الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«الموصل» قبل رصاص «داعش»




ما ‏بين ‏لحظة ‏وأخرى ‏نستمع إلى ‏خبر ‏تفجير ‏دير ‏أو ‏كنيسة فى الموصل، ‏وبين ‏الخبر ‏والخبر ‏تهجير ‏أو ‏اضطهاد ‏وقتل،  ‏ونحن ‏نعترف ‏بكل ‏صراحة ‏أننا ‏لا ‏نعرف ‏الكثير ‏عن ‏هذه ‏الديار ‏ولم ‏نعش ‏فيها، ‏لذلك ‏كان ‏من ‏المهم ‏أن ‏نستمع إلى ‏صوت ‏الدكتور ‏ماجد ‏عزت ‏أستاذ ‏التاريخ ‏السياسى ‏للشرق فى جامعة ‏بوخوم ‏بألمانيا ‏والحاصل ‏على ‏الدكتوراه فى التاريخ ‏الحديث ‏والمعاصر ‏من ‏جامعة ‏«القاهرة‏» والذى ‏قضى ‏عددا ‏من ‏السنوات فى الموصل ‏وعاش ‏بين ‏الكنائس ‏والمساجد والبشر ‏الذين ‏يتم ‏تفجيرهم ‏الآن ‏من ‏تنظيم ‏إرهابى ‏لا ‏يرحم ‏بشرا ‏ولا ‏قيمة ‏بالتالى ‏لأى ‏أثر‏.‏

‏■ فى البداية ‏متى ‏وكيف ‏سافرت ‏للموصل؟


 كان ‏ذلك فى أواخر ‏ثمانينيات ‏القرن ‏العشرين ‏وكنت ‏طالبا فى جامعة ‏القاهرة ‏وكانت ‏الجامعة ‏تسمح ‏للطالب ‏بالسفر ‏ما ‏بين ‏الفرقة ‏الأولى ‏حتى ‏الثالثة، ‏ففى ‏السنة ‏الثالثة ‏فكرت فى الهجرة ‏خارج ‏البلاد ‏لرغبتى فى استكمال ‏تعليمى ‏بالخارج، ‏وكنت ‏أفضل ‏دولة ‏كندا ‏أو ‏أستراليا، ‏ولكن ‏تكاليف ‏السفر ‏المرتفعة فى ذلك ‏الوقت ‏منعتنى ‏من ‏تحقيق ‏حلمي، ‏ولم ‏يكن ‏أمامى ‏إلا ‏اختيار ‏إحدى ‏الدول ‏العربية ‏ففضلت ‏العراق ‏لعدة ‏أسباب ‏منها ‏أنها ‏كانت ‏تعد ‏من ‏الدول ‏القوية ‏سياسيا ‏واقتصاديا ‏بالرغم ‏من ‏حربها ‏ضد ‏إيران ‏كان ‏يعيش ‏فيها ‏أكثر ‏من 3 ‏ملايين ‏مصرى ‏وبها ‏عدد ‏كبير ‏من ‏المسيحيين ‏ومنهم ‏أصدقاء ‏ومعارف ‏وغير ‏ذلك‏.‏
وكانت ‏هناك ‏وسائل ‏متعددة ‏للسفر إلى ‏العراق ‏كان ‏أسهلها ‏السفر ‏بالطائرة ‏من ‏مطار ‏القاهرة ‏القديم ‏وحتى ‏مدينة ‏بغداد ‏عاصمة ‏العراق، ‏أما ‏الوسيلة ‏الثانية ‏فكانت ‏تعتمد ‏على ‏الطرق ‏البحرية ‏والبرية ‏فاخترت ‏الأخيرة ‏لأنها ‏تعتمد ‏على ‏المغامرة، ‏وبالفعل ‏ركبنا ‏من ‏القاهرة ‏لمدينة ‏نويبع ‏بريا، ‏وبعدها ‏عن ‏طريق ‏العبارة ‏للعقبة ‏اسمها ‏السلام 1 ‏وكانت ‏هناك ‏أعداد ‏كبيرة‏.‏
