الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حكم تاريخى للقضاء الإدارى فى الجهاز المركزى للمحاسبات




سطرت محكمة  القضاء الادارى بكفر الشيخ برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة  صفحة جديدة فى اعلاء  قيم النزاهة والشفافية  ضمانا لحسن  اداء الوظيفة العامة فى  اخطر جهاز رقابى فى مصر وهو الجهاز المركزى للمحاسبات ووضعت ضوابط اداء العمل  بين قيادته والعاملين فيه باعتبارهم حراس المال العام، كما ارست معيارًا جوهريًا  لتحقيق المعادلة الدقيقة والتوازن  بين الحق الدستورى للعاملين فى هذا الجهاز فى التعبير عن آرائهم  وبين الحق فى الحفاظ على بيانات العمل واسراره.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين عبد الحميد متولى واحمد مكرم نائبى رئيس مجلس الدولة.
أولا: بإلغاء القرار المطعون فيه الاول الصادر من رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بنقل المدعى احمد عبد الحى السنديونى من وظيفته  من عمله الاصلى بمراقبة حسابات الائتمان الزراعى والتعاونى التابع للجهاز بكفر الشيخ إلى مراقبة حسابات الهيئة القومية للبريد بطنطا لاستخدامه حقا دستوريا فى التعبير عن رأيه عبر وسائل النشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى بما لا يعد تصريحا أو بيانا عن أعمال وظيفته أو افشاء لما هو سرى منها بطبيعته أو بموجب تعليمات تقضى بذلك وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام رئيس الجهاز مصروفات الطلب الأول.
ثانيا: بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الثانى الصادر من رئيس الجهاز بنقل المدعى من طنطا إلى محافظة اسيوط باعتباره تلاحقا لقرارات النقل مشوبا بالانحراف فى السلطة وما يترتب على ذلك من آثار اخصها ألزام رئيس الجهاز بتمكين المدعى من تسلمه عمله الاصلى بفرع الجهاز  بكفر الشيخ والزمت رئيس الجهاز مصروفات الطلب الثانى.
حماية الموظفين وحرية الرأى مطلب دستورى وديمقراطى
إن الاصل المقرر دستوريا والمتطلب ديمقراطيا هو وجوب كفالة حماية الموظفين العموميين فى أداء واجباتهم مع كفالة حرية الرأى سواء لذات العاملين فى مباشرتهم للنقد رغبة فى الاصلاح وتحقيق المصلحة العامة أو غيرهم من المواطنين مع رعاية حرية وتوفير حق الشكوى لكل منهم لوسائل النشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى وغير ذلك من طرق النشر والاعلام مما تستحدثه بيئة التطور الاعلامى دون مساس بأسرار الدولة وصيانتها، وان اجتماع حق الشكوى مع حرية الرأى.
وذكرت المحكمة ان للموظف العام ان يتظلم إلى السلطات الرئاسية وله ان يعبر من خلال وسائل النشر المختلفة عن تظلمه مما يعانيه أو مما يتصوره ظلما لحق به وان يحدد وقائع ما لاقاه من عنت أو اضطهاد وكذلك ان ينتقد بصيغة موضوعية اجراءات ونظام العمل ووسائله مقترحا مايراه بحسب وجهة نظره وخبرته من اصلاح فى اساليب ووسائل تنظيم واداء العمل مما يرتفع بمستوى الخدمات والانتاج للمصالح العامة وحماية الاموال والاملاك العامة ورعاية حقوق وكرامة المواطنين شريطة ألا يلجأ إلى اسلوب ينطوى على امتهان أو تجريح للرؤساء بما لا يستوجبه عرض وقائع الشكوى، وله كذلك ان يوجه النقد للنظم الادارية السيئة أو العتيقة والبالية وبيان صور ما يعانيه من ظلم أو افتراءات أو مايراه من تخلف فى الانظمة والوسائل التى تتبعها الجهات الادارية بما يعوق سير وانتظام اداء المرفق والمصالح العامة للخدمات العامة للشعب.
المدعى هاجم الجهاز فى عصر مبارك فأحيل للنيابة التأديبية
واكدت المحكمة ان المدعى فى اواخر عصر الرئيس الاسبق مبارك ثم بعد ثورة 25 يناير 2011 قام بنشر عدة اخبار نشرت له وزملائه ببعض الصحف عن رؤيته فى تطوير الجهاز المركزى للمحاسبات وكون مع زملائه حركة «رقابيون ضد الفساد» وهم يسعون إلى اصلاح الجهاز وتطويره لحماية المال العام والمطالبة بتدعيم استقلاله فى ظل عهد الاخوان قبيل اصدار دستور 2012.
