الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

داعـش.. الخطر الحقيقى فى المنطقة




تقرير: إسلام عبدالكريم

يتنامى خطر الجماعات الإرهابية يوما بعد داخل منطقة الشرق الأوسط، ولعل أبرزها وأقواها على الساحة «دولة الإسلام عى العراق والشام»، والمعروفة بإسم «داعش». وخطر هذا التنظيم بالأخص يمثل تحدى كبير لكافة الدول فى المنطقة، بما فيها إسرائيل، حيث تتزايد خطورتها مع نشاطها فى دول جوار لإسرائيل،خاصة سوريا وبوجود تقديرات وتحذيرات من نشاطها فى الأردن، وهو ما يدفع إسرائيل باستمرار لوضع سيناريوهات أو استراتيجية للتعامل مع هذا التهديد.

ومتابعة لتنامى نفوذ تلك الجماعة، أعد مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى عدة تقارير عن «داعش»، من بينها تقرير يحمل عنوان «داعش .. وتقييم المخاطر»، والذى قام على اعداده الباحث والخبير الشرق أوسطى «يورام ميتال»، وأوضح خلاله أنه من الظاهر لا توجد أى تهديدات مباشرة أو سريعة على أمن إسرائيل جراء الأحداث الدموية والتطورات التى تشهدها العراق بسبب المعارك بين قوات الجيش وقوات داعش، لكنه تؤثر بشكل سريع على تعزيز قدرات «الجهاد العالمي» – تنظيم «القاعدة» – والتى تنشط فى دول الجوار الإسرائيلي.
لكنه رأى أن الواقع مغاير تماما لم هو ظاهرا، حيث أن صورة الوضع القائم فى سوريا يطرح تهديدا  مباشر لأمن إسرائيل، وحتى من الحدود الأردنية، بما فيهم منظمات لم تحارب ضد إسرائيل بشكل مباشر مثل «جبهة النصرة»، ولكن من الممكن أن توجه تلك الجماعات أسلحتها صوب إسرائيل.
وأضاف أنه منذ سقوط مدينة الموصل فى أيدى «داعش» ظهرا جليا الوضع الأمنى المتردى فى العراق، وصورت وسائل الإعلام أن الجماعة أوشكت على احتلال العاصمة بغداد وباقى مدن العراق. كما تواردت التقارير أن دول الخليج العربى والأردن قلقون من أن يكون لهم نفس المصير.
وأكد على أن الجماعة تعتنق فكر و أيديولوجية «الجهاد العالمي» فى اقامة «الخلافة الإسلامية» وتطبيق قانون الشريعة على غرار حركة طالبان بعد وصولها للحكم فى افغانستان، لكن الخلاف الذى نشأ بين قائد الجماعة «أبو بكر البغدادي»وبين زعيم «القاعدة» أيمن الظواهرى أدى لطرد «داعش» من التحالف مع قوات القاعدة فى العراق.
علاوة على هذا، فالأمر أكثر من تفوق عسكرى هائل لقوات داعش على الجيش العراق، يظهر انحسار الشرعية عن حكومة «نور المالكي» والتيار الشيعي، وضربة قاسمة للجيش العراقى وفشل قيادته، ونجحت «داعش»  فى جذب العديد من السكان السنيين فى العراق جراء كرههم الشديد لنظام «المالكي» ونزعته الشيعية. ونجح فى اصدار ضجة كبيرة حول قواته وانتصاراته وهوّل فى نشر قدراته العسكرية بالعراق، لكنها على كافة الأحوال – ووفقا لتقارير أمنية غربية – تقدر بـ10 آلاف مقاتل، وهى قوة كافية  لإحتلال العاصمة بغداد. إلا أنه مازال بعيدا عن السيطرة على مناطق واسعة فى سوريا كما فعل بالعراق، واكتفى بالسيطرة على مدن صغيرة.