وبعد ‏أن ‏وصلت إلى ‏ميناء ‏العقبة، ‏وانتهيت ‏من ‏إجراءات ‏الخروج ‏بدأت ‏أبحث ‏عن ‏مكان ‏لتناول ‏العشاء، ‏وفى ‏أثناء ‏بحثى ‏سمعت ‏صوت ‏سيدة ‏الغناء ‏العربى ‏أم ‏كلثوم ‏وأنا ‏من ‏عاشقى ‏أغنية ‏يا ‏مسهرنى ‏فدخلت ‏للمطعم ‏وكان ‏جميع ‏العاملين ‏من ‏المصريين ‏والمأكولات ‏أيضًا، ‏فأكلت ‏وشربت ‏وبعدها ‏سألت ‏على ‏وسيلة ‏مواصلات ‏لمدينة ‏بغداد ‏وبالفعل ‏كانت ‏محطة ‏الأتوبيسات ‏قريبة ‏لمكان ‏المطعم ‏فحجزت ‏وكان ‏السفر فى الخامسة ‏من ‏صباح ‏اليوم ‏التالى ‏فنمت ‏قليلا فى حديقة ‏مجاورة ‏وبالفعل فى الصباح ‏بدأت ‏رحلتنا ‏نحو ‏بغداد ‏وقطع ‏الأتوبيس ‏نحو ‏ما ‏يقرب ‏من 15 ‏ساعة ‏تقريبا ‏وصلت إلى ‏بغداد فى منطقة ‏تشبه إلى ‏حد ‏ما ‏محطة ‏سكة ‏حديد ‏مصر فى الثمانينيات ‏تعرف ‏باسم ‏علوى ‏الحلة، ‏وبعدها ‏ذهبت ‏لجامع ‏علوى ‏الحلة ‏وهو ‏من ‏أكبر ‏الجوامع ‏بالمدينة ‏جامع ‏على ‏بن ‏أبى ‏طالب ‏وهو ‏من ‏أهم ‏الآثار ‏الإسلامية ‏بالمدينة، ‏وشارع ‏فلسطين ‏ببغداد ‏وهو ‏من ‏أشهر ‏شوارع ‏المدينة ‏بعدها ‏فكرت فى السفر ‏لمدينة ‏الموصل، ‏وركبت ‏الأتوبيس فى مساء ‏ذات ‏اليوم ‏واستغرق ‏السفر ‏نحو 13 ‏ساعة، ‏ووصلت فى صباح ‏اليوم ‏التالى ‏للموصل ‏وذهبت ‏لأحد ‏الأصدقاء ‏هناك ‏ونمت ‏قليلا ‏استعدادا ‏للبحث ‏عن ‏عمل ‏بالمدينة‏.‏


‏■ ‏ماذا ‏عن ‏الموصل ‏البشر ‏والآثار؟


ــ فى صباح ‏ذات ‏اليوم ‏ذهبت ‏للبلدية ‏بمدينة ‏الموصل ‏لاستخراج ‏البطاقة ‏الشخصية ‏والتى ‏تعرف ‏باسم ‏الهوية ‏جلسنا فى مجموعات ‏حسب ‏الحروف ‏الأبجدية ‏وحصلت ‏عليها، ‏وبعدها ‏سجلت ‏نفسى ‏ببنك ‏الجانب ‏الأيسر ‏بالمدينة، ‏وبعدها ‏رجعت ‏لصديقى ‏واستكملت ‏نومى ‏لأننى ‏كنت ‏متعبا ‏جدا‏! ‏وبعد ‏ذلك ‏وجدت ‏فرصة ‏عمل ‏ضمن ‏مشروع ‏سد ‏على ‏نهر ‏دجلة ‏يعرف ‏باسم ‏بادوش ‏وكانت ‏وظيفتى ‏تسجيل ‏أسماء ‏العاملين ‏والغياب ‏والحضور ‏وصرف ‏المرتبات ‏والإشراف ‏على ‏تجهيز ‏الطعام، ‏وكنت ‏يوميا ‏أسافر ‏ما ‏بين ‏سكنى ‏بذات ‏المدينة ‏ومنطقة ‏العمل ‏نحو ‏ساحتين‏.‏
