السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تقرير «سرى» لتل أبيب من سياسى أمريكى لخداع العالم




ورغم الخلاف المعلن بين النظام النازى وبين اليهود، إلا أن هذا لم يمنعهم من انتهاج هذا الفكر، ليس فقط داخل مجتمع صهيونى يعج بالعنصرية والتطرف، ولكنه لتوجيه دفة الرأى العام العالمى للتأثير عليه لمنع فرض أى ضغوط على الدولة العبرية لمنعها عن تطرفها تجاه الأبرياء من شعب فلسطين.
فقد نجح الإعلام الإسرائيلى فى التعتيم وتغييب مجتمعه عما يدور على الساحة، وقدر الخسائر التى منى بها الجيش الإسرائيلى خلال عملية «الجرف الصامد» ضد أبرياء قطاع غزة، حيث كانت المواقع العربية والعالمية تسبقهم فى نشر تلك الخسائر، ولم يعترف بها قادة المجتمع الصهيونى- عسكريا وسياسيا- إلا بعد زيادة الضغوط الداخلية عليهم للاعتراف بها.
وأكثر ما يهمنا هنا ليس الإخفاء فقط، ولكن الأهم هو كيفية توجيه هذا الخطاب الإعلامى لجمهور المستمعين، داخليا وخارجيا، لكسب تعاطف غير مستحق. وفى هذا السياق نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقريرا مفصلا أعده «باتريك كوكبيرن»، تناول خلال دراسة قام بنشرها الباحث «فرانك لونتز»، خبير الاستطلاعات فى الحزب الجمهورى الأمريكى والاستراتيجى السياسى المخضرم، عن الطريقة المثلى للإعلام الإسرائيلى لتخرج بياناته وتقاريره الكاذبة بشكل لبق وسلس وفى منتهى الذكاء، بحيث يستطيع إقناع المجتمع الدولى بشكل عام والغربى بشكل خاص أن إسرائيل بريئة.
وأكد «كوكبيرن» فى تقريره أن الأداء الهادئ والطريقة التى تبتعد عن العدوانية للمتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية، وأيضا للأشخاص الذين يقومون بخوض حرب إعلامية نيابة عن إسرائيل تعود إلى الدليل والارشادات التى أعدها «لونتز» والقائمة على الاهتمام بتقوية مجال العلاقات العامة، وإخفاء الفرق الشاسع بين ما يؤمن به المسئولون والسياسيون الإسرائيليون وبين ما يقولونه فى وسائل الإعلام فيما يتصل بالصراع العربى- الإسرائيلي، والذى يضم 112 صفحة مكتوبًا عليها «ليست للتوزيع أو النشر»، والسبب معروف بالطبع.
لافتا أن تقرير «لونتز» وعنوانه «المشروع الإسرائيلى.. القاموس اللغوى العالمي» قد تم تسريبه لمجلة «نيوزويك أون لاين» فور صدوره تقريبا. وأوصى الكاتب الأمريكى أن يقرأه الصحفيون المهتمون بالشأن الإسرائيلى أو الإعلاميون الراغبون فى إجراء مقابلات تليفزيونية مع أى متحدث إسرائيلى رسمي، نظرا للارشادات المكتوبة لهم على شكل «إفعل ولا تفعل» أو «قل ولا تقل».
وأورد التقرير العديد من الأمثلة التى توضح مناطق الضعف والحساسية فى القضايا التى تهم إسرائيل، ومن هذه الأمثلة أن دراسة «لونتز» تقول: إن الأمريكيين موافقون على أن لإسرائيل الحق فى التمتع بحدود قابلة للدفاع عنها، لكن المتحدث الإسرائيلى سيدلى بحديث يضر بمصلحة بلاده إذا حاول تحديد أو تعريف هذه الحدود بدقة، ولذلك ينصحه «لونتز» بألا يتحدث عن الحدود بعبارات مثل حدود ما قبل أو ما بعد 1967، لأن ذلك من شأنه أن يذكّر الأمريكيين بالتاريخ العسكرى لإسرائيل، وسيكون ذلك ضارا بها خاصة عند اليساريين الأمريكوين، وبالنظر إلى استطلاعات الرأى بشأن ذلك، نجد أن تأييد حق إسرائيل فى التمتع بحدود قابلة للدفاع عنها ينخفض فى استطلاعات الرأى العام بأمريكا من 89% إلى 60% عندما تتحدث عنه بعبارات ما قبل أو ما بعد 1967».