ورأى «يورام» أن أول المتخوفين والقلقين من النجاحات التى حققتها «داعش» فى العراق، هى إيران، يليها تركيا والأردن الذين من المتوقع أن يتخذوا تدابير لايقافه. وتعد الانجازات التى حققها «داعش» مفاجئة بكل المقاييس على الساحة الاقليمية والدولية، وتهديدا مباشرا على أمن دول الجوار. والتدخل الاقليمى للولايات المتحدة فى المعركة لن يلقى قبولا، بل يواجه معارضة أقليمية كبيرة خاصة بعد تورطها السابق فى احتلال العراق، كما أن تدخل عسكرى سيكون محدودا، جراء المخاوف الأمريكية من التورط مرة أخرى فى المستنقع العراقي.
لافتا أن إيران حشدت قواها فعلا لدعم ومساعدة «المالكي» والنظام الشيعى القائم فى العراق،الذى يعد حاليا حليف قوى لها، فهى ترغب فى ملئ الفراغ الذى تركه الانسحاب الأمريكى من العراق اتوسيع نفوذها وهيمنتها ولتجنب الأخطار الممكنة التى يمكن أن تكون مصدرها جماعات الإسلام السنى المتطرف على حدودها. كما أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدى أمام سيناريوهات كتلك.
ولخص التقرير الإسرائيلى الخطر الحقيقى والجوهرى من انتصارات داعش بأرض العراق هو دفع ظاهرة من الأفكار والأنماط التى تقدمها وتعتنقها الجماعة لباقى الجماعات المتشددة فى الشرق الأوسط وباقى دول العالم، خاصة أن لديها العديد من الشركاء والحلفاء الذى ينشطون فى المنطقة وما وراءها.
وأن الخطر الحقيقى من هذا الوضع نبع من رأس المال المتراكم الذى نجح «داعش» فى تكوينه فى العراق عندما استولى على الأموال التى كانت فى العديد من البنوك العراقية، والتى كانت تحميهم قوات الشرطة والجيش العراقي. كما أنها تسيطر على أموال وأصول بعد سيطرتها  على مستودعات احتياطى النفط والطاقة التى تمدها بدخل كبير مكنها من فرض سيطرتها على العديد من المدن العراقية، ومنحها اكتساب نفوذ هائل على الأنشطة الإرهابية وباقى الجماعات التى تعتنق نفس الأيديولوجية.
بالإضافة إلى استجواذها على كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد العسكرى، وبعضها غربى متطور، من الجيش العراقى أو المهرب، حيث أصبحت تلك الأسلحة الآن فى أيديها،والتى تمكن أن تجد طريقها لباقى المنظمات الإرهابية فى الشرق الأوسط وخارجة.
وأوضح التقرير أن إسرائيل مثل العديد من دول المنطقة تراقب تطورات المعركة عن كثب، وتزيد من استعدادها وآلياتهاالاستخباراتية لمواجهة «داعش» ومراقبة اتصالاته مع باقى الجماعات الإرهابية داخل حدود العراق، حتى يمكنها التعامل مع الأمر حالة زيادة أو تشكيله تهديدا مباشرا على أمنها. فحاليا لا يوجد تهديد مباشر على إسرائيل، لكن من المتوقع أن هذا التطور قد يعزز من قدرات «الجهاد العالمي» الذى يعمل حول إسرائيل.
وعلى الرغم من أن صورة الوضع فى سوريا طرحت تهديدا يبدوا محتملا ضد إسرائيل من جانب «جبهة النصرة» فى مرتفعات الجولان والحدود الأردنية، فحتى لو لم توجهه ضد الجماعات أسلحتها صوب إسرائيل، فلا يمكن ربطها مباشرة بعمليات اطلاق النار التى تجرى على الحدود السورية الإسرائيلية، ولكن احتمالات التصعيد من جانبهم موجودة وقائمة.