فى ‏أثناء ‏عملى ‏بسد ‏بادوش ‏تعرفت ‏على ‏أحد ‏مهندسى ‏السد ‏ويدعى ‏كمال ‏وكان ‏مسيحيا ‏يحب ‏عظات ‏قداسة ‏البابا ‏شنودة ‏الثالث ‏ككل ‏المسيحيين ‏هناك، ‏وكنا ‏نتناقش ‏كثيرا فى بعض ‏الأمور ‏الدينية‏.‏
أما ‏صاحب ‏العمل ‏عبدالباسط ‏كشمولة ‏فكان ‏من ‏محبى ‏الرئيس ‏المصرى ‏جمال ‏عبدالناصر 1956-1970‏م، ‏وكثيرا ‏ما ‏كان ‏يقول ‏لى (‏يا ‏أبوالتاريخ ‏كلمنا ‏عن ‏الزعيم‏) ‏فكان ‏الرجل ‏يقارن ‏ما ‏بين ‏ما ‏قامت ‏به ‏مصر ‏من ‏أجل ‏قيام ‏السد ‏العالى ‏وما ‏تفعله ‏العراق ‏الآن ‏بتشييد ‏سد ‏بادوش، ‏كما ‏اعتاد ‏الرجل ‏على ‏أن ‏أذهب ‏معه ‏لبعض ‏مشروعاته فى شمال ‏العراق، ‏وكان ‏يحكى ‏لى ‏الكثير ‏من ‏تاريخ ‏عائلته ‏ومكانته فى مدينة ‏الموصل، ‏وعندما ‏علم ‏بعودتى إلى ‏مصر ‏حزن ‏كثيرا، ‏وقال ‏سوف ‏أفقد ‏أحد ‏رجالى ‏الأمناء ‏ولكنها ‏سنة ‏الحياة‏!‏
وأتاح ‏لى ‏عملى ‏التعرف ‏على ‏جنسيات ‏أخرى ‏من ‏العاملين، ‏فتعرفت ‏على ‏المزيد ‏منهم ‏وبعض ‏الديانات ‏مثل ‏اليزيدية، ‏والمسيحيين ‏الكلدانيين ‏والآشوريين ‏والسريان ‏وغيرهم‏.‏
كنت ‏أسكن فى حى ‏باب ‏جديد ‏وهو ‏من ‏الأحياء ‏الجديدة ‏بذات المدينة ‏وكان ‏غالى ‏التكاليف، ‏وكان ‏معى فى السكن ‏أحد ‏المهندسين ‏المصريين ‏هو ‏الآن ‏أحد ‏الآباء ‏الكهنة، ‏وشخص ‏من ‏مدينة ‏السويس، ‏وآخر ‏من ‏بنى ‏سويف، ‏وشخص ‏يدعى ‏جمال ‏الشبكشى ‏من ‏حى ‏اللبان فى مدينة ‏الإسكندرية ‏وكان ‏المسلم ‏الوحيد ‏معنا، ‏وكان ‏شخصا ‏نموذجيا ‏ومحبا ‏للكل ‏كان ‏يعمل ‏سائقا فى شركة ‏الكهرباء ‏بمدينة ‏الموصل، ‏وكنت ‏أحبه ‏وكان ‏صديقا ‏لى ‏لأنه ‏يحب ‏التاريخ ‏والشعر ‏وأنا ‏أيضا، ‏وكان ‏صديقى ‏يكتب ‏الشعر ‏وينشره فى مجلة ‏تعرف ‏باسم ‏الراصد‏.‏


