الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جذب الشباب لاتحادات المنظمات فى فرنسا وبلجيكا قام على أساس طبقى فدخل المهمشون فى التنظيمات السلفية




متابعة- إلهام رفعت

دإن وجود الطلاب فى صفوف «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا» أو «رابطة مسلمى بلجيكا» ينبع، على سبيل المثال، من سياسة تفضل الأنشطة الطلابية فى الحرم الجامعى من جهة، خاصة من خلال الجمعيات الشريكة مثل الشباب الإسلامى بفرنسا، والطلاب المسلمين بفرنسا، واتحاد المنظمات الطلابية الإسلامية فى بلجيكا، ومن خلال الخطاب الذى طوَّرته هذه السياسة والذى يستند إلى مضامين حول قِيَم مجردة على نحو مفهوم المواطنة التى يسهل استيعابها من قبل أشخاص ذوى قدر عالٍ من التعليم، من جهة أخرى؛ يكون الهدف هو تكوين نخبة مسلمة. إن سياسة الجذب هذه قد تم تطبيقها على حساب الشباب المسلم المهمَّش الذى يسكن الضواحى الفقيرة، والذى تُرك لصالح فكر السلفيين وجماعات التبليغ.


ويوجد بين مسئولى الإخوان المسلمين وشبابهم داخل التنظيم تقسيم للعمل.. تسمح المهارات اللغوية والدينية والفكرية التى يتمتع بها الطلاب القدامى؛ (حيث تدربت مجموعة منهم على النضال الإسلامي، وأحيانًا على أساليب الإدارة الشيوعية) تسمح بشغل مواقع صنع القرار، فى حين يتولى الشباب الأنشطة الميدانية فى الجمعيات المحلية. ورغم أن هذا النظام هو المُتَّبَع منذ نشأة الإخوان المسلمين فى أوروبا، فإنه الآن يلاقى رفضًا متزايدًا من قِبَل هؤلاء الشباب الذين يفتقرون إلى فرص الارتقاء داخل المنظمات الإسلامية فى أوروبا، لأن هذا الارتقاء يعوقه فى الواقع قدامى الطلاب المغاربة الذين يحتلون أهم المناصب ويتحكمون فى هيكل التنظيم.
فى نهاية السبعينيات، كلفت إدارة «حركة الاتجاه الإسلامي» (MTI)-(حزب النهضة لاحقًا)- مجموعة من الطلاب التونسيين، من بينهم أحمد جاب الله الرئيس السابق لـ«اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا»، والمدير الحالى للمعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية، بإنشاء فرع فى فرنسا. وقام أحمد جاب الله ومعه عدد من الطلاب من تونس والشرق الأوسط، بضم «اتحاد الطلاب المسلمين بفرنسا» (AEIF)، الذى أسسه محمد حمد الله عام 1962 إلى «اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا». وقد شهد اتحاد الطلاب المسلمين بفرنسا أزمة بين عامى 1978 و 1979؛ حيث تطلع الطلاب التونسيون القريبون من حركة الاتجاه الإسلامى إلى رئاسة الاتحاد وإلى ضمِّه لفرع التيار الدولى للإخوان المسلمين، فى حين كان معظم أعضاء الاتحاد يفضلون البقاء فى كنف الفرع السورى للإخوان. وفى مواجهة رفض إدارة اتحاد الطلاب المسلمين بفرنسا لهذا الاتجاه، شهد الاتحاد انقسامًا، فقد قرر «المناصرون للتيار المصري» الانفصال عن الاتحاد وتكوين «التجمع الإسلامى بفرنسا» عام 1979. وأخذت قوة التجمع الإسلامى فى التزايد منذ عام 1981 بفضل انضمام المزيد من المؤيدين والداعمين له، بالإضافة لبعض الكوادر الإسلامية التونسية الذين استقروا بفرنسا بين 1981 و1988؛ هربًا من بطش الحبيب بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن على الذى كان قد بدأ فى استهداف «حركة الاتجاه الإسلامي» لذا قرر «التجمع الإسلامى بفرنسا» بفعل تزايد قوته، تأسيس «اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا» عام1983، وذلك بالتحالف مع العديد من الجمعيات والمنظمات الإسلامية بعدة مناطق من بينها بوردو ورانس ونانسي.