واشارت المحكمة إلى ان القضاء الادارى هو الجهة القضائية المختصة التى لها ان تغوص فى نوايا واهداف الجهة الادارية بحسبان ان القضاء الادارى بحكم درايته وتخصصه اضحى عليما بما تستهدفه الادارة من اهداف وعلى دراية بالوسائل التى تتخذها الادارة وسيلة لاصدار قراراتها.
ملاحقة الموظف بسبب آرائه فى الإعلام أداة غشيمة للعقاب
واضافت المحكمة انه عقب المداخلة التى اجراها المدعى مع احدى القنوات الفضائية منتقدا مظاهر سلبية فى اساليب وتنظيم العمل داخل جهاز المحاسبات وعقب حصوله على حكم ببراءته من المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية فى الدعوى رقم 97 لسنة 54 ق بجلسة 7 يوليو 2013 عن البلاغ المقدم ضده من رئيس جهاز المحاسبات وحصوله على الصيغة التنفيذية للحكم بتاريخ 14 سبتمبر 2013 اصدر رئيس الجهاز بعد ثلاثة اسابيع القرار المطعون فيه الثانى بنقل المدعى إلى فرع الجهاز بمحافظة اسيوط ومن ثم فإن تلاحق رئيس جهاز المحاسبات للمدعى بقرارات النقل المكانى وصدورها بغير مقتضى من الصالح العام يؤكد ان مصدر القرار إنما قصد مجازاة المدعى لأنه لم يكن راضيا عن الظهور الإعلامى له وممارسته لحقه الدستورى فى التعبير عن رأيه وبهذه المثابة يكون رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات قد انحرف بسلطته فى نقل العاملين من مكان لآخر عن الغاية التى وضعت له واتخذها أداة للعقاب.
نقل المدعى من محافظة لمحافظة يخل بتماسك الأسرة
واكدت المحكمة ان قرارى رئيس المحاسبات بنقل المدعى من فرع الجهاز بمحافظة كفر الشيخ تارة إلى محافظة الغربية وتارة اخرى لمحافظة اسيوط يعد ستارا انتقاميا من شأنه ان يحطم المقومات الاساسية للمدعى ولاسرته وانفراط شملها وهو ما يحمل على عاتقه ما لا يطاق ولا يكلف الله نفسا الا وسعها ويتضمن ارهاقا له من مشقة وعناء تنوء عن حمله الطبيعة الانسانية اذ يقتضى ذلك منه ترك اسرته وموطنه بكفر الشيخ ليقيم فى اقصى محافظة فى البلاد بأسيوط وفى ذلك تكلفة ماديا ومعنويا لحاجته لتكاليف السفر والمعيشة وقد لا يفى مرتبه بذلك مما يؤثر سلبا على اسرته ومن ثم  يكون القرار المطعون فيه الثانى مخلا بالواجب الدستورى نحو الحفاظ على تمساسك الاسرة ووحدتها
واختتمت المحكمة حكمها الرائع الذى يعطى للحكومة مفاهيم جديدة عن الديمقراطية بقولها إن الديمقراطية وهى الوصف الاول للحكم انما هى ديمقراطية جميع افراد الشعب المؤيد منهم للحكومة القائمة والمعارض لها سواء بسواء ذلك ان المعارضين للحكومة من الوطنيين لا يقلون اخلاصا للوطن عن المؤيدين بل ان من حق المعارضة المشروع ان تسعى إلى ان تحل محل الحكومة فى تولى مقاليد الحكم وبناء على ذلك فان ابداء رأى معارض لحكومة الدولة والتعبير عن هذا الرأى ونشره بمختلف وسائل الاعلام سواء فى الداخل أو الخارج حق مشروع طالما كان ابداء الرأى ونشره والترويج له والدعوة اليه من خلال اقتناع ذاتى وحس وطنى حتى ولو اغضب هذا الفكر الحكومة القائمة طالما انه لم يتعد بنشاطه حدود المشروعية الدستورية والقانونية ويصل إلى حد المساس بأمن البلاد أو النظام العام أو مقتضيات الدفاع الاجتماعى من خلال ارتكاب جريمة ينص عليها قانون العقوبات.