات، أو من جانب أصحاب المصلحة.
 محاولة إضعاف الاقتصاد الإيرانى على المستوى المحلى والإقليمى والدولي.
كما أشارت الدراسة إلى  الضغط للرجوع إلى طاولة المفاوضات وتفترض الدراسة أن استمرار الضغوط على إيران بسبب برنامجها النووى سيغير من سياساتها القائمة للحصول على سلاح نووي، مما سيجبر طهران على العودة إلى المفاوضات، باعتبارها الطريق الوحيد لإنهاء العقوبات وجميع أشكال الضغط الأخرى التى تهدد المصالح الإيرانية على المستويين الداخلى والخارجي.
وشددت الدراسة على ضرورة ردع بعض الدول لتأكيد هيمنة الولايات المتحدة من خلال زيادة الضغط على طهران بفرض عقوبات لم يسبق لها مثيل تهدف لإظهار قوة الولايات المتحدة، وإظهار التكاليف الباهظة التى تكبدتها طهران ثمنًا لجهودها النووية، الأمر الذى يدفع الدول إلى عدم التفكير فى امتلاك برامج نووية، أو محاكاة مسار طهران النووي.
وألقت الدراسة الضوء على رد فعل إيران على العقوبات بالإشارة إلى عدة نقاط رئيسية منها تكييف الاقتصاد الإيرانى على مواجهة التحديات: فقد أدى تدهور مسار الاقتصاد الإيرانى إلى تبنى الحكومة الإيرانية استراتيجية «اقتصاد المقاومة» من خلال أربع طرق أساسية تتمثل في:
 الحفاظ على التوازن التجارى من خلال: احتياطيات النقد الأجنبي، والرقابة على الصادرات.
توفير الاحتياجات الاقتصادية الأساسية للفرد من حصيلة الصادرات النفطية.
زيادة طاقة التكرير المحلية، واستغلال النفط الخام الزائد محليًّا؛ لتحويل إيران إلى دولة مصدِّرة لمنتجات التكرير والغاز.
تحول تجارة المصارف الرسمية إلى الشبكات المالية غير الرسمية، والتعامل بشكل أكبر من خلال إتمام الصفقات عن طريق تجارة المقايضة، ومكاتب الصرف الأجنبية.
واختتمت الدراسة تقريرها بأنه لا توجد بيانات تشير إلى تباطؤ عمل البرنامج النووى الإيرانى على مدى السنوات الأربع الماضية، ولكن على العكس زادت نسبة اليورانيوم المخصَّب، وأجهزة الطرد المركزي. مشيرة إلى تأكيد بعض العناصر داخل الحكومة الإيرانية استمرار إيران فى برنامجها النووي؛ حيث تسرع إيران فى مواصلة البرنامج، ردًّا على العقوبات.
وتهدف إيران من ذلك إلى إقناع مجلس الأمن بعدم جدوى العقوبات، والإلحاح على الغرب لقبول حق إيران فى تخصيب اليورانيوم، وأخيرًا رفع التكلفة لرفض الدول الغربية التخفيف من حدة العقوبات.
وكان التقارب بين إيران والغرب لفترة طويلة أشبه بـ«الحوت الأبيض» فى عالم السياسة العالمية. لكنه يبدو على نحو متزايد أن العالم ربما يكون على أعتاب عصر جديد يتسم بالتعاون الذى قد يكون حذراً، ولكنه حاسم بين الدول، وخاصة إيران والولايات المتحدة، والذى كان متعذراً بل وغير وارد منذ اندلعت الثورة الإسلامية فى إيران فى العام 1979.
ومع انهيار البلدان فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط وتفكك السيادة الإقليمية -وبشكل خاص فى العراق- يأتى دفع الملف النووى الإيرانى فى مسار التفاوض فى الوقت المناسب تماماً، فمن أجل وقف انزلاق المنطقة إلى الفوضى، يتطلب الأمر وجود قوى ضخمة داعمة للاستقرار وقادرة على مساندة العمل المنسق الذى يهدف إلى وضع حد للعنف الطائفي فى المنطقة. وهنا تستطيع إيران أن تلعب دوراً أساسياً.
فإلى جانب عمقها التاريخى والثقافى الذى يمنحها قدراً من السلطة فى الشرق الأوسط، تتمتع إيران بواحدة من الحكومات القليلة العاملة فى المنطقة والقادرة على الاستجابة للتطورات الجيوسياسية، ناهيك عن احتياطياتها الهائلة من النفط، والتى تؤمن دورها الحاسم فى معادلة الطاقة العالمية المعقدة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بأوروبا، التى تعمل على الحد من اعتمادها على الواردات الروسية من الطاقة.
