الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«قارون» بحيرة الرمان والزيتون.. تتحول إلى «بحر ميت»




بحيرة قارون بالفيوم واحدة من أقدم البحيرات الطبيعية فى العالم تبلغ مساحتها 55 الف فدان ويمتد طولها لمسافة 50 كيلو مترا وعرضها حوالى 4 كيلو مترات، وتشتهر بإنتاج اسماك البلطى والموسى والبورى والجمبرى تحولت فجأة الى بحر ميت لا يصلح للسباحة والسياحة ومقبرة لأجود أنواع الاسماك فى العالم بسبب التلوث الذى أصابها بفضل سياسات الحكومات السابقة منذ عام 1971 وحتى الآن.
د.أحمد جابر شديد نائب رئيس جامعة الفيوم وأستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم يؤكد أن بحيرة قارون عرفت منذ ما يزيد على 15 الف عام اى قبل قيام الحضارات و كانت عبارة عن منخفض واسع يستقبل المياه الناتجه عن فيضان نهر النيل بكميات كبيرة وعندما ظهرت الحضارات، بدأ الفراعنة يسيطرون على المياه التى تأتى للمنخفض «بحيرة قارون» وبعد زيادة الفيضان فى المنخفض نزحوا للعيش فى البر الشرقى للبحيرة حيث اهتموا بالزراعة واستمروا حتى جاء الرومان للفيوم الذين اقاموا قناطر اللاهون من اجل السيطرة على مياه النيل وتوزيعها على باقى مناطق المحافظة بدلا من تجمعها فى مكان واحد واستمر هذا الوضع لعدة قرون وفى عصر محمد على والذى استمر فى السيطرة على المياه الواردة للبحيرة. ثم بدأ فى زراعة الاراضى حول البحيرة وقام بتوطين القبائل البدوية القادمة من الصحراء الغربيه بجانب السكان الاصليين.
ويضيف د.شديد أن ازمة بحيرة قارون بدأت منذ قرن من الزمان عندما زادت الاراضى المزروعة ووصلت الى 450 الف فدان ترد اليها مليار و200 الف متر مكعب من مياه الرى يصل منها للبحيرة بعد الرى نحو 800 مليون متر مكعب من ناتج الصرف الزراعى وبما انها بحيرة غير طبيعية وما يرد اليها لاتفقده الا بالبخر، فأن ناتج البخار يترسب على هيئة املاح. عاما بعد آخر وصلت نسبة الملوحة الى معدلات مخيفة أعلى من معدلات الملوحة فى البحر المتوسط.
ويضيف الدكتور سمير سيف اليزل الاستاذ بكلية الزراعة بجامعة الفيوم. أن الفيوم عرفت بأرض البحيرات وكان يطلق عليها « الف يوم. ثم بعد ذلك «فيوم» الى ان جاء العرب مع الفتح الاسلامى واطلقوا عليها الفيوم.
ويشير سيف اليزل الى ان فيضان النيل فى بحيرة قارون جلب لها مشكلات كثيرة حيث كانت مطمعا للغزاة نظرا لوجود زراعات القمح والرمان والزيتون والعنب بكميات كبيرة بأراضيها ولا يزال على شاطئ البحيرة مصنع للعنب اقامه الرومان منذ عقود طويلة.
ويضيف عندما جاء البطالمة الى مصر استولوا على ارض البحيرة حيث كانت تستخدم مياة لرى الارض مرة واحدة ثم بعد ذلك اصبحت تروى مرتين والآن ثلاث مرات.
ويشير سيف اليزل الى ان نسبة التلوث وصلت لثلاث مراحل بداية من الستينيات وكانت تمثل 2000 جزء فى المليون ثم وصلت فى الثمانينيات الى 6 آلاف جزء فى المليون وحاليا وصلت نسبة الاملاح الى 40 الف جزء فى المليون وهذه النسبة المرتفعة من الاملاح تؤدى الى عدم نمو الكائنات البحرية وهو ما يهدد البحيرة بأن تصبح بحرا ميتا.
ويؤكد سيف اليزل ان انتاج بحيرة قارون كان يصل الى 10 أطنان يوميا والآن يصل انتاج البحيرة الى 7 اطنان سنويا وهى كارثة بكل المقاييس.