وتقول الإرشادات أيضا للمتحدث الرسمى بشأن قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إن قضية حق العودة من القضايا الصعبة بالنسبة للإسرائيليين لأن معظم ما يقولونه يشبه ما كان يقوله مؤيدو «الفصل بين البيض والسود فى أمريكا فى الخمسينيات من القرن الماضي» وما كان يقوله مؤيدو «سياسة الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا فى الثمانينيات»، والحقيقة أن الأمريكيين لا يرغبون ولا يؤمنون ولا يقبلون مفهوم الفصل لأنه يتعارض مع مبدأ المساواة لديهم، لذلك على الإسرائيليين أن يستخدموا العبارات المعبرة عن المساواة.
فينصح الدليل المتحدثين الإسرائيليين بأن يصفوا حق العودة بـ«المطلب» لأن الأمريكيين لا يحبون الشخص كثير المطالب وبالتالى يجب أن تقولوا: «الفلسطينيون غير راضين بدولتهم ويطالبون بأراضٍ داخل إسرائيل».
وتتضمن الاقتراحات الأخرى فى الدليل والمتعلقة بشأن العودة، إذ يقول المتحدث أن حق العودة ربما يصبح جزءا من تسوية نهائية فى المستقبل، ويضيف «لونتز» فى دليله إن الأمريكيين يخافون من مجرد ذكر تعبير «هجرة جماعية» لأمريكا، ولهذا فالحديث عن «هجرة جماعية للفلسطينيين لإسرائيل» لا يجد قبولاً لديهم.
وبالتالي إن لم ينجح المتحدث فى إقناع مستمعيه فليقل لهم إن موضوع حق العودة يعطل جهود إحلال السلام. وكان دليل «لونتز» قد أعد فى مرحلة ما بعد حرب غزة الأولى، فيما عرف إعلاميا وقتها بـ«عملية الرصاص المصبوب» فى ديسمبر 2008، وقتل خلال عمليات الجيش الإسرائيلى وقتها 1300 فلسطيني. ويحتوى الدليل على فصل كامل يدعو فيه المتحدث الإسرائيلى للحديث عن علاقة حماس بإيران، وضرورة عزل الحركة المدعومة من قبل النظام الشيعى لأنها عائق فى سبيل السلام، لكن ولسوء حظ المتحدثين الإسرائيليين فإن علاقات حماس وإيران لم تعد جيدة بسبب الحرب السورية وليس لحماس اتصالات بإيران إلا فى الأيام القليلة الأخيرة بسبب الغزو الإسرائيلي.
كذلك تركز النصائح على اللهجة والنبرة وطريقة العرض التى يقدم بها الموقف الإسرائيلي، إذ تقول النصائح إنه من الأهمية إظهار التعاطف مع الفلسطينيين، فالناس لا يهتمون بما لديك من معلومات بقدر اهتمامهم بما تظهر من اهتمام بشأن ما تتحدث عنه، وهذا يفسر تعاطف المتحدثين بإسم إسرائيل مع الفلسطينيين الذين تقصفهم القوات الإسرائيلية بمنتهى الوحشية، فالدليل يقول «تعاطف مع كلا الطرفين الفلسطينى والإسرائيلي».
وقال «كوكبيرن»: إن النصيحة الأخيرة تفسر سبب التباكى الذى يبديه المتحدثون الإسرائيليون عندما يتكلمون عن معاناة الفلسطينيين الذين تقصفهم الصواريخ والقنابل الإسرائيلية».
وحذر كاتب الدليل بشدة الإسرائيليين- سياسيين كانوا أو متحدثين رسميين- وبالخط العريض من محاولة تبرير القتل العمد للنساء والأطفال الأبرياء، وعليهم أن يقفوا بشدة ضد من يتهم إسرائيل بذلك. وعلق كاتب المقال بأن المتحدثين الإسرائيليين عانوا كثيرا فى تطبيق هذه النصيحة عندما قتل 16 فلسطينيا فى أحد مآوى الأمم المتحدة بغزة خلال العملية العسكرية الأخيرة، وهناك قائمة من الكلمات والعبارات التى يجب استخدامها وتلك التى يجب عدم استخدامها. ومن أهم هذه العبارات «الوسيلة الفضلى والوحيدة للتوصل لسلام دائم هى تحقيق الاحترام المتبادل».
يجب التشديد كثيرا وفى كل وقت على رغبة إسرائيل فى السلام مع الفلسطينيين، لأن ذلك ما يريده أغلب الأمريكيين. ويدعو «لونتز» المتحدثين باسم إسرائيل لإظهار الرغبة فى التفاهم المتبادل بأن يقولوا مثلا «أريد تحديدا الحديث مع الأمهات الفلسطينيات اللاتى فقدن أبناءهن، ولا أريد رؤية أب أو أم وهما يدفنان ابنهما».
