الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حلم العدالة الاجتماعية




عبدالناصر قالها زمان.. المصانع للعمال.. عبدالناصر «نام وارتاح.. بعدك هيكمل  عبدالفتاح».. وسط هذه الهتافات احتفل حشد من العمال بعيدهم فى ضريح الرئيس الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر» بحضور نجله «عبدالحكيم» الذى طالب بإلغاء قانون عدم الطعن على العقود الموقعة بين الحكومة والمستثمرين الصادر مؤخرا عن رئاسة الجمهورية، وقال فى المؤتمر الذى عقدته حركة حماية الضريح إن عبدالناصر سعى لاستمرار كرامة العامل المصرى وحقه فى العيش والعمل.. وأكد رفضه بيع أى من مصانع الدولة التى بقيت تبعيتها للقطاع العام.. وأوضح أن بناء مجمع الألومنيوم الذى يعد من أقدم مجمعات الألومنيوم تم فى فترة حكم والده بالاضافة الى مصنع الحديد والصلب الذى يمثل موردا رئيسيا فى الاقتصاد المصرى.
والحقيقة أنه حينما خرج «أمير الفقراء» من ترع النيل ومصارفها وطميها ومن رائحة الارض وغيطان زهر القطن وسنابل الرجاء فى وطن جديد يسوده العدل والرحمة والمساواة وبناء نهضة حقيقية لشعب عانى طويلا من فساد حكم الملك وسيطرة الاقطاع.. الرأسمالية المستغلة الذين اجاعوه وأفقروه.. وجد «نصير الفقراء» من يكرهونه ويكفرونه ويرونه علمانيا ملحدا وشيطانا رجيما.. حيث بدأت خصومتهم التاريخية له منذ بداية الثورة حينما طالبوه بعرض جميع القوانين، القرارات التى سيتخذها مجلس قيادة الثورة، قبل صدورها على مكتب الارشاد لمراجعتها للاطمئنان لمدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها.. ورفض «عبدالناصر» ثم حاول أحد المنتمين الى الجماعة اغتياله فى ميدان المنشية بالاسكندرية فى 26 أكتوبر 1954 فتم اعدامه واعدام عدد من القيادات المؤثرة للجماعة.. وفى عام 1964 قام عبدالناصر باعتقال من تم الافراج عنهم من الاخوان مرة أخرى وإعدام سيد قطب عام 1966 ومعه خمسة من القيادات.. وتعرض الاخوان للتعذيب داخل المعتقلات ما أدى إلى مقتل ما يقرب من 350 إخوانيا منهم.
إن جمال عبدالناصر استجاب لمشاعر طبقة متوسطة مستنيرة كانت تعرف واجبها نحو الغالبية العظمى المحرومة من الشعب.. كما استجاب لظروف دولية كانت فكرة العدالة الاجتماعية فيها حية وقوية وتسعى مختلف الحكومات إلى تطبيقها بدرجات وأشكال مختلفة، فتم اصدار قانون الإصلاح الزراعى الذى كان ثوريا منذ بدايته وزادت ثوريته بتعديله مرتين - حسب تعبير د.جلال أمين - وفى كل مرة تخفض فيها الحد الاقصى للملكية الزراعية المسموح بها.. مع إعادة توزيع الاراضى المستولى عليها من الدولة على المعدمين أو شبه المعدمين من الفلاحين مع فرض حد اقصى للإيجارات الزراعية غير مبالٍ باعتراضات الاقطاعيين الذين اجتمعوا بـ«على ماهر» رئيس الوزراء فى ذلك الوقت محاولين الضغط عليه لعدم تنفيذ القانون فلما انحاز إلى وجهة نظرهم فى أن القانون سوف يؤدى إلى تفتيت الاراضى الزراعية رفض مجلس قيادة الثورة الاستجابة له وتمت إقالته.. كما اقترن مشروع جمال عبدالناصر لتحقيق العدالة الاجتماعية بتنفيذ التأمينات الشاملة للملكيات الخاصة الصناعية والتجارية ووضع حد أدنى للاجور واشتراك العمال فى مجلس الإدارة والأرباح.
كما تم تعديل نظام الضرائب تعديلا جذريا جعله أكثر تصاعدية ووضع حد أقصى للدخل والمرتبات الحكومية.. كما تحملت الدولة مسئوليات كبير فى توفير السلع والخدمات الاساسية للجميع بدعم السلع الضرورية وتوفير الخدمات الرئيسية فى التعليم والصحة والمسكن بأسعار زهيدة.. كما تم تخفيض البطالة الى اقل مستوى ممكن حيث ساعدت إعادة توزيع الاراضى الزراعية فى تخفيض البطالة فى الريف واستوعبت المشروعات الاستثمارية الكبيرة فى الزراعة والصناعة أعدادا كبيرة من المتبطلين المنضمين إلى سوق العمل وضمنت الحكومة توظيف جميع الخريجين الجدد فى الجامعات والمعاهد العليا، فإذا ما أضفنا الى ذلك بناء المساكن الشعبية لمحدودى الدخل وفتح أبواب التعليم المجانى أمام الفقراء.. وإنصاف أبناء الطبقتين الوسطى والدنيا من خلال مكتب التنسيق وقانون القوى العاملة ثم تأميم قناة السويس وجميع البنوك الاجنبية.. يمكننا اذا من خلال ما سبق أن نقول إن فكرة العدالة الاجتماعية كانت هدفا أساسيا شرع جمال عبدالناصر فى تحقيقه رغم كل العوائق.. فالعدالة الاجتماعية تتعلق بالفلسفة العامة للدولة وسياستها الاقتصادية العامة.. وكلاهما يتعلق بالموقف الاخلاقى للدولة من قضية الغنى والفقر.. ونمط التنمية المطلوب.. ونوع النهضة المنشود.. ولا يمكن الاستمرار فى عقد الامال على قدرة ثورة يناير 2011 وثورة يونيو 2013 على تحقيق العدالة الاجتماعية الا بتحقيق هذا الشرط إن الثورة الحقيقية تعنى العدالة الاجتماعية.. دون العدالة الاجتماعية لا تتحقق الديمقراطية ولا الحرية الانسانية ولا الكرامة الانسانية.. لا تتحقق الثورة.
وهذا ما استوعبه بعمق وراهن عليه «عبدالناصر» منذ قيام ثورة 1952 وكسب الرهان.. والتف حوله الملايين من أبناء الفقر والمقهورين فى الارض.
ورغم إننى أدرك أن الزمان غير الزمان ولكل عصر آلياته ومعطياته إلا أننى أدرك أيضا أن العدالة الاجتماعية هى العدالة الاجتماعية.. تختلف وسائل تحقيقها لكنها تبقى الهدف الاسمى قبل كل شىء وفوق كل شىء.. وأن السيسى لن يخذل الملايين التى تتوق إلى تحقيقها.
وليس أدل على ذلك من إعلانه عن مشروعه القومى الكبير بحفر القناة الجديدة وبداية التخطيط لمشروع تنمية قناة السويس الذى سوف يحقق إيرادات تتراوح من 100 إلى 150 مليار دولار سنويا بعد اكتمال تنفيذه سيحول قناة السويس الى مركز تجارى ومالى عالمى.
وإذا كان السيسى يشيد  بإعلام عبدالناصر فهى إشادة لا تعنى أنه يدعم الاعلام بمفهومه الموجه المنحاز انحيازا كاملا للسلطة الحاكمة، ولكنه الإعلام الذى ينحاز للوطن وينتصر لأحلام شعب يتوق إلى غد جديد مختلف.