الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الإخوان فى أوروبا ..دخلوا فى منتصف الخمسينيات بذريعة القمع فى بلادهم




إحدى الحقائق التى أصبح من المستحيل اغفالها الآن أن جماعات الإخوان استطاعت أن تغزو أوروبا وتتغلغل فيها ليس فى الفترة الأخيرة فحسب بل منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
 وكانت حجتهم فى الدخول إلى أوروبا الهرب من القمع الأمنى فى بلادهم  العربية خاصة مصر والاختفاء تحت مظلة العمل أو الدراسة ومع مرور الزمن وتزايد تدفق أصحاب هذا التيار إلى أوروبا بدأ يأخذ اشكالا وابعادا أكثر تنظيما حتى بات تياراً فكريا له تأثيره وله المرونة التى تجعله يتغلغل إلى شتى المجالات.
وفى دراسة تحليلية اعدها الباحث الفرنسى سمير آماغار وهو من أصول مغربية ويعمل استاذا لعلوم الاجتماع بمعهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس حملت عنوان «دراسة تحليلية لتنظيم إسلامى» يتعرض الباحث إلى حركة الإخوان المسلمين بالنقد والتحليل ودورهم فى أوروبا وتأثيرهم على المجتمع الغربى الدراسة ثم إعدادها قبل قيام ثورة 25 يناير فى مصر، وترجمتها وحدة الترجمة بمكتبة الإسكندرية.
الدراسة التى حصلت مكتبة الإسكندرية على حقوق ترجمتها ونشرها تحت إشراف الدكتور خالد عزب بعد صدورها عام 2010 يؤكد فيها الباحث توقيت بروز الدور الإخوانى فى أوروبا حيث حدده ببداية خمسينيات القرن الماضى وخلص فيها إلى أن التيار الإخوانى أصبح تياراً  فكريا تداخل فى كافة مناحى الحياة فى أوروبا وترى الدراسة أن الحركة تقف فى منتصف الطريق بين تكوين شبكات قابلة للتكيف وبين منظمة دولية ذات طابع هرمى.
أبناء المهاجرين
المفهوم المتشدد والمسيس للإسلام والتخصصات العلمية الدقيقة وغياب التعليم الدينى الأكاديمي، كما تجتذب هذه الجمعيات أبناء المهاجرين إلى أوروبا الذين يجدون فيها تعبيرا جديدا عن علاقتهم بالدين وأسلوبا جديدا فى الاعتقاد والتعبير عن الانتماء للإسلام ويشكل هؤلاء القاعدة الاجتماعية للتنظيم، فيما يظل هذا التنظيم الهلامى بعيدا عن أبناء الضواحى المهمشين الذين يجتذبهم الفكر السلفى والتبليغى وربما الجهادى بفعل النشأة التاريخية، كانت أوروبا نقطة لنشاط الجماعة التى تستهدف الإصلاح السياسى داخل بلادها الأم، كما قامت بنقد الامبريالية والسياسات الغربية، واستهدفت أيضا إعادة أسلمة الوجود الإسلامى فى أوروبا وحمايته من الاندثار داخل الثقافة الغربية، ومع ذلك لم تلق التوجهات الإسلاموية أى المسيسة للإسلام ترحيبا داخل الجاليات الإسلامية فى أوروبا، وهو ما خلق نزاعا بين اتجاه يرى القيادات الراغبة فى نفس التوجه التقليدى للجماعة والتيار الراغب فى توجيه النشاط نحو الواقع الأوروبى بدلا من السعى وراء السلطة فى البلدان الأصلية، وهو التوجه الذى انتصر فى التسعينيات بقرار الجماعة الأم باختصاص كل فرع وطنى بالعمل داخل البلد الأصلى الذى يتواجد فيه، ومنذ ذلك الوقت أصبحت مهمة المنظمات الإسلامية فى أوروبا متمثلة فى التمثيل والدفاع عن حقوق مسلمى أوروبا الذين قرروا التخلى عن فكرة العودة إلى بلدانهم وقد ركز هذا الإسلام النضالى المنبثق عن الإسلام السياسى على العمل الاجتماعى والسياسى فى البلدان المضيفة كسبيل لتمثيل المسلمين والدفاع عن حقوقهم.
المسلمون الجدد فى أوروبا
وهو الاتجاه الذى لاقى ترحيبا داخل المسلمين من الجيل المولود فى أوروبا رغم النجاح الذى حققته الجماعة فى أوروبا غير أنها مرت فى الأونة الأخيرة بأزمتين يحددها آماغار بالأزمة الأيديولوجية التى تتمثل فى تآكل أيديولوجية اليوتوبيا الإسلامية التى تقدم إجابات كبرى ونهائية حول كل القضايا ويعبر عنها فى البلدان الإسلامية بالإسلام هو الحل، حيث أثبتت التطورات عجز الحل الدينى عن التعامل مع كثير من القضايا ومع تأزم الأوضاع فى البلدان الأصلية وجدت المنظمات الإسلامية فى أوروبا فى حالة نضوب أيديولوجى وفكرى حيث لم تحدث أى تجديدات فكرية منذ عقدين من الزمان وقد فقد الإخوان زخم الأيديولوجية وتفككت أيديولوجيتهم عند احتكاكها وتعمقها فى الواقع الأوروبى وقد ترتب على هذا انخراطهم فى ألاعيب السياسة وأحابيلها، مما أدى إلى فقدانهم المصداقية عند الشباب الأوروبى ولا أدل على هذا موقف اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا المتخاذل من اضطرابات الضواحى الفرنسية فى 2005.
يصف آماغار الأزمة الثانية باعتبارها أزمة النضالية وتتمثل فى وجود انقسامات وأزمات نتيجة طابع المنظمات الإسلامية الإخوانى المرتبط بالسرية والثقل البيروقراطى والهيمنة المغاربية عليه، حيث يسعى التجديديون داخل هذه المنظمات إلى تخليصها من هذه الهيمنة الإخوانية والمغاربية وهو ما أدى إلى تكوين جماعات أخرى منقطعة فى ثقافتها وتنظيمها مع هذه المنظمات وهو ما يعنى التناقض فى العمل النضالى المجتمعى المعبر عن الوجود الإسلامى فى أوروبا ويضاف إلى هاتين الأزمتين أزمة مالية، حيث راح ممولو التنظيمات مثل رابطة العالم الإسلامى وجماعات التبليغ والدعوة فى التدقيق ومراعاة الحرص وهو ما أدى للتضييق على عملها ويحاول الإخوان المسلمون رغم هذه الأزمات الظهور بمظهر النشطاء الدينيين الفاعلين على الساحة السياسية الأوروبية رغم تراجع المرجعية الإسلامية التى يتحدثون عنها باعتبارها المتحدث الوحيد باسم الإسلام.