ويقترح سيف اليزل ضرورة تفعيل مشروع الميزان المائى بالمحافظة وهو عبارة عن مصرف مجمع مواز لبحيرة قارون يضم مصارف البطس - سعيد - القاطع الشرق والغربى - داير البركة - الوادى يتم ضمهم فى مصرف واحد يضم بوابات تحكم دخول المياه للبحيرة حتى يمكن الحفاظ على منسوبها خاصة أنه مستمر فى الارتفاع مما يؤدى إلى غرق المنشآت السياحية الواقعه على شاطئ البحيرة، كما ان ارتفاع منسوب المياه المالحة تسبب فى تدهور انتاجية الاراضى الواقعة على الشريط الساحلى للبحيرة وكذلك ضعف خصوبتها.
الدكتور رمضان أبوزيد استاذ الاسماك بجامعة الفيوم يرى ان مصنع استخراج الاملاح من بحيرة قارون كان سببا مباشرا فى تدمير الثروة السمكية خاصة أنه اقيم على مساحة 3 آلاف فدان كانت مفرخًا طبيعيًا للاسماك.
ويضيف ان المصنع ساهم بشكل كبير فى رفع نسبة الملوحة والتى وصلت الى 38% وفى السنوات الاخيرة وبعد اكتمال مراحل التشغيل تراكمت كميات كبيرة من الاملاح على شاطئ البحيرة بعد ان فشلت ادارة المصنع فى تدبير اماكن لتخزين الاملاح مما ادى الى ذهابها مع الرياح الى قاع البحيرة مرة اخرى مما ذاد من ملوحة المياه بها.
ويقول عدلى شعيب رئيس احدى الجمعيات العاملة فى مجال البيئة أن مصنع املاح الفيوم احد اهم أسباب تدمير البحيرة خاصة انه يقوم بالقاء النفايات السامة داخل مياه البحيرة بالاضافة الى سوء استخدام الزريعة التى يتم جلبها من البحر الاحمر وفى الغالب تأتى ميتة والباقى منها يتم زراعته من خلال دفع عبر ماتور كهربائى بشكل غير علمى مما يؤدى الى تلف ملايين الزريعة بالاضافة الى عمليات الصيد الجائر بشباك ضيقة تؤدى الى اصطياد السمك الصغير يتم بيعة بسعر جنيه للكيلو حيث يتم تقديمه كطعام للبط والوز لسكان المناطق الواقعة على شاطئ البحيرة.
عرابى الشورى «صياد» يشير الى ان سبب هروب الصيادين يرجع الى تدنى انتاج البحيرة والتى تصل الى 5 كيلو فى اليوم الواحد وبعضهم هجر المهنة والآن يعملون بوابين والبعض الاخر ذهب للعمل فى بحيرة ناصر بأسوان والبعض يعمل فى بحيرات البرلس والبردويل والبحر الاحمر حتى يستطيع توفير نفقات اسرهم كما ان هناك البعض معرض للسجن بسبب أقساط المراكب التى يصل ثمنها الى 8 آلاف جنيه.
أما سمير الشورى صاحب مطعم اسماك بقرية شكشوك فيقول أن مياه الصرف الزراعى المخلوطة بمياه الصرف الصحى من خزانات المنازل الواقعة على شاطئ البحيرة ادى الى عدم نمو الاسماك بسبب ما تخلفة هذه المياه من ملوثات بيئية تقتل الأحياء المائية.
ويطالب بإنشاء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحى وعدم دخولها الى بحيرة قارون حتى تعود الى سابق عهدها وضرورة اتخاذ اجراءات ضد القائمين على محطات الصرف الصحى بقرى كحك وكفر عبود وشكشكوك بالاضافة الى القرى السياحية والفنادق التى تفتح صرفها على البحيرة.
محمد عربى «صياد» يؤكد أن بحيرة قارون لم تعد كنزا للأسماك مثلما كان يحدث قبل عصر حسنى مبارك و لم تعد سياحية منذ فترة السبعينات خاصة أنه كان يفد اليها الالاف أسبوعيا للاستمتاع بجمال البحيرة و هو ما دفع سكان المنطقة الى التحول الى التطرف الدينى خاصة بعد ظهور حكم الأخوان الذى كشف حقيقة الفقر من خلال العنف الذى يظهر حاليا فى الشارع الفيوم خاصة القرى الواقعة على ساحل بحيرة قارون.