‏‏■ ‏وما ‏أشهر ‏المعالم  التى ‏شاهدتها ‏بمدينة ‏الموصل؟


ــ ‏أولا ‏أريد ‏أن ‏يعرف ‏الناس ‏أن ‏الاسم ‏الحقيقى ‏لمدينة ‏الموصل ‏مدينة ‏نينوى ‏نسبة إلى ‏أهل ‏نينوى ‏وذكر ‏الكتاب ‏المقدس ‏توبة ‏أهلها، ‏ويوجد فى الكنيسة ‏القبطية ‏الأرثوذكسية ‏صوم ‏أهل ‏نينوى ‏أو ‏صوم ‏يونان ‏النبي، ‏أما ‏اسم ‏الموصل ‏فهو ‏اسم ‏حديث ‏لكونها ‏تقع فى مفرق ‏الطرق ‏العالمية ‏وتصل ‏ما ‏بين ‏الشمال ‏والجنوب، ‏فهى ‏قريبة ‏من ‏تركيا ‏وسورية، ‏ويعيش فى المدينة ‏نحو ‏ما ‏يقرب ‏من 2 ‏مليون ‏نسمة ‏ويشكل ‏المسيحيون ‏نسبة ‏كبيرة فى المدينة ‏لا ‏أبالغ ‏إن ‏قلت ‏نحو ‏نصف ‏سكانها‏.‏


وتوجد ‏بعد ‏الأسوار ‏مدينة ‏نينوى ‏القديمة  التى ‏لاتزال ‏حتى ‏يومنا ‏هذا، ‏والأسوار ‏كانت ‏نظاما ‏متبعا ‏منذ ‏عهد ‏الآشوريين ‏عند ‏بناء ‏المدن ‏الشرقية، ‏للدفاع ‏عن ‏المدينة ‏وتأمينها ‏ومن ‏أشهر ‏المعالم  التى ‏أحزن ‏الآن ‏لتدميرها ‏حى ‏النبى ‏يونس ‏الذى ‏يعد ‏من ‏أشهر ‏الأحياء فى المدينة، ‏بنى ‏فوق ‏تل ‏التوبة، ‏وهو ‏المكان ‏الذى ‏قبل ‏الله ‏فيه ‏توبة ‏أهل ‏نينوي، ‏وسمى ‏بهذا ‏الاسم ‏نسبة إلى ‏يونان ‏النبى ‏النبى ‏يونس ‏والمعروف ‏عند ‏المسلمين ‏بيونس ‏بن ‏متا، ‏ويعرف ‏أيضا ‏بذى ‏النون ‏وبعد ‏انتشار ‏الإسلام فى هذه ‏الديار ‏صار ‏لتل ‏التوبة ‏حرمة ‏عند ‏المسلمين ‏فشيدوا ‏جامعا ‏فوق ‏دير ‏مسيحى ‏يعرف ‏بـيونان ‏النبى ‏ومقبرة ‏ولا ‏تزال ‏هذه ‏المقبرة ‏موجودة ‏حتى ‏الآن، ‏وإن ‏لم ‏تخنى ‏الذاكرة ‏يوجد ‏جزء ‏من ‏فلك ‏نوح ‏وبعد ‏تفجيرات ‏داعش ‏لمسجد ‏النبى ‏يونس،  فى أواخر ‏يوليو 2014‏م، ‏ظهرت ‏الكتابات ‏السريانية ‏على ‏الجدران، ‏وتم ‏إزالة ‏اللبس ‏حول ‏تاريخه ‏وإيضاح ‏الصورة ‏كاملة‏.‏
ويقع ‏حى ‏النبى ‏يونس فى أرقى ‏المواقع ‏بمدينة ‏نينوى - ‏تنسب إلى ‏أهل ‏نينوي، ‏وفى ‏ذات ‏المكان ‏شيدت ‏العديد ‏من ‏العيادات ‏الطبية، ‏وتعد ‏عائلة ‏آل ‏سرسم (1924-2002‏م - ‏من ‏أشهر ‏العائلات ‏المتخصصة فى مجال ‏الطب ‏لدرجة ‏أن ‏وصل ‏عددهم ‏نحو 25 ‏طبيبا، ‏وحصلوا ‏على ‏شهاداتهم ‏من ‏إنجلترا ‏وفرنسا ‏والنمسا ‏وبعض ‏الدول ‏الأوربية‏.‏
