الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مقدمة «بهاء» وكتاب «الحكيم»!




إن الشباب من أبناء هذا الجيل يريدون أن يصنعوا ـ باخلاص ـ أشياء باهرة، وأن يقفزوا بالإنتاج الأدبى والفنى خطوات هائلة، ولكنهم لا يبذلون من أجل ذلك الجهد والإصرار اللازم لتحقيق ما يبتغون!
والظاهرة التى يجب أن نعترف بها هى ما يسود من تعجل النشر وتعجل الشهرة وتعجل الكسب، مما يجعل العمل الفنى يخرج مبتورًا ناقصًا غير ناضج ويجعل النقد يبدو أحيانا فى ثوب الرغبة فى الهدم والتسلق وإحداث الضجة فحسب.
ولا ينطبق هذا الكلام طبعًا على الجميع، ولا هو ينفى جهود المخلصين.
الكلمات المهمة السابقة كتبها الأستاذ الكبير «أحمد بهاء الدين» فى خريف سنة 1954 وكان لا يزال وقتها فى السابعة والعشرين من عمره، أما مناسبة كتابتها فقد جاءت بطلب من الأديب الكبير الأستاذ «توفيق الحكيم» لتكون مقدمة كتابه المهم والجميل القيمة «تأملات فى السياسة» والذى تحمست لنشره السيدة العظيمة، «روزاليوسف» ضمن سلسلة «كتاب روزاليوسف» أغسطس1954.
فى ذلك الوقت كان توفيق الحكيم «56 سنة» ملء السمع والبصر خاصة بعد إعلان الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» انه عندما كان شابًا وقرأ رواية توفيق الحكيم «عودة الروح» كان إعجابه وتأثره بها بلا حدود.. ولم يستنكف «الحكيم» أن يطلب من الكاتب الشاب «أحمد بهاء الدين» الذى يكتب بانتظام فى مجلة «روزاليوسف» وهو أحد كتابها المرموقين مصريًا وعربيًا.
كتب الأستاذ «بهاء» يقول: «عندما تفضل الأستاذ «توفيق الحكيم ودعانى إلى أن أكتب مقدمة قصيرة لهذا الكتاب وقعت فى حيرة شديدة! كيف أكتب هذه المقدمة، ولم تمض على سنوات، عندما كنت أجلس الساعات على مقعد خشبى قاس فى «دار الكتب» أنتظر العامل الذى يحضر لى كتب «توفيق الحكيم» لأغرق فى قراءتها مأخوذًا مبهورًا حتى يدق جرس الانصراف! وعندئذ كنت أدخر مصروفى لكى أقتنى نسخة خاصة بى من «عودة الروح».
ثم ماذا أقول فى هذه المقدمة، وقد أصبحت اليوم أخالف الأستاذ «توفيق الحكيم» فى كثير مما يذهب إليه، ربما فى هذا الكتاب بالذات؟!
وقبل أن أبت فى هذه الحيرة برأى كنت قد غرقت فى كتب توفيق الحكيم أخرجتها جميعًا من مكانها فى مكتبتى وأخذت أعبر سطورها مرة أخرى، لا أذكر رقمها بين المرات التى قرأت فيها هذه المؤلفات من قبل..و..و
ثم يضيف الأستاذ «بهاء» وتأملوا جيدًا دلالة قوله حيث يقول:
ووقفت عند ملاحظة غريبة، لقد قضى «توفيق الحكيم» عشر سنوات هى «زهرة عمره» بين الرابعة والعشرين والرابعة والثلاثين تقريبًا، قضاها يكتب ويجرب «ولا ينشر».. عشر سنوات قضاها «توفيق الحكيم» ـ حقًا لا مجازًا ـ فى محراب الفن، يكتب بغير تسرع ولا تعجل ولا متلهف على النشر، عشر سنوات مضيئة كتب فيها أول مسرحية بالمعنى الحقيقى: أهل الكهف ثم شهر زاد، غير «الزمار» و «حياة تحطمت» و«الخروج من الجنة» و«الشاعر» و«رصاصة فى القلب» وكتب فيها أول رواية واقعية مصرية «عودة الروح» ثم «يوميات نائب فى الأرياف»، كل ذلك قبل أن يدخل اسمه الحياة الأدبية بنشر «أهل الكهف» على استحياء شديد سنة 1933 أليس فى ذلك درس لنا.. نحن شباب هذا الجيل؟!».
ويجيب الأستاذ «بهاء» عن سؤاله بالسطور الأولى التى بدأت بها هذا المقال؟!
لقد اختلف «بهاء» مع رؤى وآراء «الحكيم» لكنه الخلاف الذى لا يفسد للود قضية، انه خلاف الأجيال لا نفى وإقصاء جيل لآخر، لقد كتب الأستاذ بهاء مفندًا ومناقشًا رؤى «الحكيم»، ولقد نشرها «الحكيم» كاملة دون أن يضيق صدره بآراء هذا الكاتب الشاب.
إن مقالات «الحكيم» التى كتبها خلال ست سنوات حافلة بالأحداث بين عامى 1941و1946 وقد مضى عليها الآن أكثر من سبعين سنة لا تزال حية ونابضة بالحياة وكأنها تناقش ما يحدث سنة 2014!.