الأساس العقائدى والأيديولوجى لـ»داعش» و»جبهة النصرة» الذين أعلنواعن عزمهم لضرب إسرائيل مستقبلا يعزز التقديرات بأن تلك المنظمات ستحاول مستقبلا خلق أو شن جهمات وتوجيه تهديدات صوب إسرائيل. وسرد «ميتال» عدة هجمات تم احباطها ورد بها اسم «داعش» سواء فى غزة وباكستان وسوريا. موضحا أنه ليس من الواضح اذا كانت الحركة تحاول فعليا توجيه ضربات لإسرائيل أم انها مباغتات، لكن لا يمكن الإنكار أن المعارك التى خاضتها فى العراق وسوريا أكسبتها ثقة كبيرة، وثروات هائلة وموارد كبيرة، فعليا لا يمكن الاعتماد على تلك الموارد فى احتلال العراق لن على الأقل يمكنها أن تستخدمها فى توسيع أنشطتها لتوجيه هجمات لساحات أخري، بما فيها إسرائيل.
تقرير آخر أعده المركز تحت عنوان «العواقب الاستراتيجية لنجاحات داعش فى العراق وسوريا»، وأوضح هذا التقرير أن سيطرة داعش على عدة مناطق فى العراق سوريا يعد دليلا على تعزيز قوات القاعدة والتنظيمات الجهادية ككل فى المنطقة وزياذة الرغبة غب اقامة دولة الخلافة الإسلامية، فى ظل ضعف الدولة المركزية فى تلك الدول،إذ بدأت فى جمع موارد وأموال لتعزيز سلطانها.
ووفقا لهذا التقرير، فإن داعش تسعى لمحو الحدود التى وضعتها القوى الاستعمارية خلال اتفاقية «سايكس بيكو» لإقامة دولة الخلافة الموحدة لحكم العالم وفرض الشريعة الإسلامية. من ناحية أخرى تسعى إيران إقامة دولتها وتعزيز نفوذها فى منطقة الهلال الشيعى عبر حدودها، وهذاما يجعل الصراع السنى الشيعى ينبسك علس مساحة واسعة.
ورأى أن هذا الهجوم يهدف لمحو الحدود بين العراق وسوريا، فى حين أن تورط «حزب الله» فى الحرب السورية أدى لعدم وضوح الحدود اللبنانية السورية. والانتصارات التى حققها الجهاديين فى العراق شكلت دفعة قوية للجماعة فى سوريا لدعم وضعهم بالشام،خاصة بعد سقوط كمية من الأسلحة الأمريكية فى أيديهم – خاصة الطائرات بدون طيار والمدرعات.
والتورط الإيرانى بالعراق يمكن أن يؤدى بدوره إلى عدم وضوح الحدود بين العراق وإيران كما حدث بين العراق وسوريا، وبين سوريا ولبنان. فتلك الجماعات الإرهابية تؤمن بأنها ستنجح حالة محو الحدود بين الدول العربية ومد بساط من النفوذ السياسى والدينى لإقامة دولة الخلافة.
وأشار التقرير إلى الأردن أيضا، خاصة فى ظل المعاناة الاقتصادية بعد تدفق أكثر من مليون لاجئ سورى ومئات الالاف من اللاجئين العراقيين. كما أن قائد داعش هدد باجتياح الأردن وقتل الملك، وعلى الرغم من تدخل السعودية وردها بأنها ستحمى الأردن إذا اقتضت الضرورة لكن الأردن لا يمكنها الاعتماد على المساعدات السعودية، فهى فى حاجة لتفعيل قدراتها العملياتيه والاستخباراتية لتأمين حدودها مع سوريا والعراق. كما أنها تحتاج لدعم استراتيجى عسكرى كبير وواضح، لكنها لا تستطيع الاعتراف بهذا علنا، وتظل إسرائيل هى السند الاستراتيجى لها.
واعتبر أن التطورات الأخيرة فى العراق وسوريا هى اختبارا لسياسة الإدارة الأمريكية فى المنطقة. لافتا أن استراتيجية الخروج الأمريكى من العراق اعتمدت على بناء قوات أمن مدربة . وفى سوريا وضعت استراتيجية ترتكز على مساعدة المعارضة بشكل محدود لمحاربة «حزب الله» وجيش «بشار الأسد»، إلا الاستراتجية انهارت فى كلتا الدوليتن، فقد انهار الجيش السورى الحر مقابل التنظيمات الإسلامية، أما القوات النظامية العراقية فقد منيت بالفشل وهربت أمام «داعش» رغم كونها مدربة ومجهزة بتقنيات أمريكية عالية.