وكان ‏لتفجيرات ‏داعش ‏الدولة ‏الإسلامية فى الموصل ‏لجامع ‏النبى ‏يونس ‏أكبر ‏أثر فى كشف ‏حقيقته، ‏حيث ‏كان فى الأصل ‏ديرا ‏مسيحيا ‏يرجع ‏تاريخه ‏للقرن ‏الرابع ‏الميلادى ‏يحمل ‏اسم ‏يونان ‏النبي، ‏وما ‏يؤكد ‏ذلك ‏النقوش ‏والكتابات ‏السريانية ‏بـالخط ‏الإسطرنجيلى  التى ‏وجدت ‏على ‏جدرانه، ‏وهذا ‏ما ‏أكدت ‏عليه ‏الدراسات ‏الأثرية ‏السريانية، ‏أن ‏بعض ‏جوامع ‏مدينة ‏نينوى فى الأصل ‏كانت ‏إما ‏كنائس ‏أو ‏أديرة ‏تابعة ‏للآشوريين ‏أو ‏السريان ‏أو ‏الكلدانيين، ‏ويذكر ‏أن ‏الكنيسة ‏المصرية ‏القبطية ‏لها ‏العديد ‏من ‏الكنائس فى العراق ‏بصفة ‏عامة‏.‏
وهناك ‏أيضا ‏دير ‏مارمتى ‏الذى ‏يقع ‏على ‏مسافة 35‏كم ‏شمالى ‏شرقى ‏مدينة ‏الموصل، ‏وهو ‏من ‏الأماكن ‏الأثرية ‏التاريخية فى ربوع ‏العراق ‏ويرجع ‏تاريخه ‏للقرن ‏الرابع ‏الميلادي، ‏ومن ‏المزارات ‏الدينية ‏المقدسة ‏العائدة ‏للسريان ‏الأرثوذكس، ‏ومن ‏محاسن ‏شمال ‏العراق ‏جمالا ‏ومناخا ‏وموقعا، ‏ومن ‏أشهر ‏أديرة ‏المسيحية ‏صيتا ‏ومكانة ‏للسريان ‏بالشرق ‏الأوسط‏.‏
ودير ‏ماربهنام ‏وسارة ‏يرجع ‏تاريخه إلى ‏القرن ‏الرابع ‏الميلادى ‏حيث ‏يرتبط ‏بقصة ‏الأمير ‏الآشورى ‏ماربهنام ‏الذى ‏أصبح ‏مسيحيا ‏مع ‏أخته ‏سارة، ‏وأربعون ‏من ‏أتباعه ‏على ‏يد ‏مارمتي، ‏فلما ‏علم ‏والده ‏الملك ‏سنحاريب ‏بالأمر ‏أمر ‏بقتلهم ‏جميعا، ‏ومنذ ‏القرن ‏الخامس ‏عشر ‏أصبح ‏مركزا ‏للملافنة ‏السريان ‏الأرثوذكس ‏ومن ‏ثم ‏السريان ‏الكاثوليك ‏بعد ‏تحول ‏أهالى ‏بلدة ‏بخديدا إلى ‏المذهب ‏الكاثوليكى فى القرن ‏الثامن ‏عشر ‏وهو ‏يحوى ‏إضافة إلى ‏الكتابات ‏والزخارف ‏والمنحوتات ‏القديمة ‏رفات ‏الشهيدين ‏بهنام ‏وسارة ‏ورفاقهما ‏الشهداء ‏الأربعين‏.‏
