السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«المرأة الجديدة» ليست متاعا للرجل




فى كتابه «المرأة الجديدة».. يرد «قاسم أمين» ـ أبرز رواد حركة تحرير المرأة فى مطلع القرن العشرين ـ على منتقديه، بعد سنتين من صدور كتابه الأول «تحرير المرأة» سنة 1901، إذ كان يرى أن تربية النساء هى أساس كل شيء، وهو ما يؤدى لإقامة المجتمع المصرى الصالح، وتخريج أجيال صالحة من البنين والبنات، فنادى بتحرير المرأة المسلمة وعمل على ذلك، راغبا فى أن يخلق بالتربية السليمة «المرأة الجديدة»، ومن ثم ذاعت شهرته، وتلقى بالمقابل هجوما واسعا، فادعى المغرضون أنه يدعو إلى الانحلال، واقترن هذا الأمر بدعوته لتحرير المرأة خلافا للحقيقة.
أراد «أمين» عبر كتابه هذا أن يوسع الأفكار والمدارك حول حرية المرأة، مطالبًا بإقامة تشريع يكفل للمرأة حقوقها الاجتماعية، مع التركيز على حقوقها السياسية، وأكد انه لا يوجد دين منح حقوقا للمرأة كما فعل الإسلام، فهو جعلها مساوية للرجل فى الواجبات والحقوق مع بعض الاختلافات التى تؤخذ بعين الاعتبار تباين وظائفهما وطبيعتهما.
«العمل يدعو إلى العمل.. والراحة تدعو إلى الراحة».. من أبرز الجمل التى رد بها فى كتابه على من يدعون أن خروج المرأة للعمل قد يؤثر على حياتها الشخصية وعلاقتها بأولادها، فى حين أن الواقع يؤكد أن النساء العاملات يقمن بنشاطات كثيرة داخل وخارج البيت، بينما نساء غير العاملات وغير المتعلمات، لا يستثمرن أوقاتهن فى ما هو مفيد كالقراءة أو تعلم حرفة أو حفظ القرآن مثلا، بل يقتصرن على مشاهدة التلفاز والقيام بالأعمال الروتينية، دون محاولة تطوير شخصياتهن بأى شكل كان.
وعرّف أمين «المرأة الجديدة» فى كتابه بأنها التى بدأ ظهورها فى الغرب منذ عصر التنوير، وهى تلك المرأة التى بدأت تؤدى دورًا اجتماعيًا رائدًا وثقافيًا رئيسيًا فى مجتمعها ودولتها، بعد أن كانت مهمشة ومقصية فى عصور ما قبل التنوير الأوروبي، وأوضح قاسم أمين الرؤية الاجتماعية التى سادت عن المرأة فى عصره داخل المجتمع المصري، التى كانت تشبه إلى حد كبير تلك الرؤية ما قبل التنويرية، وهى رؤية تتعارض مع الفطرة الإنسانية التى فطر الله الناس عليها رجالًا كانوا أو نساء، كما أنها رؤية تتعارض مع الفهم الصحيح للدين، فالإسلام كفل للمرأة حق التصرف فى أملاكها، كما كفل لها حق التعلم وحرية العمل والمشاركة الاجتماعية والثقافية النهضوية فى البناء الحضاري، والفهم المنغلق لدور المرأة، إنما يمكن رده إلى الجهل والاستبداد بالدين والتمسك بالعادات والتقاليد المنافية لفطرة الإنسان والمخالفة للنظرة الأخلاقية القويمة.
أراد «أمين» بهذا الكتاب أن تأخذ المرأة المصرية حقها فى مجتمعها مثل المرأة الأوروبية، وما فهمه البعض على أنه تقليد أعمى للغرب، فإنه فى حقيقة الأمر كان محاولة لاستعادة الأوضاع الصحيحة والسليمة التى تتفق مع الشرع، فالدين أعطى للمرأة حقوقا سلبها منها المتشدقون بالدين، منها حق التعليم والعمل والتصرف فى أملاكها والمشاركة الاجتماعية والثقافية فى بناء الأمة.
وأهدى «أمين» كتابه لصديقه الزعيم سعد زغلول، إذ كان يريد من المرأة أن تكون لنفسها فى المقام الأول، وألا تكون مجرد متاع للرجل، فهى قادرة على تحمل المسئولية وقادرة على الاستقلال، على أن تجد أسباب سعادتها وشقائها فى نفسها لا فى غيرها.
يذكر أن قاسم أمين فتح الباب على مصراعيه للكُتاب والمفكرين، فصدرت فى السنوات التالية لصدور كتابيه «تحرير المرأة»، و»المرأة الجديدة» عدة كتب فى السياق نفسه، مثل كتاب «المرأة الجديدة فى مركزها الاجتماعي» لمحمد السباعي، وكتاب «تحرير المرأة والسفور» لمحمد فخرى، غير أن الكتابين لم يتجاوزا ما كتبه قاسم أمين، أما قبل قاسم أمين، فلم يسبقه فى تناول قضية المرأة فى كتب سوى الشيخ حمزة فتح الله فى «باكورة الكلام على حقوق النساء فى الإسلام»، ولكن شتان بين قاسم أمين بفكره المدنى المتحضر، والشيخ حمزة فتح الله البدوى المحافظ، الذى اعتمد فى كتابه على أحكام وفتاوى ترجع إلى أضعف العصور الماضية، التى لم تكن تسمح بتعدد الأفكار، أو تنوع الاجتهادات.