والمشكلة  الحقيقية تكمن فى أن إيران كانت تهدر بشكل مستمر إمكاناتها الزعامية، حيث اختارت بدلاً من ذلك أن تلعب دور المفسد، خاصة من خلال استخدام الجيوش بالوكالة. وتعزز هذه النزعة الهدّامة الحاجة إلى التعاون الذى يستند إلى حوافز قوية تدفع إيران إلى انتهاج سياسة خارجية بناءة ومعتدلة لتحقيق هذه الغاية.
وتشكل المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، إلى الصين وروسيا بالإضافة إلى الولايات المتحدة) خطوة أولى بالغة الأهمية. فلفترة طويلة ظلت طموحات إيران النووية تشكل تهديداً أمنياً رئيسياً فى الشرق الأوسط، بسبب تضخيمها لخطر قيام إسرائيل أو الولايات المتحدة بعمل عسكرى ضد إيران، بل وربما ما هو أكثر ترويعاً من ذلك (انطلاق سباق تسلح إقليمى مع دول الخليج). وبالرغم من أن شبح التفتت والعنف الطائفى تحول مؤخراً إلى خطر أكثر إلحاحاً، فإن المخاطر المرتبطة بظهور إيران كقوة نووية لا ينبغى أن يستهان بها.
وتعمل الديناميكيات السياسية الداخلية فى إيران على تعظيم أهمية المحادثات الحالية. فإذا لم يتمكن الرئيس الإيرانى حسن روحانى من تقديم عائدات اقتصادية ملموسة لمواطنيه من مشاركته مع الغرب -خاصة تخفيف العقوبات الدولية- قبل حلول موعد الانتخابات البرلمانية فى العام المقبل، فسوف يتمكن المتشددون من إعادة فرض هيمنتهم على السياسة الخارجية الإيرانية. وعلى هذه الخلفية، وجد الغرب أخيراً فى روحانى ووزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف محاورين ملهمين، يتسمان بالفعالية ظاهرياً.
ولعل الدافع الأكثر أهمية وراء المفاوضات هو أن حل الوضع النووى الإيرانى أصبح شرطاً لا غنى عنه لإعادة البلاد إلى حظيرة المجتمع الدولي. ولا تستطيع إيران أن تلعب دوراً داعماً للاستقرار فى الشرق الأوسط كدولة منبوذة. وهذا لا يعنى أن المفاوضين لا بد أن يتوصلوا إلى اتفاق بأى ثمن. فالتوصل إلى اتفاق ضعيف يفتقر إلى آليات التحقق الكافية ويترك لإيران قدرات التخصيب الكافية لإنتاج السلاح النووى فى الأجل القريب سوف يكون ضرره أكثر من نفعه. فبعيداً عن تأجيج مخاوف إسرائيل الأمنية وتغذية المعارضة المتزايدة من قِبَل الكونجرس الأمريكى المتشكك، سيكون من شأن مثل هذا الاتفاق أن يعزز من موقف العناصر الأكثر تعويقاً فى إيران، فضلاً عن القضاء على إمكانية المشاركة البناءة فى المستقبل.
ويظل التوصل إلى اتفاق فعّال وعادل أمراً بالغ الصعوبة بلا أدنى شك؛ لكن هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد بإمكانية التوصل إلى مثل هذا الاتفاق. فقد أحرزت الجولة الحالية من المحادثات بعض التقدم فى واحدة من نقطتين شائكتين رئيسيتين فى هذه القضية: مفاعل الماء الثقيل فى آراك.
أما القضية الرئيسية الأخرى، مسألة أجهزة الطرد المركزي، فهى إشكالية أكثر تعقيداً. لكن الإجراءات البديلة – على سبيل المثال، التركيز على حجم الإنتاج الإجمالى بدلاً من عدد أجهزة الطرد المركزى – إلى جانب ضمانات الرصد والمراقبة القوية، من الممكن أن تسهل التوصل إلى اتفاق.
ومع حل المشكلة النووية، يصبح بوسع زعماء الغرب تعزيز التعاون مع إيران فى مجالات حيوية أخرى، بدءاً بالأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط. وبطبيعة الحال، لن تكون مشاركة إيران فى هذا الجهد، على الرغم من أهميتها، كافية لوقف المجازر الحالية. فنظراً للطبيعة الطائفية للصراعات الإقليمية، والتى تتحمل السلطات الإيرانية قدراً عظيماً من المسئولية عنها، لا بد أن تُدار المشاركة مع إيران فى إطار أوسع من التعاون الإقليمي، خاصة مع دول الخليج.
وفى حال افتقار الولايات المتحدة وأوروبا إلى الرغبة أو الموارد الكافية للاستجابة بشكل فعّال للتطورات المأساوية الجارية فى الشرق الأوسط، فلا بد أن تأتى الحلول، ولو جزئياً على الأقل، من جانب بلدان تتمتع بنفوذ قوى على الأرض فى هذه المنطقة. وينبغى فى الوقت نفسه على زعماء الغرب فى إطار السعى إلى التعاون مع بلدان مثل إيران أن يتوخوا الحرص والحذر، وأن يتجنبوا السماح للشعور بإلحاح هذه القضية بأن يطغى على تقديرهم للإمكانات التخريبية التى تميز مثل هذه الأنظمة.