 وخلال عقد الثمانينيات، كان نشطاء حزب النهضة التونسى الإسلامي(أحمد جاب الله وعبد الله بن منصور) قد ضمنوا قيادة «اتحاد المنظمات الإسلامية بـ«فرنسا»، وكانوا قد حرصوا على استخدام هذا الكيان كمنبر سياسي؛ لمخاطبة الأنظمة العربية والنظام التونسى على وجه الخصوص. وفى بداية التسعينيات نشب خلاف بين الإدارة وبعض الأعضاء، معظمهم من المغاربة الراغبين فى تحويل نشاطهم نحو الواقع الفرنسى بدلاً من السعى للوصول إلى السلطة فى البلاد العربية. وقد انتهى هذا الخلاف بقرار من التنظيم الأم فى مصر: يجب على كل فرع وطنى العمل فى إطار البلد الذى يتواجد به. وقد أدى هذا القرار إلى تهميش الإسلاميين التونسيين الذين اضطروا إلى استكمال مشوارهم السياسى داخل حزب «النهضة» التونسى بفرنسا، والتخلى عن إدارة «اتحاد المنظمات الإسلامية بـ«فرنسا» لصالح الكوادر المغربية التى تدير المنظمة حتى اليوم.
فى بداية الثمانينيات، كانت الاستعانة بالمناخ السياسى الأوروبى كمناخ سياسى للاحتجاج هى مجرد أداة بحتة، فقد كان الهدف منها استخدام تلك البقعة من العالم كمنبر سياسى فى مواجهة الأنظمة العربية والنظام التركي، والتى كان الإسلاميون يعتبرونها أنظمة ديكتاتورية، فقد كان هؤلاء النشطاء يعتبرون تواجدهم بأوروبا وسيلة لإصلاح الأنظمة المستبدة فى العالم العربي، بعيدًا عن بطشها، مفترضين عودتهم بعد سقوط تلك الأنظمة. كانت تلك الحركات تمثل إذن فى الأساس ما يشبه القاعدة الخلفية لمعارضة إسلامية متعددة الجنسيات. لقد بدت لهم أوروبا مجالاً سياسيًّا خصبًا لتكوين النشطاء الإسلاميين لحين تحرير المجال السياسى فى بلدانهم وتمكُّنهم من إقامة الدولة الإسلامية.
ويضاف إلى مسألة معارضة الأنظمة العربية الاستبدادية، نقد الأنظمة الأوروبية من خلال إدانة الإمبريالية الثقافية والسياسية والأخلاقية الغربية التى كانت تعانى منها المجتمعات المسلمة هناك. فقد كانت قراءة تلك التيارات للإسلام ترتكز، من ناحية، على إعادة أسلمة الممارسات الاجتماعية للمهاجرين المسلمين الذين أفسدهم المجتمع الفرنسي؛ من حيث فقدان اللغة العربية، والممارسات الدينية وصعوبة انتقال الهوية الإسلامية إلى أولادهم المولودين بفرنسا. ومن ناحية أخرى، كانت ترتكز على تسييس الدين الذى يُعتبر فى نظرهم نظامًا شاملاً قادرًا على حل مشكلات المسلمين السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
بيد أن تأثير خطاب الإسلاميين على الجاليات المسلمة بفرنسا ظل هامشيًّا، ولم يؤثر إلا فى قطاعات معينة منها اللاجئون الإسلاميون والطلاب الأجانب. ولعل هذه اللا مبالاة يمكن تفسيرها بأن المهاجرين كانوا لا يزالون خاضعين فى ممارساتهم الدينية (بناء المساجد وتنظيم دروس الدين واللغة العربية) لقنصليات البلاد التى ينتمون إليها. كما أنهم كانوا يعتبرون وجودهم بفرنسا مؤقتًا، وبالكاد توافق عليه السلطات، لذا كانوا يخشون القيام بأى نشاط سياسى من شأنه أن يخل بالنظام العام. إضافة إلى ذلك، لم تكن تطلعات الإسلاميين بشأن تسييس الدين تجد صدًى كبيرًا لدى المهاجرين الذين يتطلعون أكثر للممارسات الثقافية التى تمس حياتهم العملية اليومية. لذا كانت حالات الاحتجاج فيما يخص وضع الإسلام بفرنسا فى صفوف المهاجرين متفرقة ومشتتة، ويمكن أن نشير هنا إلى مطالبات عمال مصانع «رينو» المسلمين بتخصيص مكانٍ للصلاة فى مكان عملهم.