ومن ‏أشهر ‏الكنائس  التى ‏زرتها ‏مطرانية ‏السريان ‏الكاثوليك فى منطقة ‏الميدان، ‏ومطرانية ‏السريان ‏الأرثوذكس ‏كنيسة ‏مارإفرام، ‏وكنيسة ‏اللاتين ‏أو ‏كنيسة ‏الآباء ‏الدومينيكان، ‏وكنيسة ‏مريم ‏العذراء،  فى حى ‏التأميم ‏بوسط ‏المدينة، ‏وللأمانة ‏التاريخية ‏كانت ‏هذه ‏الكنائس ‏تسمح ‏لأقباط ‏مصر ‏بالصلاة ‏فيها ‏دون ‏قيود ‏أو ‏شروط، ‏هذه ‏هى ‏المحبة  التى ‏تعلمنها ‏جميعا ‏من ‏الملك ‏السماوى ‏يسوع ‏المسيح، ‏واليوم ‏داعش ‏دنستها ‏وسلبتها ‏ودمرتها ‏وحرقتها ‏تحت ‏مسمع ‏ومرأى ‏كل ‏دول ‏العالم‏.‏
الكوبرى ‏الجمهورى ‏وهو ‏أحد ‏الكبارى ‏المهمة  التى ‏تقع ‏على ‏نهر ‏دجلة، ‏ويشبه إلى ‏حد ‏ما ‏كوبرى ‏إمبابة ‏كله ‏من ‏الحديد، ‏أو ‏كوبرى ‏قصر ‏النيل ‏كنت فى ساعات ‏الغروب ‏أمر ‏عليه، ‏حيث ‏كان ‏يذكرنى ‏بنهر ‏النيل ‏الخالد - ‏ويصل ‏الكوبرى ‏الجمهورى ‏ما ‏بين ‏مدينة ‏الموصل ‏الجديدة ‏والقديمة‏.‏


‏■ ‏نحن ‏تعرفنا ‏على ‏أسماء ‏الكنائس ‏بعد ‏التفجيرات، ‏ماذا ‏عن ‏المعالم ‏الإسلامية ‏والأثرية ‏الأخرى؟


ــ ‏هناك ‏من ‏المعالم ‏الأثرية ‏القديمة  التى ‏شيدت فى عهد ‏السلطان ‏بدر ‏الدين ‏لؤلؤ ‏منذ ‏أكثر ‏من ‏ألف ‏ومائة ‏عاما، ‏مثل ‏الحدباء ‏المسجد ‏الكبير، ‏وسمى ‏بهذا ‏الاسم ‏لكونه ‏مائلا ‏على ‏شكل ‏حدبة، ‏والذى ‏يعتبر ‏واحدا ‏من ‏خمس ‏بنايات فى العالم ‏ميلانا، ‏ولازال ‏قائمة إلى ‏يومنا ‏هذا،  ‏يقع فى مركز ‏مدينة ‏الموصل ‏حيث ‏قام ‏ببنائه ‏نور ‏الدين ‏زنكى 1173‏م ‏ويسمى ‏أيضا ‏بالجامع ‏الكبير ‏أو ‏المسجد ‏النوري، ‏نسبة إلى ‏عائلة ‏نور ‏الدين ‏محمود، ‏وهذه ‏المنطقة  التى ‏عاش ‏فيها ‏صلاح ‏الدين ‏الأيوبى، ‏وللاسف فجرت داعش هذا المسجد