وبأخذ هذا التحذير فى الاعتبار، فإن الفوائد المحتملة التى قد تترتب على المشاركة الغربية مع إيران سوف تكون على أرض الواقع أعظم من كل التصورات. وسوف تحظى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى على مدى الأسابيع المقبلة بالفرصة لإنجاز خطوات مهمة نحو شرق أوسط أكثر استقراراً وأمناً، وهى النتيجة التى سوف تعود بالنفع على العالم بأسره.
أكثر وتعود طموحات إيران النووية لـ5 مارس 1957، عندما أعلن الشاة محمد رضا بهلوى عن البدء فى بناء مشروع للبحوث والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. وكانت الولايات المتحدة فى طليعة الدول الداعمة لمشروع الشاة، وفق برنامج «أيزنهاور» الذى حمل شعار الذرة من أجل السلام. وفى العام 1967 أُسس مركز طهران للبحوث النووية، وضم مفاعلا بقدرة خمسة ميجاوات غذته واشنطن لاحقا بيورانيوم عالى التخصيب. وبعد قيام الثورة فى العام 1979، تحول الغرب من داعم قوى للبرنامج النووى إلى متوجس منه يعمل على إفشاله كليا أو عرقلة مساره على أقل تقدير.
وفى بدايات عام 2004 عرضت الترويكا الأوروبية المؤلفة من فرنسا وبريطانيا والمانيا على ايران التفاوض مباشرة لايجاد حل للمسألة، واللقاءات الاولى بين الجانبين اثمرت فى شهر نوفمبر من نفس العام اتفاقا على تعليق ايرانى مؤقت لعمليات تخصيب اليورانيوم. هذه الخطوة اتبعت بتوقيع طهران على البروتوكول الملحق لاتفاقية حظر الانتشار النووي، والذى اتاح للوكالة الدولية للطاقة الذرية حرية اكبر فى تفقد المنشآت النووية الايرانية.
وبلغت الأزمة ذروتها فى 11 أبريل 2006 عندما أعلن نجاد من مدينة مشهد أن إيران نجحت فى تخصيب اليورانيوم وانضمت إلى نادى الدول النووية. وردا على هذا التطور، طالب مجلس الأمن إيران بتعليق جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، ليفرض عليها لاحقا سلسلة من العقوبات. وفى ديسمبر 2007 أصدرت المخابرات الامريكية تقريرا يؤكد على عدم امتلاك ايران برامج تسلح نووي. هذا التقرير ادى الى احراج الادارة الامريكية، الا ان ذلك لم يثنى واشنطن وبعض حلفائها الغربيين عن مواصلة التصعيد فى مجلس الامن الدولى من خلال السعى الى اصدار قرار جديد عن المجلس يفرض عقوبات على طهران.
وتتعامل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع الملف النووى الإيرانى  تعاملا يتسم بالشد والجذب،إذ شككت الوكالة فى تقارير سابقة لها بسلمية البرنامج النووى الإيرانى وتحدثت عن بعد عسكرى له، كما طالبت طهران بفتح موقع «بارشين» للتفتيش بعد أن تحدثت عن صور تم التقاطها للموقع تثير الشكوك حول القيام بتجارب نووية هناك.
من جهتها، تؤكد طهران أنه موقع عسكرى بحت، وتنفى باصرار سعيها لامتلاك أسلحة نووية، وتقول إن برنامجها يخدم أغراضاً سلمية وحسب، ولا يتنافى مع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التى وقعت عليها، وهو ما أشار إليه عضو لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية فى البرلمان الإيرانى إسماعيل كوثري. وقال كوثرى إن طهران تتعامل بشفافية مع الوكالة وفق المعاهدات القانونية، وتسمح للمفتشين بزيارة المواقع النووية، مشيراً إلى أن كاميرات المراقبة تسجل كل ما يحدث فى تلك المواقع وتنقله للوكالة.
أما الدعوات الغربية إلى ليونة إيرانية أكبر فى المفاوضات المقبلة، أو حتى خطوة إخراج بنك صادرات الإيرانى من قائمة العقوبات فقد تبدو سعياً لجذب إيران إلى طاولة محادثات قد تنتج توافقاً معيناً. وعلى الغرب أن يسعى للتخفيف من حدة التوتر خلال هذه المرحلة مع إيران، ولكن طهران لا يمكن أن تسير باتجاهه الآن كون الخطاب الداخلى للحكومة الحالية محافظا ويرفض تقديم أى تنازلات أو حتى التعامل مع الغرب، وهذا يؤثر بالتالى على السياسة الخارجية ويبرر حالة الشد والجذب.