وبهذا، فقد فشلت الاستراتيجية الأمريكية فى بناء شراكة فعلية مع تلك العناصر، وأدى هذا لتآكل «الدرع» الأمريكى بالمنطقة،خاصة بعد تراجع الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» عن توجيه ضربة عسكرية ضد نظام الأسد فى سوريا، بالإضافة إلى الشعور بالإحباط لدى حلفاء واشنطن فى المنطقة، وخوفهم من ان تتخلى عنهم وقت الحاجة.
ورغم إرسال عناصر عسكرية أمريكية للعراق، إلا ان التدخل العسكرى الموسع مازال مطروحا على الطاولة السياسية الأمريكية، وأشار التقرير أن الهجمات الجوية الأمريكية التى تم شنها ليست فعالة وليست كافية لوقف هجمات «داعش». وأن الوضع فى العراق خلق تلاقى مصالح بين واشنطن وطهران، حيث أن طهران لاعب رئيسى ، كما ان هناك من يعتقد أنها فرصة لتعزيزالمصالح والنقاش حول النووى الإيرانى ورفع العقوبات الاقتصادية عنها.
وأرجع التقرير النجاحات التى حققا داعش على الجبهتين فى سوريا والعراق إلى عدة أسباب، أبرزها: ضعف الهيكل الادارى والوظيفى للدول العربية، الهيكل المنتشر لتلك الجماعات الذى يسهل من شن هجمات ، ضعف وعجزالمجتمع الدولى –  خاصة واشنطن- فى حل الأزمات خاصة بالشرق الأوسط، إضافة إلى عدم وجود رغبة للتدخل العسكري، أيضا تآكل صورة واشنطن وتراجع قدرتها على حل المشاكل الاقليمية، وزيادة المخاوف لدى حلفاءها من أنها ستتركهم وقت الحاجة.
فالزحف المذهل الذى حققه «داعش» يحمل فى شمال العراق وغربه خلال الفترة الماضية تبعات عسكرية كبيرة على الحرب فى سوريا. وإذا استمرت الحرب فى العراق لبعض الوقت وعلى مستوياتها الخطيرة - كما يبدو مرجحا - ستصبح هذه التأثيرات أكثر بروزًا فى سوريا، إلا أن تطورات ساحة المعركة فى كلا البلدين ستوفر أوضح المؤشرات عن الجهة التى تستفيد من الوضع وتلك التى لا تستفيد منه.
ومن المرجح أن تثبت حملة «داعش» فى العراق أنها سيف ذو حدين بالنسبة للتنظيم فى سوريا. ويقينا، وله آثار متعددة  وإيجابية على قواته، وستزداد قوة التنظيم ككل على المستويين السياسى والنفسى فى المستقبل القريب. وسوف يعتبر ناجحا فى المعارك وقادرا على إحراز إنجازات تنظيمية ولوجستية. وسيتم تعزيز صورة «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» باعتبارها قوة لا تقهر.
وستستفيد «داعش» من الأموال الطائلة التى استولت عليها من المصارف العراقية والتى تقدرها التقارير بما يصل إلى 495 مليون دولار. وستعزز هذه المبالغ من قدرة التنظيم على بناء قواته وتسليحها، وممارسة الحكم وتوفير السلع والخدمات فى المناطق الخاضعة لسيطرته.
وستؤثر تحركات «داعش» سلبا على قواته فى سوريا. وأول هذه الآثار هو احتمال تشتيت القوات، كما أن المساحة الشاسعة من الأراضى العراقية التى فرض عليها التنظيم سيطرته الإسمية على الأقل، قد تستلزم هى أيضًا قوات إضافية من سوريا لمقاومة التدابير المضادة التى تتخذها الحكومة العراقية من جهة، ودعم السيطرة على هذه المناطق من جهة أخرى.