فى ظل هذه الظروف، نشب، فى بداية التسعينيات، خلاف بين قيادات الإخوان المسلمين فى أوروبا وبين تيارٍ يرغب فى توجيه نشاطه نحو الواقع الأوروبى بدلاً من السعى وراء السلطة فى بلدانهم الأصلية. وقد حسمت الجماعة الأم فى مصر هذا النزاع بقرارها الذى يقضى باختصاص كل فرعٍ وطنى بالعمل داخل البلد الذى يتواجد به، وقد أدى هذا القرار إلى تهميش «الإسلاميين». ومنذ ذلك الوقت، لم تعد تلك المنظمات بمثابة القاعدة الخلفية للتيار الإسلامى والتى تمهد لعودتهم إلى الساحة السياسية العربية، بل أصبحت مهمتها التمثيل والدفاع عن حقوق مسلمى أوروبا الذين قرروا بدورهم التخلى عن فكرة العودة إلى الموطن الأصلي.
وقد ركز هذا الاتجاه الجديد للإسلام النضالي، المنبثق عن الإسلام السياسي، ركَّز على العمل الاجتماعى والسياسى فى البلاد المُضيفة كسبيل لتمثيل المسلمين والدفاع عن حقوقهم. وقد انضم المنتمون سابقًا لتيار الإسلام السياسى إلى الأجيال الجديدة من الشباب المسلمين ممن ولدوا فى أوروبا، خاصة المنتمين منهم إلى الطبقة الوسطى كالطلاب، وذلك عبر ظاهرة إعادة الأسلمة. وستعمل هذه الحركة الجديدة على إدماج المسلمين فى المشهدين السياسى والاجتماعى الأوروبى من خلال، على سبيل المثال، دعوتهم للتسجيل فى القوائم الانتخابية والتصويت. فى هذا المعنى، سعت المنظمات التى تتبنى هذا التوجُّه إلى تأسيس «مواطنة إسلامية».
لقد حاول الإخوان المسلمون فى أوروبا - على اختلاف مستوياتهم - إدراج الممارسة الإسلامية فى سياق غير إسلامى، وذلك من خلال تكييفها مع الواقع الأوروبي، مع إضفاء الشرعية على الوجود الإسلامى فى أوروبا والتى باتوا يعتبرونها اليوم «دار العهد» وليس «دار الحرب». وقد أسهمت شخصيات بارزة قريبة من الإخوان المسلمين فى وضع أطر الممارسة الإسلامية فى أوروبا، مثل طارق أوبرو؛ إمام «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا» والذى تحدث عن «شريعة الأقليات»، ومصطفى سيريك ويوسف القرضاوى وطه جابر العلوانى الذين صكوا مفهوم «فقه الأقليات»، وطارق رمضان صاحب نظرية «المواطنة الإسلامية»، بالإضافة إلى فيصل مولوي. وينظم الإخوان المسلمون بأوروبا كل عام التجمع الكبير ببلدة البورجيه على مدار أربعة أيام، ويضم مجموعة محاضرات عن التوافق بين الممارسات الإسلامية والإطار الجمهورى والعلمانى الفرنسي، بالإضافة إلى سوق كبيرة للملابس والكتب الإسلامية.
فضلاً عن ذلك، يتحرك الإخوان المسلمون كلما شعروا بأن الهوية الإسلامية فى أوروبا مهددة؛ فقد تبنوا قضية الطالبات المحجبات اللاتى طُردن عام 1989م من خلال المظاهرات والحشد الإعلامي. كما حاولوا بنفس الحماسة منع نشر رواية «آيات شيطانية» لسلمان رشدى باللغة الفرنسية، ودعوا إلى مقاطعة المنتجات الدنماركية فى محاولة لوقف نشر الرسوم المسيئة للرسول. وبالتوازى مع تلك الإستراتيجيات، شارك «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا» فى عملية إضفاء الطابع المؤسسى على الإسلام الفرنسى بفوزهم بالعديد من المقاعد فى انتخابات «المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية» (CFCM) لعامى 2003م    و2005م.
5. أزمة داخل الإخوان المسلمين
نجح الإخوان المسلمون، بفعل تواجدهم المبكر على الساحة الإسلامية فى أوروبا، وامتلاكهم أيديولوجية شديدة التنظيم وإستراتيجيات للحشد وتقنيات دعوية فاعلة، نجحوا فى إيجاد اللغة التى كانت الجاليات المسلمة فى أوروبا، خاصة الشباب، فى حاجة إلى سماعها. إلا أن فترة النجاح تلك (خاصة فى فرنسا فى انتخابات «المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية» عام 2003م)، قد تلتها منذ 2002-2003م أزمة مزدوجة: أزمة أيديولوجية وأخرى نضالية.