وهناك ‏جامع ‏النبى ‏جرجيس ‏عليه ‏السلام ‏من ‏الجوامع ‏المهمة فى مدينة ‏الموصل، ‏وفيه ‏قبر ‏النبى ‏جرجيس ‏المشيد ‏من ‏المرمر ‏والمزين ‏بزخارف ‏جميلة ‏بارزة، ‏ويقع فى محلة ‏سوق ‏الشعارين ‏وسط ‏مدينة ‏الموصل فى الشارع ‏المسمى ‏باسمه، ‏وهو ‏من ‏الجوامع ‏القديمة  التى ‏ذكرها ‏الرحالة ‏ابن ‏جبير ‏عند ‏زيارته ‏للموصل فى القرن ‏السادس ‏الهجرى ‏الثانى ‏عشر ‏الميلادى ‏أعتقد ‏أيضا ‏يرجع إلى ‏دير ‏أو ‏كنيسة ‏مسيحية، ‏كما ‏يتضح ‏ربما ‏يكون ‏من ‏اسم ‏القديس ‏مارجرجس، ‏وتشتهر ‏الموصل ‏بأسواقها ‏القديمة ‏وهي‏: ‏سوق ‏الشعارين، ‏العطارين، ‏الصفارين، ‏العتمي، ‏المكتبات، ‏الصياغ، ‏السرجخانة، ‏وسوق ‏باب ‏الطوب، ‏وسوق ‏الجامعة، ‏والكب ‏والزهور‏.‏
والشوارع ‏القديمة ‏يعد ‏شارع ‏الدواسة ‏ويقع ‏بالقرب ‏من ‏مبنى ‏المحافظة، ‏ويشتهر ‏هذا ‏الشارع ‏بالمطاعم ‏والكازينوهات ‏ودور ‏السينما ‏حيث ‏توجد ‏سينما ‏الأهلى ‏وحمورابي، ‏وغرناطة ‏وأشبيلية ‏ومحلات ‏الكماليات، ‏ويوجد ‏العديد ‏من ‏الفنادق ‏ويمتلك ‏أحدها ‏مسيحى ‏يدعى ‏سيدراك، ‏وأيضا ‏أذكر ‏المناطق ‏الترفيهية ‏ومنها ‏منطقة ‏الغابات ‏وتقع ‏على ‏نهر ‏دجلة ‏مقابل ‏باشطابيا ‏بالقرب ‏من ‏جامعة ‏الموصل، ‏وتضم ‏غابة ‏كثيفة ‏يتوسطها ‏مرافق، ‏وعديد ‏من ‏الفنادق، ‏الجزيرة ‏السياحية ‏وسط ‏نهر ‏دجلة، ‏مدينة ‏الألعاب ‏وتقع فى الساحل ‏الأيسر ‏من ‏نهر ‏دجلة، ‏وهى ‏من ‏أهم ‏المناطق ‏العامة ‏بالمدينة - ‏كاتب ‏السطور ‏كان ‏دائم ‏الذهاب ‏إليها - ‏ويوجد ‏بها ‏حدائق ‏متعددة ‏ومتصلة ‏معا‏.‏
أشهر ‏العائلات
ومن ‏أشهر ‏العائلات ‏نذكر ‏على ‏سبيل ‏المثال، ‏عائلة ‏آل ‏سرسم - ‏كان ‏طبيب ‏كاتب ‏هذه ‏السطور ‏بالعراق ‏دكتور ‏ناجى ‏سرسم 1924-2002‏م - ‏من ‏أشهر ‏العائلات ‏المتخصصة فى مجال ‏الطب ‏لدرجة ‏وصل ‏عددهم ‏نحو 25 ‏طبيبا، ‏وحصلوا ‏على ‏شهاداتهم ‏من ‏إنجلترا ‏وفرنسا ‏والنمسا ‏وبعض ‏الدول ‏الأوربية، ‏وعائلة ‏آل ‏سدراك ‏من ‏أصحاب ‏الفنادق ‏المشهورين ‏بشارع ‏الدواسة ‏بالموصل‏.‏


‏■  ‏دكتور ‏ماجد ‏لقد ‏عشت فى هذه ‏المدينة ‏وزرت ‏كنائسها ‏ومشيت فى شوارعها ‏وأيضا ‏أخبرتنى ‏أنك ‏احتفلت ‏مع ‏أهلها ‏بلحظة ‏إعلان ‏توقف ‏الحرب ‏العراقية ‏الإيرانية، ‏بماذا ‏تشعر ‏وهى ‏تضيع ‏وتفجر ‏وتدمر ‏من ‏قبل ‏تنظيم ‏إرهابى ‏أمام ‏أعين ‏العالم؟