وتعترف الدراسة أن الحكومة الإسرائيلية لا ترغب بحل الدولتين، لكن يجب تغليف الحديث عنه بطريقة مختلفة ومحورة، لأن نسبة 78% من الأمريكيين تريد تحقيق ذلك، ويجب على المتحدثين الإسرائيليين أيضا التأكيد على رغبتهم فى إنعاش وتحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية.
ويشير «كوكبيرن» ختاما إلى تصريحات «بنيامين نتنياهو» رئيس الوزراء الإسرائيلى حين قال «يجب علينا أن نسأل حماس ماذا فعلت من أجل ازدهار شعبها»، وهو ما أرتأى به التقرير نفاقا من جانب «نتنياهو» لأنه لم يسأل عن حصار 7 سنين سببت البؤس والفقر لأهل غزة.
ويجب علينا الاعتراف بأنه على قدر ما اثبت هذا الكيان الصهيونى إفلاسه الأخلاقى فى حرب قاسية وغير متكافئة، على قدر ما أثبت من قدرة على إبداع أدوات وتقنيات التضليل الإعلامى للمجتمع الدولي. ثمة استراتيجية تضليل من أخطر ما ابتدعت خيالات مهندسى الدعاية واغتيال الحقيقة تنفذ اليوم لتضليل الرأى العام العالمي، وتبدو نتائجها واضحة تماما فى المواقف الرسمية للعالم الغربي.
فمقابل صعود الشارع العربى والإسلامى الواسع، لم نلمس تعاطفا عالميا بمستوى الحدث وما شاهدناه من مظاهرات أنيقة فى مدن غربية نفذتها جاليات عربية ومسلمة فى الأغلب، لا تتفق وفق أى منطق مع ما يناهز الألف شهيد خلال أسبوعين مقابل 50 من الإسرائيليين سقطوا بصواريخ المقاومة خلال أكثر من ثلاثة أعوام. ويضعنا هذا التصور أمام أربعة مستويات للخطاب الدعائي، بحسب الجمهور المستهدف، أولها:  الخطاب الموجه للداخل الإسرائيلى والذى استفاد من تجربة ما يسميه أخطاء حرب «تموز»، حيث نلمس بشكل واضح النجاح الذى حققه فى إبقاء الساحة الإسرائيلية الداخلية بعيدة عن جدل الحرب، فيما تراجعت فرص الدعاية الموجهة للداخل الفلسطيني، ومخططو هذه الدعاية يعلمون أنهم يخاطبون جمهورا عنيدا ومحصنا، لذا بُنى هذا المستوى من الخطاب على التضليل المباشر والتورط بالأفعال الدعائية والترويع.
المستوى الأكثر أهمية فى الخطاب الدعائى الإسرائيلى الموجه إلى الرأى العام العالمى والغربى تحديدا، تبدو الصدمة الحقيقية فى تواضع حجم الالتفات العالمى لهذه الكارثة التى ترتكب بدماء باردة، تبدو تلك الصدمة حينما نحاكم الأفعال بأحجامها الحقيقية، فالمظاهرات التى نظمت ضد الحرب فى لندن وباريس ومدريد وغيرها من المدن الغربية نُظم مقابلها مظاهرات مؤيدة لإسرائيل، بينما لم نجد ممارسات ضاغطة من قبل الرأى العام الغربى على الحكومات الغربية.
وبدا ذلك واضحا فى قرار مجلس حقوق الإنسان العالمى الذى دان العدوان واتهم قوات الاحتلال بانتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان حيث امتنعت 13 دولة أوروبية عن التصويت، وصوتت كندا ضد القرار فيما صوت مع القرار 33 دولة عربية وآسيوية وافريقية ضمن المجلس الذى يضم 47 دولة.
نعلم أن أولويات الدعاية الإسرائيلية فى هذه المرحلة أن تبقى القضية الفلسطينية فى ثلاجة السياسة الدولية الى حين البحث عن مقبرة تؤويها بصمت مقابل ان يبقى الحدث العراقى والإيرانى فى صدارة الشرق الأوسط المشاكس، وأى هجوم سياسى مضاد لإرجاع القضية الفلسطينية إلى الواجهة يجب أن يفتت من الداخل بالعودة للعزف على أوتار الحساسيات والخيارات المرفوضة والأزمات والحروب، وملامح هذه الدعاية واضحة فى وثيقة استراتيجية الدعاية الإسرائيلية الجديدة لفترة ما بعد احتلال العراق والتى حملت عنوان «أولويات الاتصالات الإسرائيلية»، والتى صدرت فى عام 2005، لكن دعاية الحرب الراهنة تفوقت على كل السوابق الإسرائيلية.