أ‌) أزمة أيديولوجية: تناقضات اليوتوبيا الإسلامية
تتمثل هذه الأزمة فى استنزاف الروايات الكبرى والبناءات الشمولية لنظام المعنى فى الإسلام. فقد كانت المرجعية الدينية- التى كانت تغذى مشروع فهم متكامل للعالم- تُقدَّم على أنها الحل لجميع المشكلات على نحو جملة «الإسلام هو الحل» التى يرددها الإخوان المسلمون دائمًا. تلك الصيغة التى تتعدى كونها مجرد شعار، كانت تنبنى على فكرة أن هناك إجابة شاملة مستمدة من الدين كفيلة بحل جميع المشاكل التى يمكن أن يواجهها المسلمون. بيد أن هذه المقاربة الشمولية تعرضت للنضوب، لأن الحلول الدينية وحدها قد ثبت عدم كفايتها، فنزع القداسة عن الحل الإسلامى على هذا النحو كان قد تغذى، وبشكل مزدوج، من الدروس المستفادة من فشل التيار الإسلامى (فى الجزائر وتونس ومصر)، ومن تجارب الحكم الإسلامى (فى إيران والسودان)، ومحاولات العنف المسلح فى الجزائر ومصر.
 وبعد عقدين من عمر ظاهرة إعادة الأسلمة المليئة بالوعود، جاءت النتائج مخيبة للآمال: تمييز ديني، وخيبات أمل بسبب الإسلام، وظروف عائلية كارثية، وضعف أعداد المتحولين للإسلام. لقد فشلت هذه المنظمات فى تنفيذ الوعود التى أطلقتها، خاصة الوعد بحياة أفضل بفضل الإسلام. وفى مواجهة تلك الصعوبات، وجدت تلك المنظمات نفسها غير قادرة على الحفاظ على نفس القدر من التعبئة حول يوتوبيا تتمتع بالقوة، فضعفت القاعدة نتيجة للإحباط. وقد ساعد على هذا النضوب الفكرى الجمود الأيديولوجى الذى أصاب هذه المنظمات، فالمواقف ظلت كما هي، دون أى تحديث أو تطوير مذهبي، فـ«الأيديولوجية لم تتغير إطلاقًا منذ عشرين عامًا» بشهادة أحد كوادر الإخوان.
تجديد النظرة الدينية للفقه الإسلامى
لقد استطاع الإخوان المسلمون فى أوروبا بكل تأكيد تجديد النظرة الدينية للفقه الإسلامى الذى يركز على الأقليات المسلمة التى تعيش فى الغرب. فقد حددت شخصيات بارزة قريبة من الإخوان المسلمين أطر الممارسة الإسلامية فى أوروبا، مثل طارق أوبرو؛ إمام «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا» الذى تحدث عن «شريعة الأقليات»، ومصطفى سيريك ويوسف القرضاوى وطه جابر العلوانى أصحاب نظرية «فقه الأقليات»، وطارق رمضان صاحب فكرة «المواطنة الإسلامية»، بالإضافة إلى فيصل مولوي. فقد حاول كل هؤلاء - وعلى نطاقات مختلفة - إعادة الممارسة الإسلامية إلى سياقها الأوروبي وذلك بتكييفها مع مناخ غير إسلامي، مع إضفاء الشرعية على الوجود الإسلامى فى أوروبا، التى باتوا يعتبرونها اليوم «دار العهد» وليست «دار الحرب». ومع ذلك، فإن هذه المساعى لإعادة تعريف المتن الإسلامى من خلال السياق الغربى لم تؤدِّ إلى تطوير عقائدى. حتى إن بعض الأوساط الإسلامية قد أصيبت بالإحباط من معالجة الإخوان للأمور الدينية التى يرون أنها تتسم بالتشدد المفرط. وفى حين أن الإخوان المسلمين فى مصر يضمون بينهم عددًا من المفكرين الذين لهم العديد من المؤلفات، فإن الفرع الأوروبى يتسم بضعف إنتاجه التنظيري. وبالرغم من تنظيمهم العديد من المؤتمرات حول ضرورة المواطنة الإسلامية، فإنهم يفتقرون إلى المفكرين برغم الخلفية الجامعية المحترمة لكوادرهم، مع وجود بعض الاستثناءات مثل طارق أوبرو؛ صاحب العديد من الكتابات عن شريعة الأقليات ومؤلف كتب «قانون الله، قانون البشر.. الحرية والمساواة والمرأة فى الإسلام» بالاشتراك مع الأستاذة الجامعية ليلى بابس، وطارق رمضان؛ الأستاذ بجامعة أوكسفورد.