ــ ‏مدينة ‏الموصل ‏تعد ‏من ‏أهم ‏المدن ‏العراقية ‏وتقع ‏شمال ‏العراق ‏على ‏مفرق ‏الطرق ‏العالمية ‏بين ‏تركيا ‏وسوريا ‏والعراق ‏والدول ‏الأوربية، ‏وهى ‏مدينة ‏سياحية ‏توجد ‏بها ‏الكنائس ‏والأديرة ‏والمكتبات  التى ‏يرجع ‏إنشاؤها ‏للقرن ‏الرابع ‏الميلادي، ‏ويعيش ‏بها ‏غالبية ‏مسيحيى ‏العراق، ‏ويمتلكوا ‏العديد ‏من ‏الشركات ‏والمحال ‏التجارية ‏والمطاعم ‏والفنادق، ‏ومنهم ‏من ‏يعملون ‏بالوظائف ‏الحكومية ‏مثل ‏البنوك ‏أو ‏المؤسسات ‏الخدمية ‏وغيرها ‏من ‏المهن - ‏وفى ‏فترة ‏الحرب ‏العراقية ‏الإيرانية ‏شارك ‏المسيحيون فى خدمة ‏دولتهم ‏بل ‏إن ‏رئيس ‏الوزراء ‏السابق ‏المسجون ‏حاليا ‏طارق ‏عزيز ‏كان ‏مسيحيا، ‏وللأمانة ‏التاريخية فى فترة ‏حكم ‏الرئيس ‏صدام ‏حسين ‏كان ‏لا ‏يوجد ‏فرق ‏بين ‏هذا ‏أو ‏ذاك، وكمؤرخ اقولها بصدق العراق ضاعت بعد صدام ‏وبعد ‏أحداث ‏الصراع ‏الأمريكى ‏العراقى ‏عام 1991‏م ‏وما ‏بعدها ‏واضطهاد ‏المسيحيين ‏مستمر، ‏فقد ‏تعرضت ‏كنائس ‏بغداد ‏للهدم ‏والحرق ‏عام 2003‏م، ‏كما ‏تعرضت ‏كنيسة ‏سيدة ‏النجاة ‏للسريان ‏الكاثوليك فى عام 2010‏م ‏للتفجير ‏أثناء ‏صلاة ‏القداس ‏قتل ‏وجرح ‏المئات ‏ممن ‏كانوا ‏بالكنيسة‏.‏
ويتعرض ‏مسيحيو ‏الموصل ‏حاليا ‏للتطهير ‏العرقى ‏على ‏يد ‏جماعة ‏إرهابية ‏تعرف ‏باسم ‏داعش، ‏وبدأوا ‏بالتطهير ‏العرقى ‏وهو ‏مصطلح ‏يطلق ‏على ‏عملية ‏الاضطهاد ‏من ‏خلال ‏السجن ‏أو ‏القتل ‏أو ‏التهجير ‏الذى ‏تقوم ‏به ‏مجموعة ‏عرقية ‏تشكل ‏الغالبية ‏على ‏مجموعة ‏عرقية ‏أخرى ‏تشكل ‏الأقلية ‏من ‏أجل ‏الحصول ‏على ‏مناطق ‏تقطنها ‏المجموعة ‏الإثنية  التى ‏تنتمى ‏لها ‏الأغلبية، ‏وبالفعل ‏تم ‏الاستيلاء ‏على ‏كل ‏ما ‏يمتلكه ‏المسيحيون فى ذات ‏المدينة، ‏لذلك ‏أشهد ‏للأسف ‏أن ‏العراق ‏كله ‏يضيع ‏وليس ‏الموصل ‏فقط‏.‏