 وبالرغم من الدعوات التى أطلقها عدد من الشباب فإن الإخوان المسلمين ظلوا غائبين عن القضايا الاجتماعية (كالاضطهاد العرقي، وغياب المساواة الاجتماعية، ومشكلات الضواحي...)، مكتفين بترديد مزايا النجاح الجامعى والعملي. منذ ذلك الحين، تفوقت البرجماتية السياسية على التعريف الواضح لأيديولوجية متعالية لتأخذ شكل مجموعة مبادئ عامة تتغير بتغير الظروف السياسية. وهكذا، عندما أدرك العديد من الشباب أن «اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا» عاجز عن ترجمة نجاحاته إلى واقع سياسى واجتماعي، فضلوا تركه والانضمام إلى منظمات جديدة مثل «تجمع مسلمى فرنسا» (CMF) و«جمعية المشاركة والروحانية الإسلامية» (PSM).
لقد فقد الإخوان المسلمون «زخم اليوتوبيا» الذى كانوا يتبنونه فى البداية، فقد تفككت أيديولوجيتهم عند احتكاكها بالواقع الأوروبي، خاصة منذ مشاركتهم فى إضفاء الطابع المؤسسى على الإسلام. وكان قد سيطر على الإخوان المسلمين، حتى منتصف التسعينيات، النموذج الثورى الإيراني. وإذا كان هدف الحركات الإسلامية هو إقامة دولة إسلامية، فقد اختلفت فيما بينها حول الطرق التى يجب اتباعها من أجل الوصول لهذا الهدف، فقطاع كبير ممن أصبحوا اليوم إخوانًا مسلمين كانوا فى موطنهم من أنصار استخدام العنف؛ لقناعتهم بأنه السبيل الوحيد لإقامة دولة إسلامية فى ظل سياسة التضييق والقمع التى تتبعها الأنظمة الاستبدادية ضد شتى صور المعارضة. هكذا كان قادة الإخوان المسلمين يعتبرون الصراع الذى بدأه الجهاديون الجزائريون شرعيًّا. لقد كانت علاقتهم بالعنف مبهمة فلم يكونوا يدينونه صراحةً، حتى إنهم كانوا يذهبون أحيانًا إلى تبريره فى حالات مثل أفغانستان والشيشان والبوسنة والأراضى الفلسطينية المحتلة. تحوُّلُ الإسلاميين من الإستراتيجية الثورية إلى سياسة إصلاحية ومحافظة يذكِّرنا بالتحولات الأيديولوجية التى مرَّ بها الشيوعيون فى أوروبا، والذين كانوا يناضلون ابتداءً؛ لأجل التغيير الجذرى للمجتمع قبل أن يتجهوا بالتدريج إلى تبنى إستراتيجية تقدمية. وبالرغم من مشاركة الحزب الشيوعى الفرنسى فى الانتخابات، فقد كان دائمًا ما يعلن تأييده للسياسة الثورية حتى بعد وصوله للسلطة. وحتى عام 1977م، كان برنامج الحزب الشيوعى الفرنسى يقضى بإرساء ديكتاتورية البلوريتاريا، إلا أنه بدأ تدريجيًّا، ومعه الحزب الشيوعى الإيطالي، فى التخلى عن الإستراتيجية الثورية لصالح سياسة أكثر توافقية.
يومًا بعد يوم، دخل الإخوان المسلمون بدورهم فى «لعبة السياسة». فبمشاركتهم فى عملية إضفاء الصفة المؤسسية على الإسلام، اتخذ الإخوان الشكل المؤسسى أيضًا. كما أنهم شاركوا فى المحادثات مع السلطات الحكومية خاصة مع وزارة الداخلية. كما بدأوا فى التواصل مع البلديات التى يديرون بعض مساجدها، وتم اعتبارهم الوسيط بين المجتمع المسلم والسلطات على المستوى المحلى والوطنى، ويشاركون فى الفعاليات الدينية المشتركة، كما باتوا يحظون باهتمام الصحفيين. إن تحول الإخوان المسلمين من الخطاب الراديكالى إلى إستراتيجية التحول إلى أعيان كانت نتيجته المباشرة هى «تخفيف» المطالبات الثقافية لاتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا؛ إذ لم يعد الإخوان المسلمون اليوم، هم نفس المعارضين الذين كانوا عليه فى سنوات التسعينيات. وفى عام 1995م، تم استبدال رئيسَى «اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا»، أحمد جاب الله وعبدالله بن منصور المقربَين لـ«حركة الاتجاه الإسلامي» والمعروفَين بتشددهما باثنين ذوى توجُّه أكثر براجماتية، وهما الحاج تامى بريز وفؤاد علوي. وقد اتسمت طريقة معالجتهما لمسألة الإسلام بقدر أكبر من التوافق، ما سمح لهما بتواتر الظهور كمتحدثين لدى السلطات العمومية.